لم تكن الفلسطينية وداد قعوار تتصور انه يمكن لهدية بسيطة تلقتها ذات يوم وهي عبارة عن ثوبين تقليديين أن تنمو وتصبح أكبر مجموعة موثقة من الأزياء الفلسطينية والأردنية. نشأت قعوار، التي تعرض مجموعتها النادرة للمرة الأولى في بلد عربي، في المتحف الوطني في السعودية، في مدينة بيت لحم ودرست في مدينة رام الله، وكلتاهما تتميزان، كما تقول، بأزياء تراثية ذات نقوش تقليدية نموذجية. ثم أكملت دراستها في الجامعة الأميركية في بيروت حيث التقت بمدرس اللغة الانكليزية بي ساتون الذي كانت لديه أبحاث سابقة حول أشغال التطريز في رام الله وطلب منها ومن بعض الطلبة دراسة نماذج من النقوش التقليدية، وعندما رجعت إلى وطنها عقب الحرب العربية - الإسرائيلية 1948 - 1949، فوجئت "باختفاء الصورة الجميلة التي كانت في ذاكرتي عن المرأة القروية التي ترتدي أجمل أثوابها وتسير مع رفيقاتها إلى سوق بيت لحم". تأثير الحياة الاخرى وقعت قريتها تحت الاحتلال، ووطنت النساء والعائلات في مخيمات اللاجئين، وباتت تعيش "حياة أخرى"، حياة المخيمات. دفعها اختفاء تلك الصورة الجميلة، إلى أن تبذل جهداً "لجمع بعض الأزياء مع بعض المعلومات عنها ومن مصادرها الأصلية. ثم واجهت، بعد حرب عام 1967، حقيقة أن جميع القرى الفلسطينية أصبحت واقعة تحت الاحتلال "كان يتحتم علي أن أضاعف جهودي لجمع الأزياء الأصلية قبل أن يطغى عليها تأثير الحياة الأخرى، حياة مخيمات اللاجئين القاسية، وإلى جانب الأزياء، كان يجب أن أجمع بعض أدوات الزينة الإكسسوار مثل الحلي، وأغطية الرأس، والأحزمة الزنانير، وبعض القطع الأخرى التي تستخدمها المرأة كزينة في حفلات الزواج مثل الوسائد، وأشغال التطريز المنزلية، والمنسوجات، وغيرها من المصنوعات اليدوية". لم تقتصر مجموعة قعوار على الأثواب الفلسطينية، بل تجاوزتها لتشمل الثوب الأردني: "خلال إقامتي في عمان جذبت اهتمامي الأزياء الأردنية: الثوب السلطي الفضفاض المهيب مع العصبة المنسوجة من الحرير السوري، وأثواب معان الملونة، ومجموعة الأزياء المتنوعة التي ترتديها النساء في شمال الأردن، وكانت هذه الأزياء أيضاً في طريقها إلى الاختفاء تحت تأثير استخدام الآلات". قابلت وداد قعوار نساء بلادها، من سكان المدن والقرى، وعرفتهن معرفة جيدة، وعرفت كيف تمكن من الحفاظ على رابطة قوية مع تراثهم، "على رغم الدور المتغير الذي تقوم به المرأة في الأسرة في عالم سريع التغيير". وظلت المرأة التي جمعت تراثها، مصدراً دائماً لإلهامي، لقد شرفتني نساء بلادي بمشاركتي ذكريات الماضي السعيدة والتعيسة، وشجعنني على نقل تراثها الغني إلى الأجيال المقبلة". وتمنت من زوار معرضها، الذي ترعاه الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز، رئيسة الهيئة الاستشارية للمتحف الوطني السعودي، أن يفكروا في النساء اللواتي "صنعن هذه الأزياء، وفي المناسبات السعيدة التي ارتديت هذه الأزياء فيها قبل وقوع الاحتلال". بين الماضي والمستقبل وتطرح مجموعتها بصفتها تراثاً يعبر عن "وحدة بلاد الشام قبل التمزق"، وعن هوية، هي "التاريخ غير المسجل والصلة بين الحاضر والماضي والمستقبل، في تواصل لثقافة الأجيال من دون انقطاع، هي حكاية جميلة تنتقل من جيل إلى جيل، فلننقلها إلى أولادنا قبل أن يصبحوا غرباء عنها". وتقول انها حرصت على جمع كل ما يتعلق بالمرأة الفلسطينية، بعد تعرض أرضها وتراثها للدمار والإندثار، وبعد انتقال العدد الأكبر منهن إلى مخيمات يواجهن فيها تراثاً مقطوع التواصل، كما تحرص على ربط التراث بتاريخه وتوثيقه، فخلف كل قطعة قصة وتاريخ يجب تسجيلها، ولا قيمة للقطع التراثية من دون قصصها". وحول ما إذا كان هناك دعم مؤسساتي للمحافظة على هذه المجموعة من التلف، تقول: "لا يوجد دعم من أي مؤسسة، إنما هناك دعم من العائلة والأصدقاء، ولم أكن أنتظر مساعدة من الحكومة، لأنني أعرف انها لا تهتم بما يعود إليها من تراث ومجموعات فكيف ستهتم بما لدي أو لدى الآخرين". ردود الفعل وعن ردود الفعل حول المعارض التي أقامتها في أوروبا واليابان، أوضحت انها كانت جيدة: "هناك رغبة في التعرف على تراثنا، لكن ما أدهشني في فترة الإعداد لكل معرض أقمته في بلد أوروبي، هو انه في السويد مثلا تفاجأت بحوالي خمسة آلاف عامل عربي حضروا معرضي، وعاتبوني لم لا أحمل بعض القطع التراثية من بلدانهم وكان بعضهم من العراق واليمن، وفي الدنمارك أدهشني أن العمال الذين قاموا بالتحضير لمعرضي هم من المساجين، كانوا نجارين وحدادين ورسامين، يخرجون من السجن لساعات معينة ثم يعودون إليه بعد انتهاء عملهم". وتتمنى قعوار أن تنشأ رابطة من مهامها: "المحافظة على الملابس التراثية العربية وأيضاً تبادل المعلومات حولها وإشهارها على مستوى العالم"، وعبرت عن سعادتها باكتشاف كم هي غنية الأثواب السعودية، مشيرة إلى "جهل الكثيرين بالملابس التراثية في البلدان المجاورة".