تقوم الشهادات التالية على التمثيلية النسبية لأفكار وتوجهات صادرة عن سياسيين وأكاديميين وأصحاب رأي داخل العراق عانوا ما عانوه قبل الاحتلال وبعده، حصّلتها "الحياة" على هامش ندوة عقدها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت في عنوان "احتلال العراق وتداعياته عربياً وإقليمياً ودولياً" 8 - 11 آذار/مارس. واختيرت شهادات مستمدة من المناقشات في الندوة وليس من البحوث وتمّ التركيز على اتجاهات الأفكار التي تقدّم مقطعاًً مهماً من مقاطع النخب العراقية في الداخل بعد عامٍ على سقوط بغداد. صلاح عمر العلي * كان معتقل أبي غريب يضم 13200 معتقل عراقي حين قرّر صدام حسين الإفراج عنهم قبل شهورٍ قليلةٍ من الحرب. لكنه بات مع الأميركيين وفق رقم آخر المعتقلين الذين أطلقوا من هذا السجن 152920 معتقلاً. ولاقى كثير من المعتقلين حتفهم في التحقيق، وفتحت سجون جديدة أكثر بكثير مما كان لدى صدّام. ذهب نظام استبدادي ليحلّ مكانه نظام أفظع استبداديةً. فهل مات العراقيون وعاشوا في المنافي من أجل ذلك؟ * عضو مجلس قيادة ثورة سابق. محمد صالح الكبيسي * لم يكن سقوط بغداد مفاجئاً لأن الجميع كان متيقناً أن المعركة لا بدّ أن تحسم في وقتٍ مبكّرٍ. وأتكلم هنا عن حال الترقب القلقة ليلة التاسع من نيسان أبريل، بعدما سمعنا عما يجري في مطار بغداد. كان أعضاء الحزب في التاسعة مساء يتجولون بأسلحتهم، لكنهم تواروا مساء الليلة نفسها. وبقيت المدن خالية من أي منهم، مع أنه لم تكن هناك قوات أميركية قربها أو قرب مدينة الرمادي التي تبعد 50 كلم عن الفلّوجة. بدأ الوطنيون يتابعون ما ينقله مراسل "بي بي سي". وحين أخذ المذيع يصف المشهد: ها هي أمامي عشرون دبّابة تعبر جسر الجمهورية، ترقرقت الدموع في عيون الشرفاء على بغداد التي فرّ منها أزلام النظام. في هذه اللحظة بدأ الرجال يهجمون على المقرات الحزبية للسيطرة على الأسلحةة التي كانت في صناديقها. بعد أقل من أسبوعين اندلعت عمليات المقاومة وفاجأت العدو وأربكته، وإني واثق من نصرها. * عضو الأمانة الموقتة لحركة التيار القومي العربي في العراق. صلاح عبدالوهاب عبدالباقي * يثير الحديث عن مستقبل التيار القومي العربي في العراق الشجون. في العراق اليوم مجموعتان رفعتا شعار القومية، لم تصمد أولاهما في الساحة بسبب حصارها وتطويقها، فيما اندمجت ثانيتهما بركب التحالف الاستعماري. وأتكلم هنا عن تجربتي المباشرة، اذ ترأست تحرير جريدة "الأهالي" التي تمثل تيار الحزب الوطني الديموقراطي الذي أسّسه المرحوم كامل الجادرجي، لكنّ كل ما نشر فيها حول القضايا العربية تعرض إلى الهجوم. وكانت النتيجة أن انقسم الحزب على قاعدة الموقف من تلك القضايا وغيرها إلى مؤيدين لممثله في مجلس الحكم نصير الجادرجي وإلى ملتفين حول شخصيةٍ تعتمد في عملها على الطائفية. إن مهمتنا قاسية وتتطلب صبراً وكفاحاً لإنقاذ عروبة العراق وتحريره. * رئيس تحرير جريدة "الأهالي". ضاري رشيد الياسين * قد تعتبر مظالم النظام السابق "جنحةً" في مزاج المضحك - المبكي إذا ما قسناها بما ترتكبه قوات الاحتلال يومياً من اعتقالات ومداهمات تتم بعد منتصف الليل، من دون أي وسيلةٍ للظلم والشكوى. وتمّ توسيع سجون النظام السابق وافتتاح معتقلاتٍ جديدةٍ. ومهما كان قولنا في النظام الديكتاتوري السابق فإن موقفه من القضايا القومية وفي مقدمها قضية فلسطين والذي كان فوق أي شكٍ أو ارتيابٍ كان أحد مبررات حصاره واحتلاله. المقاومة هي السبيل الوحيد للتحرير، والأساس هو التحاق المقاومة السلمية بالمقاومة المسلحة المشروعة وطنياً وأخلاقياً ودولياً في جبهة تحريرٍ وطنيةٍ. * رئيس قسم الدراسات الأميركية في كلية العلوم السياسية - جامعة بغداد. ثامر كامل محمد الخزرجي * المحتل يصول ويجول، ولا حصانة لأحد، على رغم كثرة المنادين بالديموقراطية وببشائرها. إن العوامل الدالة إلى استشراف أزمة أكثر من العوامل الممهّدة للاستقرار. لا تزال الديموقراطية حتى هذه الساعة من دون طعمٍ أو رائحةٍ لأنها من دون حرية. وباسم الحرية والاشتياق إليها بعد كبتٍ طويلٍ تشكل في العراق المحتل ما يقارب من 232 حزباً وحركةً وتجمعاً وجمعيةً، منها ما هو أصيل وله رصيد في التضحيات وتاريخ، ومنها ما هو وليد العامل الخارجي من دون نظامٍ داخليٍ أو فكرٍ أو تنظيمٍ أو التزامٍ ولا تعدو كونها أحزاباً مصنوعةً خارج العراق، في إطار سعي المحتل لتأسيس ديموقراطية معنية بتكريس أشكال احتلاله. لا يزال الشعب العراقي حتى الآن صامداً في مواجهة المحنة، لكن ما يؤسف له أن الجميع لا يتحدثون بقدرٍ واحدٍ عن جلاء المحتل ووحدة العراق أرضاً وشعباً. وأتساءل في ضوء مؤشرات ما يتم تغذيته والنفخ فيه عن تهيئة سلطات الاحتلال لمسرحٍ من الاقتتال الاثني على أسسٍ دينيةٍ واثنيةٍ، و تكريس "ضرورته" عبر تهيئة منظماتٍ هجينةٍ تسير في طريق الصراع على السلطة من دون نهاية. * أستاذ في مركز الدراسات الدولية - جامعة بغداد. وميض عمر نظمي * يجب أن نعرّف وضعنا في الداخل إلى من هم من إخواننا في الخارج. المعارضة التي كانت في الخارج، وأتيح لها أن تنظّم نفسها في إقليم كردستان، وحافظ قسم منها للإنصاف في شروطٍ شديدة الصعوبة والكلفة على امتداده داخل العراق فوجئوا على ما أعتقد كما فوجئنا نحن والبعثيون أيضاً، بأنه لم تكن لهم تلك القوة التي تستدعي كل القمع والإذلال. وأعني هنا أحزاباً من نوع حزب الدعوة وتفرعاته. الحزبان الكرديان لهما قواعد واسعة، كما لا يمكن الاستهانة بقدرات الحزب الإسلامي ممثل في مجلس الحكم في الداخل. ويقودنا ذلك إلى مناقشة تشكيل جبهة مع البعثيين. لا يوجد الآن في العراق بعثيون بمعنى الحزب، وإن كانت هناك معلومات مشوشة عن تنظيمٍ حزبيٍ استمر حتى اعتقال الرئيس السابق، وكان يعتبره أمين سره، ويقوم بعملٍ مسلح، وعرض على بعض "المفصولين" العودة إليه في إطار النقد الذاتي، ونكتشف، على سبيل التحليل، أن مسؤولي هذا التنظيم كانت لهم الملاحظات نفسها على النظام، وهم في عملٍ سريٍ مسلحٍ مكْلفٍ. أعتقد في خلاصتي لذلك أن آلام الإخوة البعثيين من النظام السابق كانت أكثر من آلامي. مسألة ضمّ حزب البعث إلى جبهة أو غيرها ليست مطروحةً أو مقبولةً في شكله الحالي، مع أن صدام حسين لم يفصل أحداً من الجامعة إلا في حدودٍ وكان ينقل من لا يرغبه بالرواتب نفسها إلى وزاراتٍ أخرى ويتقبل الاعتراضات، لكننا اليوم إزاء ثلاثة آلاف أستاذٍ جامعيٍ مفصولين من دون رواتب. إذا كان البعثيون مطالبين وهذا أمر محسوم بالنقد الذاتي، فإن جميع الإخوة الماركسيين والقوميين والإسلاميين مطالبون بمثل هذا النقد الجذري المراجع، اذ ارتكب بعضهم فظائع "يحمرّ" وجه صدام حسين خجلاً منها. هربت القيادات البعثية محملةً بالحماية وفي مقدمها وزير الإعلام السابق، لكن البعثيين الذين ظلوا في الداخل، ومن دون حتى رواتب، كانوا يشاركوننا كل آلامنا، ومصيرهم يثبت ذلك. وهم * مؤرخ عراقي وأستاذ في كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد. جواد الخالصي * حالات الانهيار والإحباط شاملة للجميع، بمن فيهم الطلائعيون الثوريون وعلماء الدين الذين كان ينبغي على مبادراتهم أن تكون أكثر سرعةً. ولذلك يجب أن نبادر لأن لا أحد ينوب عنّا في حمل العبء، وألا نبقى في مآسي الماضي الكثيرة والمريرة من دون الاعتبار بها. هناك فرق بين أن نقول للبعثيين أن توبوا وأنكم مسؤولون عن الخطأ وبين ان نشخّص المأساة. ومن دون أن نبرئ صدام مما فعله، فإنني أعتقد - وهذا رأيي الخاص - أن صدام ليس مسؤولاً عن هذه المأساة بل كان أداةً لها. ليس من مصلحتنا القول إن الشيعة لم يدخلوا في المقاومة. الصحيح هو العكس تماماً. لقد سمعت أقوى خطابٍ يدعو إلى القتال ضدّ الأميركيين من عالمٍ نجفيٍ هو أحمد الحسن البغدادي، وألقاه بين جماهير مدينة الثورة. تجاوز الشعب العراقي الفتنة الطائفية، لكن هذا لا يعني عدم وجود أزمات في المجتمع، بل في داخل الطائفة الواحدة والمدينة الواحدة. الكل مجمع قطعياً على رفض الاحتلال، لكن الاختلاف في سؤال كيف؟ يجب التكتل ضد الاحتلال، بما في ذلك الإلحاح على قوى محسوبة على النظام السابق كي تعرّف بهويتها وأسماء قادتها. إني متأكد أن مسؤولين في النظام السابق كانوا يعانون أكثر مما نعاني في ظل الديكتاتورية. لست مستعجلاً لعقد مؤتمرٍ عراقيٍ عام لكن لندع المبادرات تتفتح، ويمكن أن ننضم إلى أنضجها، شرط أن تكون كل المحاولات المؤتمرية ضد الاحتلال. الحشد العلمائي مهم لأن الهيمنة اليوم إسلامية مع ملاحظاتي على الإسلاميين. لا مجال للقاء مع المحتل. هذه هي القاعدة والأصل وكل شيء معه يقبل الاختلاف والخيار. * المشرف على جامعة مدينة العلم - الكاظمية. فوزية صابر * كلنا مع المقاومة ومع شرفها، لكننا لسنا مع التصنيفات الضيقة التي تضع في سلةٍ واحدةٍ وفق منطلقاتٍ سياسويةٍ متحزّبةٍ مسبقاً الشيعة والأحزاب العلمانية والكرد مع الاميركيين. الكل وطنيون ما داموا ضدّ الاحتلال، ويجب ألا ننعتهم بمقاومة إسلامية وغير ذلك. فلول النظام تقاتل باستماتةٍ لأنها فقدت كل شيء. فهل هذه هي المقاومة؟ ليست المقاومة بالسلاح وحده، بل لها أشكال متعددة. للاحتلال أجندته التي تدعه باقياً بأي ثمن، مدافعاً عنها بكل شراسة، وهذا يفرض احترام كل الخيارات في مقاومته. * أستاذة في كلية التربية في جامعة بغداد. سالم النجفي * ترك البعث فراغاً كبيراً لأنه لم يسمح بأي بديل محتملٍ منه. ويتحمل البعث المسؤولية. لكننا في منطقة الموصل المحاذية للأكراد إخوتنا وأعزتنا، بدأنا نشعر أن الأكراد يتمددون في ساحةٍ ليس لهم تاريخ فيها. المنطقة التي كنت فيها رحبت بالاحتلال ورفضته في آنٍ. على الإخوة البعثيين عقد مؤتمرٍ استثنائيٍ لهم يميز ما بين الحزب وبين النظام. يجب إنهاء المطابقة بين الحزب والنظام السابق. * أستاذ في جامعة الموصل. حسن البزاز * ليس وتر المصالحة الوطنية صالحاً لأن التاريخ العراقي يثبته على الدوام. يجب أن نؤكد مسألة المرونة في العمل، وأن نمتلك قدرتها في تثبيت الثوابت. الهدف الأسمى هو القومية الوطنية، وهو هوية العراق الوطنية العربية الديموقراطية. ليس لمعارضة الخارج رصيد في الداخل، لكنّ معارضة الداخل تمتلك صوتها. أبغض الاحتلال لكني لست ضدّ هيئاتٍ وطنيةٍ تتحدث معه كما تتحدث مع أطراف دولية ومع الأممالمتحدة في ضوء مصالح الشعب العراقي. * أكاديمي وقيادي في حزب الوسط. عبدالسلام بغدادي * فرض الحصار ثقافةً معينةً يمكن تسميتها ثقافة الحصار التي بات فيها العنف جزءاً من تفاصيل الممارسة الحياتية اليومية للعراقي. وراكمت ثقافة الحصار النزعة الثأرية "الاقتصادية"، التي عبّرت عن نفسها من خلال عملية الفرهود إبان دخول قوات الاحتلال. وكشف ذلك عن الحرمان من دون أن يبرّر فعلة الفرهود. في حين تركت سياسة المناطق المحظورة أميركياً شرخاً في نفوس شعبٍ عريقٍ متنوعٍ ومتماسكٍ عبر التاريخ. * رئيس قسم أفريقيا في مركز الدراسات الدولية في جامعة بغداد. اعداد محمد جمال باروت