تأثر الاقتصاد المغربي سلباً بتقلبات اسعار صرف العملات الرئيسية في الربع الاول من السنة الجارية وخصوصاً بين اليورو والدولار، في وقت يستعد فيه المغرب للتوقيع رسمياً على اتفاق المنطقة التجارية الحرة مع الولاياتالمتحدة ولبدء المرحلة الثانية من المبادلات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، وينتظر قيام السوق العربية الحرة التي تاخر موعدها. قال تقرير لمديرية التوقعات المالية في وزارة المال والتخصيص المغربية امس ان عدم استقرار اسعار الصرف في الاسواق الدولية أثر في تنافسية الصادرات المغربية داخل اسواق الاتحاد الأوروبي بسبب زيادة المزاحمة الآسيوية وخصوصاً في قطاعات النسيج والملابس والتجهيزات الالكترونية والكهربائية، في الوقت الذي يشرع فيه المغرب الى تحرير الرسوم الجمركية على الواردات عملاً ببنود منظمة التجارة الدولية. وأدت تقلبات اسعار العملات الرئيسية، وخصوصاً تراجع سعر صرف الدولار مقابل اليورو، الى ارتفاع عجز الميزان التجاري المغربي الى قرابة ستة بلايين دولار في نهاية عام 2003، وهو رقم قياسي لم يسجل في السابق وتم تمويله عبر ايرادات السياحة وعائدات تحويلات المهاجرين في الخارج. وجاء في التقرير ان الدرهم المغربي شهد فترة عدم استقرار طيلة عام 2003 والربع الاول من سنة 2004، اذ انخفض بنسبة 4.6 في المئة أمام اليورو وارتفع بنسبة 13.7 في المئة مقابل الدولار، وتقلص بنسبة 3.3 في المئة أمام الجنية الاسترليني، بينما ارتفع بنسبة ثلاثة في المئة مقابل الين الياباني وذلك خلال الربع الاول من السنة. وقال التقرير ان الدرهم تراجع بنسبة واحد في المئة مطلع السنة الجارية بسبب استمرار ارتفاع اليورو الذي تتم عبره 65 في المئة من المعاملات التجارية المغربية الخارجية. ويصدّر المغرب معظم منتجاته باليورو، باستثناء الفوسفات، لكن المنافسة الآسيوية المقومة بالدولار تضعف من قدرة الافادة من اليورو المرتفع القيمة، اذ شهد بعض المنتجات تراجعاً في الطلب داخل اسواق الاتحاد الأوروبي الذي زاد من صادراته الى المغرب مستفيداً من فتح الاسواق وتقليص الرسوم الجمركية تطبيقا لاتفاق الشراكة. ولم يعوض ضعف الدولار وانخفاض قيمة واردات النفط والطاقة وتراجع حجم الديون الخارجية، المقومة بالدولار، خسائر التجارة المغربية في الاسواق الاوروبية. وقالت مصادر في وزارة المال"ان مبادلاتنا مع الاتحاد الأوروبي تبلغ 70 في المئة في حين تقدر التجارة مع الولاياتالمتحدة بنحو خمسة في المئة ومع البلاد العربية 10 في المئة". وتحبط اسعار الصرف تقديرات للمحللين الاقتصاديين الذين يتوقعون نمو اجمالي الناتج المحلي المغربي السنة الجارية بأكثر من اربعة في المئة، بفضل موسم زراعي جيد مع احتمال تراجع عجز الميزان التجاري والديون الخارجية. وقال وزيرالمال المغربي فتح الله ولعلو ان ارتفاع اليورو وانخفاض الدولار يساعدان النمو في المغرب، لكن استمرار حال عدم الاستقرار في أسواق المال الدولية غير مفيد على المدى المتوسط. ويؤدي ارتفاع اليورو الى زيادة ايرادات المغرب من السياحة وتحويلات المهاجرين التي تبلغ نحو سبعة بلايين دولار سنوياً، لكن ضعف الدولار يقلص تنافسية الشركات المغربية امام نظيراتها الآسيوية والتركية، اذ انخفضت اسعار سلع تلك الدول بما يزيد على الربع بعد احتساب انخفاض الرسوم الجمركية، في وقت لم يحقق ارتفاع اليورو منافع كبيرة للتجارة المغربية بسبب وضع الاسواق داخل الاتحاد الأوروبي وبطء النمو. ويرى محللون ان الشركات الاميركية ستستفيد من اتفاق منطقة التجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة المزمع توقيعه رسمياً مطلع الصيف نتيجة ارتفاع اليورو الذي يتم به تقويم السلع المنتجة في المغرب، ما سيزيد في عجز الميزان التجاري مع الولاياتالمتحدة المقدر حالياً بنحو 350 مليون دولار سنوياً. وظهرت أخيراً سلع اميركية في الاسواق المغربية كانت اختفت لعقود عدة، منها سيارات وتجهيزات الكترونية وكهربائية ومواد استهلاكية مختلفة. ويتخوف رجال الاعمال من تصدير السلع الى الاسواق الاميركية والدولار ضعيف واستيراد سلع اوروبية بيورو مرتفع القيمة. وتأمل واشنطن أن يتحول اتفاق منطقة التجارة الحرة مع الرباط الى بداية اطلاق"الشرق الاوسط الجديد"الذي يثار حوله جدل صاخب. وتعارض جمعيات المجتمع المدني صيغة الاتفاق وتعتبر أنه لا يأخذ في الاعتبار مصالح المرضى الفقراء وحصولهم على الادوية المستنسخة ولا ينص على الاستثناء الثقافي مثلما تم مع الاتحاد الأوروبي. وتبقى السوق العربية المشتركة في رأي المحللين بديلاً محتملاً، لكنها بعيدة التحقق في الوقت الراهن لاسباب عدة، اذ لا تمثل التجارة البينية بين المغرب والدول العربية سوى 10 في المئة من التجارة المغربية التي تصل الى 25 بليون دولار سنوياً وتشمل النفط الخام والمواد الاولية والزراعية. وينتظر ان تدخل منطقة اعلان اغادير، التي تضم المغرب ومصر وتونس والاردن، حيز التنفيذ مطلع السنة المقبلة، وهي سوق تعدادها حوالى 120 مليون نسمة ويقارب اجمالي ناتجها المحلي 200 بليون دولار.