مئة عام وأكثر مرت منذ بدأ التأريخ لحركات نسوية أو منذ بدأت تعلو أصوات بعض المناضلات المطالبات بحقوق المرأة، لكن ماذا بعد؟... هذا التأريخ إنما هو رواية جميلة فيها الكثير من الأحلام والدموع، وحكايات نساء من أصحاب الإرادات الصلبة والطموح الكبير والحس المرهف المرتبط بضرورة تحقيق العدالة في العالم، نساء هن في صلب الحركات المطالبة بتحرير الإنسان من الظلم. وبين أوروبا الغربية والولايات المتحدة كانت البدايات الحقيقية لهذه الحركات، لكن التاريخ العربي الحديث غني أيضاً بأسماء مناضلات ورائدات. مفهوم "الجندر" في ثمانينات القرن الماضي أخذت عبارة "الجندر" تشق طريقها كأحد أبرز المصطلحات المستخدمة في قاموس الحركات النسوية. ظهر في أميركا الشمالية وحط في أوروبا الغربية عام 1988. ولم يكن هذا التعبير هو التجديد الوحيد في الخطاب النسوي، أخيراً برز ما سمي ب "ما بعد النسوية" كإطار لأطروحات ومطالب جديدة أو قراءات مختلفة لمطالب المرأة، وبحثاً عن تحديد جديد لمفهومي الأنوثة والذكورة، بعد أن حصلت المرأة في معظم دول العالم على الحق في الانتخاب والعمل والتمتع بحقوقها كمواطنة تطور الخطاب حالياً ليصير البحث نحو تكافؤ حقيقي وتطور أيضاً الخطاب حول حرية المرأة في التصرف بجسدها. من جهة ثانية، أدى ارتباط الحركات النسوية بمفهوم التحرر الى ربطها بحركات سياسية مختلفة، وتعد الجمعيات النسوية حالياً قطاعاً ناشطاً في إطار الحركة المناهضة للعولمة. المساواة بين الجنسين كانت دائماً مطلب الحركة النسوية، وعلى رغم التقدم في عدد كبير من المجالات إلاّ أن المناضلات يشعرن بأن الدعوة إليها لم تلق الصدى الحقيقي في المجتمعات المختلفة ولدى أصحاب القرار، لذا يبدو خطاب النسويات الجدد أكثر راديكالية في المطالبة بالمساواة. وهذا التعبير يثير جدلاً بين المشتغلات على تحرير المرأة، بعضهن يردنه مساواة في الحقول كافة، وبعضهن الآخر يسألن عنه كوسيلة لتأكيد اختلافهن بعيداً من كل أشكال التمييز. المعرفة النسوية للإسلام الجديد الباحثة اللبنانية الدكتورة حُسن عبود رفضت في حديثها عن الوضع العربي اللجوء الى استعارة لمفاهيم أو التسميات الأجنبية، وقالت "إننا نبدأ التنظير للنسوية العربية وإحدى اشكالياتها العلاقة بين النسوية والإسلام. أما الحديث عن "ما بعد النسوية" العربية فخطأ، لأن التأريخ ليس من تجربتنا. والتأريخ الصحيح عربياً تقول عبود "يبدأ منذ بدأت ملكة حفني ناصف رحلت عام 1918 تكتب في النسائيات، ثم جاءت أطروحات قاسم أمين وجماعته في المرأة الجديدة أو تحرير المرأة، ثم ما أشارت إليه بنت الشاطئ من منظور "المفهوم الإسلامي لتحرير المرأة" الى حين بدأنا نسمع في أواخر الثمانينات من القرن الماضي عن التحليل النسبي مع فاطمة المرنيسي بخاصة في كتابها "الحريم السياسي" إلى أن تمت دراسة النظام الجنوسي على يد ليلى أحمد، هذا النظام الذي يميز بين الطبيعي- الجوهري والتاريخي - الاجتماعي في النظم العائلية والزواج والعلاقة بين المرأة والرجل. وتشدد عبود على أننا في أشد الحاجة الى هذا التغير والى النقد النسوي لتراثنا لأسباب عدة منها التغيرات في أنماط العائلة، ووعي المرأة لأنماط القمع الممارسة بين النظام الأبوي والاستبداد السياسي، وأهمية هذا الوعي لتحررها الذاتي. وتضيف أنه مع بروز الإحيائية التي تترافق مع تقدم تعلم المرأة، وضعت المرأة العربية يدها على الجروح في تراثها وثقافتها، وشمرت عن ساعديها لنقد استمرار الذهنية التقليدية الجاهلة فثمة بالطبع تقليد متنور، وفرض الإصلاح، ثم التكلم عن التغيير حتى بدأنا نسمع عن المعرفة النسوية للإسلام الجديد. أحد أبرز الأمور التي تشغل النساء العربيات اللواتي اشتغلن في هذا الإطار هو التفكير المتواصل في التشريعات التي تسيء الى حقوق النساء القانونية والإنسانية، فلا يهم أن نسمع عن عدد كبير من سيدات الأعمال اللواتي يمتلكن الكثير من العقارات فيما لا تزال المرأة تطلّق من زوجها أحياناً كثيرة بطريقة تعسفية. وشددت على أن "كل هذا الإقصاء لمشاركة المرأة في تقرير حق ضئيل لا يقل أهمية عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره". ولفتت إلى جهد الكثيرات من النساء العربيات والمسلمات المنغمسات في إعادة قراءة نصوص مقدسة لتحريرها من التاريخي - البشري الذي أسقط تسلط الأبوية على نصوص منزهة في الأساس في التكليف والأخلاق". ماذا عن محاولات البحث عن مصطلحات أو تحديدات جديدة لمفهوم الأنوثة؟ تعيد عبود إنها انشغالات غربية، وأن أي تغيير في المفاهيم إنما تبحث عن إحداثه المعنيات به.