مرة أخرى سأتحدث عن مفهوم (الجندر) Gender بناء على طلب عدد من القارئات ومنهن من حضر منتدى وورش عمل المرأة والألفية الذي عقد مؤخراً في الرياض في الفترة من 15 - 17 ذي القعدة الحالي وسبق أن تحدثت عن أهدافه واجراءات تنفيذه!! ما يهم هنا هو الخلط الذي واكب مفهوم (النوع الاجتماعي) وقولهم إنهم لا يقصدون هذا المعنى وإنما يقصدون (الجنوسة)!! ورغم أنني سبق أن كتبت عن هذا المفهوم في عدد من مقالاتي السابقة ولكن أرغب في احتضار توضيح هذا المفهوم الذي بدأ استخدامه في الفترة الأخيرة في جميع القطاعات (المهتمة بالتنمية) .. ومفهوم (الجندر) Gender كلمة انجليزية تنحدر من أصل لاتيني وتعني في الإطار اللغوي Genus أي (الجنس من حيث الذكورة والأنوثة) وإذا استعرنا ما ذكرته آن أوكلي التي أدخلت المصطلح إلى علم الاجتماع سنجد أنها توضح أن كلمة Sex أي الجنس تشير إلى التقسيم البيولوجي بين الذكر والأنثى، بينما يشير النوع Gender إلى التقسيمات الموازية وغير المتكافئة (اجتماعياً إلى الذكورة والأنوثة) ولديها كتاب عن هذا عنوانه (الجنس والنوع والمجتمع عام 1972م)، ومن هذا نجد أن مفهوم (النوع) يلفت الانتباه إلى الجوانب ذات (الأساس الاجتماعي) للفروق بين الرجال والنساء، ولقد اتسع منذ ذلك الوقت استخدام هذا المصطلح ليشير ليس فقط إلى الهوية الفردية وإلى الشخصية ولكن يشير على المستوى الرمزي أيضاً إلى الصور النمطية الثقافية للرجولة والأنوثة، ويشير على المستوى البنائي إلى تقسيم العمل على أساس النوع في المؤسسات والتنظيمات. ورغم استخدامه بكثرة في الآونة الأخيرة إلا أنه ظل بصفته (مفهوما) غامضاً إذ يتم تعريبه وترجمته إلى اللغة العربية إلى مصطلحات عدة منها (الجنس البيولوجي، الجنس الاجتماعي، الدور الاجتماعي، النوع الاجتماعي) وحالياً يستخدم مفهوم النوع الاجتماعي (الجندر) للتعبير عن عملية دراسة العلاقة المتداخلة بين المرأة والرجل في المجتمع. بمعنى أن (الجندر يوضح العلاقة التي تنشأ بين الرجل والمرأة على أساس اجتماعي وسياسي وثقافي وديني) أي الاختلافات التي (صنعها البشر عبر تاريخهم الطويل)!! بمعنى أن (الجنس Sex يولد به الإنسان بيولوجياً فهو غير قابل للتغيير، أما ال Gender النوع الاجتماعي فهو قابل للتغيير لأنه يتكون اجتماعياً.. ولهذا فإن دعاة مصطلح الجندر يقدمونه على أنه يحمل معنى (تحرير المرأة وتحسين دورها في التنمية) ولا يزال الغموض حول ترجمة هذا المصطلح إلى اللغة العربية كما ذكرت سابقاً رغم أن البعض يجعله مرادفاً لكلمة Sex بمعنى الجنس والجنوسة وهذا الغموض حول تعريب هذا المصطلح كان واضحاً في وثائق مؤتمرات الأممالمتحدة التابعة لها بل إن النسخة الإنجليزية لمؤتمر بكين الدولي المشهور ذكرت المصطلح 254 مرة دون أن تعربه!! وتحت ضغط الدول المحافظة تم تشكيل فرق عمل لتعريفه وخرجت لجنة التعريف بعدم تعريف المصطلح!! أما في مؤتمر روما لإنشاء المحكمة الدولية عام 1998م فقد وردت عبارة (كل تفرقة أو عقاب على أساس الجندر تشكل جريمة ضد الإنسانية) وتم في النسخة العربية استبدال كلمة Gender بكلمة Sex!! ولقد اعترضت الدول العربية على هذا وتم التغيير إلى كلمة الجندر وبقي الأصل الانجليزي كما هو!! ووفقاً لمن يرى أن (الجندر) ما هو إلا (إداة تحليلية تفسر العلاقات بين النساء والرجال وتداعيات هذه العلاقات وتأثيرها على دور ومكانة المرأة في المجتمع..فإنهم يحددون أن مفهوم النوع الاجتماعي Social Gender هو عملية دراسة العلاقة المتداخلة بين المرأة والرجل في المجتمع وتسمى هذه العلاقة (Gender Relation Ship) تحكمها (عوامل مختلفة اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية ودينية) عن طريق تأثيرها على (قيمة العمل في الأدوار الانجابية والتنظيمية التي تقوم بها المرأة والرجل)!! وغالباً ما تؤدي هذه العلاقة إلى (عدم اتزان) على حساب المرأة في (توزيع القوة) وتكون النتيجة احتلال الرجل (مكانة فوقية) بينما تأخذ المرأة (وضعاً ثانوياً) في المجتمع. ويرون أن مكانة المرأة والرجل في المجتمع يجب أن توجد مناخاً مناسباً (للتنمية الفعالة في المجتمع) ويمكن (فقط لعلاقة النوع الاجتماعي) أن تكون متوازنة إذا ما حولنا استبدال مفهوم (القوة Power) إلى مفهوم (التمكين Impower Mednt)، أي القوة لانجاز شيء ما، والتمكين يهدف لايجاد الظروف التي تساعد الرجل والمرأة على السواء أن يوجها احتياجاتهما اليومية والمستقبلية. ٭٭ باختصار مفهوم الجندر رغم ما يحاولون أن يجعلوه غامضاً حول ترجمته هو وسيلة لإلغاء الفروق البيولوجية ورفض الاختلاف ين الذكر والأنثى رغم أن هذا هو الأصل لقوله تعالى: {وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى) النجم: 45 - 46، أيضاً يستخدم هذا المفهوم أداة في تقارير مؤتمرات الأممالمتحدة للمرأة ليس لتحسين دورها في التنمية ولكن أيضاً لفرض فكرة حق الإنسان في تغيير هويته والأدوار المترتبة عليها والاعتراف بالشذوذ الجنسي وفتح الباب على إدراج حقوق الشواذ من زواج المثليين وتكوين أسر (غير نمطية) كما يقولون أي الحصول على أبناء بالتبني يطلقون عليها مسمى Non Stereotyped Familles مما يؤدي إلى إضعاف الأسر الشرعية التي هي لبنة بناء المجتمع السليم المترابط، وهناك دراسات عن انحسار مفهوم الأسرة المتعارف عليه. ٭٭ أيضاً إذكاء روح العداء بين الجنسين وكأنهما متناقضان ومتنافران كما جاء في أوراق المؤتمر الدولي لتحديات الدراسات النسوية في القرن 21 الذي نظمه مركز البحوث التطبيقية والدراسات النسوية في جامعة صنعاء في اليمن منذ أعوام!! ٭٭ ما لفت نظري أن مسؤولة برامج الأممالمتحدة في مكتب الأممالمتحدة في الرياض قد ترجمت كلمة Gender في مسماها الوظيفي وجعلته (المرأة) كما ينشر في الصحف أو في خطابها الذي وزعته على من اختصتهن بدعوتها للمنتدى حيث إن مسماها الوظيفي عن برامج الأممالمتحدة (الحكومة، الجندر، الشباب) وترجمة الجندر إلى المرأة!! فلماذا!؟؟ سؤال مهم هل نجد عنه إجابة لديها ولدى منفذ هذا المنتدى والورش؟!