كأن اعتراف العالم بدور المرأة نضج شيئاً فشيئاً لينفجر ثورات متفرقة في مختلف أنحائه، قامت بها نساء عاديات لا يشبهن بطلات القصص في شيء، ولا يبحثن عن دور علني في أي صحيفة، ولا يذكر أحد اسمهن أو صورتهن. بدأت الثورة خجولة ومنفردة وحزبية في الولاياتالمتحدة الأميركية، قبل أن تتحول موجة عارمة من الرفض للظلم وانتفاء العدل والمساواة... جرفت معها كل التقاليد البالية والظروف الاجتماعية الصعبة في العالم. حملت عناوين كبيرة وآمالاً أكبر... أين نحن اليوم من تلك الانطلاقة قبل 184 عاماً؟ للرجال فقط! شكلت مصانع القماش الشرارة المثالية لانطلاق الرفض النسائي لظروف الحياة القاسية مندلعة عام 1820 من مصنع للخياطة في نيو إنغلند، في ولاية مساتشوسيتس الأميركية. يومها، أضربت العاملات للمرة الأولى طلباً لساعات عمل أقل ما أثار استهزاء المدينة ومحيطها لأن "قبضة من النساء تجرّأن وأضربن عن العمل لإبداء ما يسمّى رأيهن"... ووضعن أيضاً قطار الثورة على سكّته شيئاً فشيئاً وصولاً إلى الإضراب التاريخي الذي قامت به عاملات مصنع "لويل" للقطن عام 1834، عندما توقّفن عن العمل الذي كنّ يبدأنه الخامسة فجراً "لأنهن نشيطات أكثر قبل الفطور". وخرجن إلى الشارع مطالبات بساعات عمل أقل... وعدن بعد أيام معدودة إليه في ظروف أسوأ. وبقين يضربن ويتراجعن عن مواقفهن حتى شكّلن عام 1844 أول جمعية نسائية لتمثيلهن. ولم تكد تمر سنوات حتى انتشر "وباء" الإضراب وصولاً إلى نيويورك حيث نظمت عاملات الخياطة هناك أول تظاهرة نسائية في 8 آذار مارس 1857، فرّقتها الشرطة. واستمرت المطالبة النسائية بحقوق مماثلة للرجل في كرّ وفرّ حتى تشكل أول اتحاد نسائي للعاملات في خياطة الثياب في أميركا عام 1900، ومن ثم الاتحاد الوطني النسائي الذي بدأ ينظم التظاهرات والإضرابات النسائية في مختلف أنحاء الولايات الأميركية... وصولاً إلى الإضراب الأكبر في 8 آذار 1908 في نيويورك حيث سارت آلاف العاملات الاشتراكيات من معملين للحياكة مطالبات بحقوقهن. فكانت الشرطة لا تكاد توقفهن حتى يعدن إلى الشارع مجدداً... واستمر الوضع 13 أسبوعاً انتهت باتفاق مع الإدارة، فيما اعتبر القاضي الذي حكم في القضية "أن النساء تجرأن على قوانين الوجود، لأن النصوص تعتبر أن على الرجل فقط أن يكسب خبزه بعرق جبينه من دون أن يأتي على ذكر المرأة". وكرّت حينذاك سبحة الإضرابات التي كان ينظمها الجناح النسائي في الحزب الاشتراكي الذي وافق عام 1909 على اعتبار آخر أحد من شهر شباط فبراير هو يوم المرأة الوطني. وفي السنة التالية، نظم الحزب المذكور مؤتمراً نسائياً واسعاً في كوبنهاغن حيث اجتمعت أكثر من 100 مندوبة من 17 بلداً، بمن فيهن النائبات الثلاث الأول اللواتي انتخبهن البرلمان الفنلندي. واقترحت المندوبة الأميركية "تدويل" اليوم الأميركي للمرأة وأيّدتها كلارا زتكين، المندوبة الالمانية الناشطة في مجال حقوق المرأة مطالبة بالاحتفال يوم 8 آذار، وهي ذكرى وعد الملك البروسي بحق النساء بالانتخاب عام 1848، وتبعتها المندوبات الأخريات مكرّسات أول يوم عالمي للمرأة. وفي السنة التالية أحيت النمسا والدنمارك وألمانيا وسويسرا يوم المرأة الذي شهد احتفالات ضخمة طالبت بحق الانتخاب وبالمساواة بالرجل وبظروف عمل أفضل. وطاولت عدوى التحرر النسائي روسيا قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى مسهمة في سقوط حكم القياصرة وإرساء الحكم الشيوعي... في 23 شباط وفق الروزنامة الروسية الخاصة و8 آذار وفق الروزنامة الغريغورية. واحتفلت أيضاً النساء الصينيات منذ 1924 بيوم المرأة في التاريخ نفسه. واستمر يوم المرأة خاصاً بالحزب الاشتراكي حتى أواخر الستينات من القرن الماضي. وشهد العقد المذكور إحياء عالمياً للمطالبة بالتحرر النسائي الذي وجد في "اليوم النسائي الاشتراكي" يوماً جاهزاً للاحتفال. الاعتراف الرسمي جاء متأخراً وعلى رغم أربع مؤتمرات دولية للمرأة، لم تأت الأممالمتحدة علناً على ذكر اليوم العالمي للمرأة إلا أخيراً، مع أنها أوردت في شرعتها الموقعة في سان فرانسيسكو عام 1945 أن "المرأة والرجل متساويان". إلا أنها عملت عبر برامج واستراتيجيات عدة على تحسين وضع المرأة العالمي، مركزة على اتجاهات أربعة هي: العمل على نشر الإجراءات القانونية لحماية المرأة، تحريك الرأي العام العالمي والعمل الدولي في هذا الصدد، التدريب والأبحاث على وسائل تحسين وضع المرأة وتقديم المساعدة المباشرة للنساء المغلوبات على أمرهن. ولم تعترف الأممالمتحدة رسمياً باليوم العالمي للمرأة إلا عام 1977 حينما أصدرت قراراً يقضي بدعوة كل دولة الى اعتبار أي نهار من السنة، يوماً وطنياً لحقوق المرأة والسلام العالمي. فاعتمدت غالبية الدول يوم 8 آذار. وباتت ألوان هذا اليوم: الأخضر والأبيض والبنفسجي، وهي الألوان التي حملتها للمرة الأولى البريطانيات اللواتي طالبن بحقهن في الانتخاب عام 1908: الأبيض للنقاوة، البنفسجي للكرامة والاحترام والأخضر للأمل.