- 1 - لم تكن الشّمس هيَ هيَ لم يكن الأفق هُو هُوَ. وكانَ الموجُ يخلعُ هويّاته ويدخلُ في تحوّلٍ آخر - باء بيتٌ شاغِرٌ وليس فيه غير الغُرفِ المليئة. هل يُغلِّقُ الأبواب؟ بؤسٌ، بلاء. هل يَفتحها؟ بارودٌ، برزخ... ياء يوسفُ ليلكَ نهارُكَ بين يديْ امرأة. هكذا تَنبَّأَ ياقوت السماء. راء رَتْلٌ رَجّةٌ رعْبٌ... يخافُ أن يموتَ حَرفُ الراء مِن الرَّجْم قبل أن يبلغَ سنّ الرُّشد. واو وَطنٌ وِصايةٌ وجعٌ وليمةٌ ورقةٌ ويْلٌ وعْدٌ وعيدٌ هل يرسمُ حدوداً بين هذه الحروف؟ لا مكان لأي حدّ. والشمسُ ليست واحدةً، والهواء ليس حرّاً. تاء تبرّكاً بالقدس الرياضبغدادالقاهرةدمشق، لن يمزّقَ ورقة التوت. ضُمّهُ الى وصاياكَ، أيّها العَصرُ الأميّ. حقاً، يكتبُ ولا يعرف كيف يقرأ نفسه. يكتب يواصل الكتابة إيغالاً في صحراء اللغة ربما ينقلبَ سديمُ الحروف الى إقليم أخضر يكتب دون توقفٍ أماماً يساراً دون ترددٍ دون خشيةٍ واضعاً على الغبار أحلامَه وأضغاثَها حيث يمكن الإصغاء الى الحجر نفسه يتململ ويتنهّد. ما هذا الذي يُمَوْسِقُ الحركة يبقّع بأنفاسه حكمة الهواء لا يقدر الكلام أن يتوقّف عن الشهيقِ الزفيرِ الصعودِ الهبوطِ لا يقدر القلم إلا أن يكون زوجاً طيّعاً للغة تطلع الكلمات من أخمص القدمين من ملتقى الفخذين من الخاصرةِ السرّةِ الترقوةِ العنقِ يُقسم كأنه يكتب جرحاً يتبدّد في جُرح حرج تابت ساحة النجمة المعرض البرج شارع بليسّ المصيطبة موفنبيك يكتب يواصل الكتابة يريد أن يموت كتابةً. وقولي، بيروت، هل أنتِ حقاً في حاجة الى كلامٍ يكون كالماء يُستخدم في الأطعمة كلها من أجل الصناعة والبراعة من أجل الظهور دائماً في وشاحٍ تأبى السماء إلا أن تُسمّيه باسمها؟ إذاً، يلزم للمعنى وقتٌ لكي يقدر صوتُ الشاعر أن ينسكب في آذان الناس تلزم الشاعر كتابتان باطنة وظاهرة لكي يقدر أن يستسلم للحبر ويتمدّد على الورق. هل عليه، إذاً، أن يبتكرَ كلماتٍ بالأشكالِ بدلاً من أن يبتكر أشكالاً بالكلمات؟ هل عليه أن ينشرَ المعنى كمثل منديلٍ أو كمثل طائرةٍ من الورق؟ مع ذلك، ها هما يحاولان - الشاعر وبيروت، أن يعْبُرا المحيطات بدءاً من نهرٍ لا يزال يتردَّد في تغيير اسمهِ: نهْرِ الموت. هل تقول له، أيها الشعر، كيف يغيِّر حياته، أو كيف يخلقُ لِلّغة ضراوةً ثانية؟ وأنتِ، بيروت، أيّتها الغزالة السجينة، هل ستصغين إليه؟ كلاّ، لا تتهدّمي يا قُصورَ المخيّلة، أياً كان الواقع. وأنتَ، زيوس، لن تقدرَ أنتَ نفسك أن تكسرَ قوسَ الحبّ. - 2 - وضع الغروبُ ثيابه على الدَّرج وضعت اللّهفة فَرْوَها على سُرّة المقهى. الأفق سَريرٌ وكلّ عمودٍ يضطربُ في ماء المخيّلة. تقطّعْ يا شريطَ الصُّورِ بين الليل والموج، لكي تعرفَ العين كيف تَسهر لكي تعرف الوسادةُ كيف تنخطف بألق المسامّ، وكيف تحضنُ الليل. لكي يعرف الجسد كيف يحنو على الجسد وكيف يصرخ: إن كان هناك ملجأٌ أخيرٌ فهو الجسد. - 3 - لم تكن الشّمس هِي هيَ لم يكن الأفق هُو هوَ - مايا. وكان الموج يخلع هويّاتهِ ويدخلُ في تحوّلٍ آخر - مايا. رأى الى كُتبٍ لم تَصْدُقْ تَتَبخَّر في أنفاس الآتين الذاهبين بين يَديْ الكورنيش، كأنّهم حاجزٌ آخر يُزَنّر الشاطئ. ورأى الى عَتبةِ الغروب تُقلّب دفاترَ النهار، فيما كان يسمعُ وَقْعَ خطواتٍ تُقلّد الأحصنةَ، وأخرى تتعلّم تواضعَ الغبار. كان يَسْتَشِفّ أحلاماً - كواكب تتبعثرُ بين الأقدام، وأخرى، كمثل مظلاّتٍ تتمزّق فوق الرؤوس. وفي العمَارات التي تنطح النظر وتكادُ أن توحّدَ بين الفضاء ونفاياتِها، كان الوقت يَزْدرِدُ أبناءَهُ كأنّهم بَقْلٌ لخِراف السماء أو عجينٌ لِدَاوجنِ الذَّرّة. * هشام - تكاد كتفاه أن تتمازجا بكتفي الشاطئ. الطاهر - يكادُ أن يحملَ قرطاجةً في يدٍ وشملانَ في يد. فهميّة - تحبّ أن تغيّرَ اسمها الى هي أو الى عشتار كيف لا يختلط وجهُ الحبّ بوجه التاريخ؟ عبّاس - انظروا إليه، هذه اللحظة، يُمْسِكُ بالجراحِ ويُحوّلها الى وسائد. جودت - هوذا يهزّ جِذْعَ نجمةٍ تكادُ أن تتساقط عليه. غَسّان - أليست الصداقة كمثل طفولةٍ تكبَرُ، لكنها لا تشيخ؟ * إسْكَري، أيّتها الأمواجُ، امْلأْ كأسَكَ، أيّها الأفق. لا شرَر إلاّ ذلك الطالع من ماء الحبّ، لا يقينَ غيرُ التموّج. - 4 - يَنْحني كأنّه يحمل جنوبلبنان من أكبرِ صخرةٍ الى أكثر أعشابهِ نُحولاً، ينحني كمن يتكّئُ على قبره المُقبل. يُحادثُ نخلةً لم تُثمر - هل تُثمر؟ ويُوشوش قوائمَ العَرَبةِ التي تَكْتَنِزُ خُبْزَه. - ماذا يبيعُ هذا الفقيرُ الشيخ؟ - كعكاً أسمرَ مُسَمْسَماً. - إضافةً الى الصَّعتر. - صعتر الجبل؟ - صعتر الجبل. * ماسح أحذية. - "أعطِهِ"، قالت هيَ عشتار. أخذَ ما أُعْطِيَ، ومضى. في مُقتَبلِ العمر، ويبدو كأنّه تخطّى الخمسين. * طفلةٌ - وردةٌ تكاد أن تذبلَ وراءَ حجابٍ يَنْسَدِلُ كمثل شجرةٍ من الدّمع. * رجلٌ مُدوَّر: فُقَاعةٌ من الزَّبد. * - مِن أين لِشارعٍ يُحبّ شحوبَ الملائكة أن يبتكرَ شموسَ اللذّة؟ واسألوا تلك الزاوية: بأيّ نبوءةٍ بَنَيْتِ هذه الفراديس؟ * حقاً، للجسد نكهةُ البحر، وللرغبة أجسادٌ كثيرة: ماذا تفعلُ أيّها العاشِق؟ * - "أُعْطيَ التاجُ لتاجرٍ أُعطيَ القبرُ للشاعر الولاءُ يُرَجِّعُ العطاء سياجُ العملِ والقول طائفٌ والطّوافُ متعةُ المالِ المالُ إيمانٌ أبكم أصمُّ أعمى ازرعِ الشِّقاقَ واكْمُنْ في شِقٍّ في السماء حصىً وقَشٌّ في الكلماتِ أَيْدٍ تقطعُ الألسنة في الحرية كسَلُ أحشاءٍ وأعصاب في الشوارع أجسادٌ - تلالُ أرقٍ وأظافِرُ الجحيمُ نفسها بَرْدٌ أزرق علّمنا صبركَ يا فولاذَ الأبدية وَسْوِسْ رئاتِنا يا هواء الأساطير كُنْ معنا أيُّها الغُبارُ - الطَّلْعُ وما أنقاكِ أيتها الغيوم الرمادية التي تُمْطِرُ العبَثَ العبثُ بعثُ المادةِ بعْثُ اللغة مايا الوحش - الخروف ألف نون سين ألف نون وما هذه البلدان التي لا تُرَبّي إلا الوهم وما هؤلاء الناس - "كلهم يبيعون الزهورَ، لا لأنّهم يُحبّونها بل لأنهم يعشقون القبور ودفْنَ الموتى" - بلى "اليأسُ حُرٌّ والرجاءُ عبدٌ" مايا وأهلاً بالصعاليك". - يكفي أن يهذي كمن جُنَّ، و"ليس الطريقَ وليس الحقَّ". * إنه جسَدُ العصر يتمدّد على الإسفلت. تُراهُ وُلِدَ بين أسنان ذئبٍ أعرج؟ ورأينا عيوناً لا ترى ورأينا كنائسَ ومساجدَ تتنقَّلُ على ظهور بشرٍ يزعمون أنّهم يحرسون التاريخ. وما أكثر الكمائِنَ التي تُنْصَبُ للحبْر. لكن، ما أفصحَ البراكين وما أجملَ شهوة الانفجار. - 5 - مقهى حسّان - هي وهو، هبطنا درج المقهى فيما نصعد سلّماً عالياً من الهمّ. مقهى - كوخٌ يترنّح على شفير الزّبَد. طاولاتٌ مدوّرة بلونٍ بنّي غامق كراسٍ بلونٍ أزرقَ غامق تُحزِّزها خدوشٌ كأنها آثار جراحٍ لا تشفى طوقٌ من الزّرقة الغامقة يخطّ حدودَ المقهى طوقٌ مُحَفَّرٌ مرقوشٌ ببياضٍ كمثل بياض شَعْرٍ شائخ والسَّقف صفائحُ توتياءٍ فقيرة ينخفض كأنه سِرْبٌ من سلاحِفَ تهمّ أن تضعَ بيوضها من السّقف تتدلى ستائر بلاستيكية فقيرةٌ هي أيضاً كأنما الفقرُ يحفظُ حرارة المقهى - فقرٌ غنيٌّ كصُوفيٍّ يتسلّق عمود سمعان أو يتهيأُ لكي يعرجَ نحو كوكبٍ غامض فَقْرٌ متقشّفٌ وصالحٌ لأن يكونَ شامَةً على خَدّ البحر. * كيف يرفع الريف بيته بين ذراعيْ البَحْر كيف تتحوّل القرية الى كُرةٍ في زَبَدِ التقنية تتناسَلُ في زبَدٍ لا يتناهى كما لو أنه يتماهى بتنهِّد البحر كيف يُصبح سياجُ بيتٍ يكاد أن يجرفه هديرُ الهجرة يداً تنبسطُ على صفحة ماءٍ مالحٍ يكاد أن يسيلَ عذوبةً في جَوْف الحاجَة كيف يُلامس ريفيٌّ بخطواته الأولى شاطئ المدينة كيف تغسل شمس القرية وجْهها بملح الشاطئ وكيف ينزل الجبل إلى البحر وفي يده عُكاز الأمل - ذلك هو مقهى حسّان. * كلٌّ في المقهى ينفثُ دخانَ تَبْغهِ، مُصْغياً الى شهواته الى الجراح التي تختبئ في أعماقه وكيف يحدث أن السفر نحو الخبز يبدو كأنه سفرٌُ في التيه؟ وكيف يحدث أن تنكسرَ ساقُ النهار في طريقه لمُلاقاة صديقه الليل؟ زمنٌ لا تتّسع السماء لشهيقهِ وزفيره، وما أضيقَ حدودَهُ على القَلب. ويا لهذا المكان - يُسمونه كوكب الزَّهر وما أَوْهنَ الزُّهورَ التي فيه: أهيَ فِتْنَةُ السراب؟ أهيَ بهجةُ اللغة؟ * كلاّ، لن يكونَ واحداً من تلاميذكَ، أيّها الزمن، ولن يديرَ خدّهُ الأيسر. * لماذا بدَت له الجريدةُ التي يقرؤها جارهُ الشابّ كأنها كُرَةٌ تتدحرجُ على مُنْحدَرِ الكلام؟ لماذا، في اللحظة ذاتِها، رأى الى الموج كيف يقلّد أسِرّةَ الشهوة؟ * أعْجُني طِينَكِ دَحرجيه كرةً كُرةً يا دُويِّبةَ التاريخ. هيِّئْ حصادك احْملْهُ قَشّةً قَشّةً يا نَمْلَ المعنى. - 6 - مَوْجٌ آخرُ داخلَ المَوْج - هي، وثمّة رمادٌ يتناثَرُ على بساط الزَّبد. اقبضي على الزُّرقة يا أهدابَه انسجيها أفُقاً آخرَ لتاريخٍ آخر. البَحر، هذه اللحظة، جسَدٌ البحر، هذه اللحظة، ظلمةٌ لا تَلِدُ إلاّ النّور البحر، هذه اللحظة، أبَدُ الترحّل نسغ الزمن رحيق المكان البحر، هذه اللحظة، داءٌ وتِرْياق البحر، هذه اللحظة، قلَقُ المعنى ونشوة المادة البحر، هذه اللحظة، فراغٌ لا يملؤه حتى البحر البحر، هذه اللحظة، هُوَ وهي - تُراها، بيروتُ، تتحوّل هذه اللحظة؟ أهي سفينةٌ لنوحٍ آخر؟ أهيَ لُجَّةٌ لِنواحٍ آخر؟ أهيَ لؤلؤُ نهارٍ يحتضنُ صدفةَ ليْلٍ والأرجوانُ سنُطورها الأعمى؟ أهيَ التائهةُ أبداً ولا دليلَ غيرُ زلزالٍ يتدفّق في شرايينها؟ أهيَ الطفلةُ لا تريد أن تظهرَ إلا في ثوب امرأة؟ أهي التاجُ يلْبَقُ بجميع الرؤوس؟ أهيَ الخطواتُ تخلطُ الذُّروة بالهاوية والدليل بالتيه؟ أهيَ الوسْوسَةُ تُغوي السماءَ نفسَها لكي لا تنامَ إلاّ على وسادةِ الأرض؟ أهيَ النّارُ والماءُ في كأسٍ واحدة؟ أهي البراءةُ والخطيئةُ في سريرٍ واحد؟ أهيَ الشّبكَةُ لا تَصيدُ إلا نفسَها؟ خُذْ بيديها أيّها الموج. - 7 - قَمَرٌ - خَرج لتوّهِ من هلاليّتهِ يقف على عتبة المقهى يهبط كأنه يريد أن ينضمّ الى رُوّاده يتنفّس الدرج تحت خطواته وها هو يَرْتطم، يكادُ أن يرتطم بصندوقٍ لِرَمْي النفايات، قربَ نبتةٍ صناعيةٍ تتدلى فوقها مكنسةٌ من الريش. لماذا يبدو هذا الكوكبُ كأنّه وجهٌ مَجْدورٌ عاش حياتَه كلّها في المنفى؟ * أن تُغامرَ هو أن تكونَ دائماً هلالاً. * هل يقترفُ ذنباً إن قال: لا أجد وطناً أكثرَ نعمةً من الريح؟ * يمكن الهبوطُ، عِبْرَ المقهى، الى جحيم المستقبل. * قبل المغيبِ في أثنائهِ بعده يمتزجُ، في المقهى، الموجُ بالليل ليلٌ كما وصفَهُ امرؤ القيس لكن، ليتَ الليلَ هنا لا يَنْجلي أبداً ليلُ عودةٍ ليلُ سفرٍ في العودة ليلُ حلُمٍ يتعلم الواقع على يديه كيف يمزج الكثرةَ بالواحد والزّمن بالرّمز، وكيف يوحّد بين الرّغبة والحقيقة ليلٌ تنطرحُ بين ذراعيه مستسلماً لأهوائك وأهوائه ليلُ السرّ وسريره ليلُ الموت والحب الذي يغلب الموت نعم، قولوا لهذا الليل ألاّ ينجليَ أبداً، وما ألطفَ ما أحنَّ أن تظلَّ متأخراً دائماً عن موعدكَ مع النوم. - 8 - لا يتوقَّف الموج عن الكتابة وليس الحِبْرُ الذي يرشح منه حِبْرَ النهار وحده، أو الليل وحدَه. واللحظات كمثل أوراقٍ تَلْتصِقُ بكتابِ الصخور. لا يتوقف البحر عن الغناء الصوت ارتجالٌ رفيفُ نوراسَ ترصد صيْدها الخفيَّ الصامت بُحّةٌ في حُنجرة الشاطئ الصوت موسيقى تعزفُها أوتار الفضاء أوتارٌ تنقطعُ وتتصل في حوارٍ مع المدّ والجَزْر صوتٌ يحفظُ الريح عن ظهر قلبٍ من الألف الى الياء، وليس في المقهى ما يحولُ دونَ أن تتخيَّلَ أن الدقائق آلاتٌ موسيقية وأنّ للموج أصابعَ تعزف عليها. لا يتوقف الماء عن عناق الحصى عن اللعب مع الرمل في ظلّ أخوّةٍ عاليةٍ بين الصخر والموج لا يتوقف عن الدخول في ثقوبٍ حُفِرت في جسد المادة - أهو جنسٌ يهدر طالعاً من البحر؟ جنسٌ يضطرِمُ في ما يُشبه الثنيَّة والدائرةَ الإبْطَ والخاصرةَ الثَّدْيَ والحَلَمة الفجوةَ والشقّ مايا - هيَ وفي ما يشبه القوسَ يَبْتَرِدُ ويهدأ. لا يتوقّف الموج عن الكتابة - هي هوذا تتصاعد من المقهى تنهداتٌ كأنها تجيءُ من طفولة العصر. شرقٌ آخر يضطربُ في ماء العَصر. نخرجُ من المقهى وفي كلٍّ منا تتوقَّد نارُ بروميثيوس. * لا يتوقَّفُ البحر عن ابتكار جسده - يرى الى النوارس ترمي شباكها المسائية الطائرة ويتذكّر مكانَ ولادته: سريرَ شمسٍ تتعكَّزُ على رؤوس أشجارٍ تكاد أن تيبس. يتذكّر الذهاب الإيابَ الضياع بين قدمي بَحْرٍ لا يتوقّف عن ابتكار جسده، ورأس جبلٍ تجرّه الريح. كانت طرقُه عاليةً وسوف تكونين أكثر علوّاً أيّتها الطّرقُ التي لم يعرفها بعد. هل عليه إذاً، أن يُمضيَ حياته كلّها في ولادةٍ دائمة؟ خُذْ بيديه أيّها الموج. بيروت - باريس 1 - 20 كانون الثاني 2004