مع التصميم الأميركي على إحداث اختراقات اقتصادية جدية في الدول المتوسطية، العربية منها خصوصاً، عبر اتفاقات التبادل التجاري الحر، يدفع الاتحاد الأوروبي بمؤسساته للعب دور فاعل ميدانياً في مواجهة هذه الهجمة الاقتصادية. وفي هذا السياق، برز في السنوات الثلاث الأخيرة"بنك الاستثمار الأوروبي"كرأس حربة للمشروع اليورو متوسطي. وفي عام 2003، قفزت عمليات الاقراض التي اضطلع بها هذا الأخير الى أكثر من بليوني يورو وهو مبلغ تعتبره الدول المتوسطية غير كاف بالمقارنة مع ما تقدمه لبلدان شرق أوروبا ووسطها، إذ لا تتجاوز حصة الفئة"المغبونة"الأولى 5 في المئة من اجمالي القروض. وفي العام الماضي، قدم"بنك الاستثمار الأوروبي"قروضاً بقيمة 42.33 بليون يورو لدعم الاستثمارات التي تساهم في انجاز السياسات المعتمدة من قبل الاتحاد الأوروبي، من أصلها 34.19 بليون لصالح المشاريع المقدمة من دول الاتحاد بشكله الحالي. أما بالنسبة للدول العشر التي ستنضم قريباً الى المجموعة في اطار توسعتها، فقد وصلت هذه القروض الى 4.59 بليون يورو. وكانت ادارة المصرف أدخلت عام 2003 آلية جديدة على عملها تلخصت في صيغة أطلقت عليها اسم"التسهيل اليورو متوسطي للاستثمار والشراكة"، سرعان ما أعطت ثمارها، حسب المسؤولين الأوروبيين. وساعدت هذه الأداة في تقديم قروض قياسية بالمقارنة مع الاعوام الماضية ناهزت ال2.9 بليون يورو، وتركزت في غالبيتها على المشاريع الهادفة الى تحديث اقتصادات الدول المتوسطية الشريكة تحديداً العائدة الى قطاعها الخاص. في هذا الاطار، يشير نائب رئيس البنك فيليب دي فونتين فيف كيرتاز، الى أن المجلس الأوروبي المنعقد بين 12 و13 كانون الأول ديسمبر الماضي، قرر تعزيز قدرات الصيغة المذكورة أعلاه، على الصعيد العملي. وسيترجم ذلك بالدرجة الأولى عبر الدعم المالي الذي من المفترض أن يصل الى حجم كاف لمساندة عملية اندماج البلدان المتوسطية في الاتحاد الأوروبي. بناء عليه، فإن الهدف المتوخى هو بحدود بليوني دولار سنوياً. كما يتوجب على المصرف أن يقدم، من ناحية أخرى، جملة من الأدوات المالية التي تحتاجها اقتصادات هذه الدول، تقوم على اعتماد السياسات البعيدة المدى وضمان مخاطر الرساميل وتأمين المساعدة الفنية. ويتلخص الجديد الذي سيطبق سنة 2004، بالتمويلات المترافقة مع أخذ جانب المخاطر في الحساب لأجل الاستجابة لاحتياجات المؤسسات. ويرى مسؤولون في"بنك الاستثمار الأوروبي"أن زيادة دعم التوجهات المالية مرتبطة بعوامل عدة، أبرزها تفعيل دور القطاع الخاص والتعاون الوثيق مع الشركات المحلية، وهي أحد العناوين الرئيسية التي تضمنتها"مبادرة ايزنستات"الأميركية التي اعتمدت فيها على جذب الاستثمار الخاص باتجاه دول شمال افريقيا المتوسطية من دون انشاء أي من الصناديق المختصة بالدعم، على غرار ما يفعله الأوروبيون أيضاً، وازالة عناصر الفساد والخفض التدرجي للبيروقراطية المتجذرة في ادارات الدول المتوسطية الشريكة للاتحاد الأوروبي، وضعف الالتزام بتطبيق القوانين التي تعزز وضعية البيئة الاستثمارية. تركيز على الدول العربية اذا كانت صيغة"التسهيل اليورو متوسطي للاستثمار والشراكة"تستهدف، كما يؤكد خبراء بروكسيل، مساعدة البلدان المتوسطية الشريكة العشر على مواجهة تحديات التحديث الاقتصادي والاجتماعي وتعزيز الاندماج الاقليمي وفق آفاق انشاء منطقة يورو متوسطية للتبادل التجاري الحر كما هو مقرر سنة 2010، إلا أنه من المتوقع أن تعمد للتركيز في هذه المرحلة على الدول العربية المتوسطية و"اغرائها"لتأجيل تجاوبها مع العرض الأميركي منعاً لتكرار تجربة الأردن والمغرب اللذين وقعا اتفاقات من هذا النوع مع واشنطن. ويقول المسؤولون إن سنة 2004 ستشهد، على رغم حال الركود الاقتصادي التي تعم أوروبا حالياً، والتباينات الحاصلة بين دولها لناحية إعادة النظر في الموازنة المشتركة وتوزيعها بعد التوسعة المرتقبة ووضع الدستور الجديد للمجموعة، زيادة في حجم التمويلات التي سيقدمها"بنك الاستثمار الأوروبي"مساهمة منه في النمو المباشر للشركات الخاصة بحيث تراوح اجمالياً بين 2.5 و3 بلايين يورو. وتفيد المعلومات أن هذا الدفع الجديد سيأتي أولاً من الاستثمار الخارجي المباشر كما حصل العام الماضي مع تركيا وتونس، وعبر الشراكة على مستوى المؤسسات، الناجمة عن التعاون بين مختلف الأطراف المعنية داخل الدول المتوسطية، وفي الجزائر مثالاً، أو عبر تمويلات مخصصة للشركات المتوسطة الحجم كالتي شهدتها مصر وسورية وتونس. من ناحية أخرى، يعطي البنك أهمية قصوى لمختلف الاستثمارات المخصصة لتطوير البنيات التحتية، سيما في ميادين الطاقة والبيئة 46 في المئة. ويتعاون بنك الاستثمار الأوروبي بشكل وثيق مع المعنيين بتنمية منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، مثل: اللجنة الأوروبية، المجموعات المصرفية في أوروبا وفي الدول المستفيدة، كذلك، البنك الدولي ورافده، الشركة المصرفية العالمية، والبنك الافريقي للتنمية والمؤسسات الأوروبية الثنائية والمتعددة المختصة بتمويل النمو. ويراهن المسؤولون في الاتحاد الأوروبي على أنه إذا ما سارت الأمور وفق الخطط المرسومة، فإنه سيكون بمقدور البنك أن يقدم ما بين 8 و10 بلايين يورو في اطار مشاريع القروض لصالح الدول المتوسطية الشريكة من الآن وحتى سنة 2006. وفي معرض الرد على الانتقادات التي يوجهها خبراء هذه الدول لناحية غياب التوازن في تقديم القروض مع دول شرق ووسط أوروبا، يحاول نائب رئيس بنك الاستثمار الأوروبي أن يخفف من وقعها من خلال إضفاء جو مطمئن لناحية المستقبل، مشيراً الى وجود نية فعلية لدى بلدان ضفتي المتوسط لتعزيز أسس الشراكة الدائمة التي يتولى البنك جانبها المالي. ويؤكد بأن هذا التوجه سيترجم عملياً بالأرقام التي تزيد عاماً بعد عام، عبر تنوع عمليات الاقراض للمشاريع، خصوصاً، من خلال سلسلة القرارات التي اتخذها المجلس الأوروبي برشلونة آذار/ مارس 2002، وبروكسيل كانون الأول/ ديسمبر 2003 والهيئات اليورو متوسطية ، واللجنة الوزارية التي ستعقد في حزيران/ يونيو المقبل. ويستند البنك الى التقرير الذي رفعه حوالى سبعين خبيراً خلال لقاء مرسيليا الأخير الذي تمحور عند موضوعين رئيسيين هما: تخصيص الشركات التابعة للقطاع العام وتسهيل حصول الشركات الخاصة على مختلف مصادر التمويل المتمثلة في ثلاثة محاور: القطاع المصرفي، والأدوات المالية والمؤسسات المالية الدولية. اصلاحات وشفافية حال كحال جميع روافد المؤسسات المالية العالمية والتجمعات الاقتصادية العالمية، يربط البنك الأوروبي للاستثمار زيادة مساهماته بسلسلة من الشروط المتماشية مع طبيعة المرحلة المرتبطة باقتصاد السوق والعولمة والشفافية وغيرها. في هذا الاطار، يأتي ادخال اصلاحات على القطاع المصرفي في كل من الدول المتوسطية الشريكة بمثابة الأولوية في ما إذا كانت هنالك توجهات جدية من قبل الحكومات للتغيير والتصحيح وفتح المجالات أمام المنافسة الأجنبية، كذلك تحسين نوعية الخدمات وتأهيل العاملين، والأهم تحليل مخاطر الاقراض واستخدام الضمانات بأشكالها الأحدث والأشمل بعيداً عن الضمانات الشخصية السائدة حتى الآن. ومن الشروط الأخرى، التي يضعها بنك الاستثمار الأوروبي، تحسين مستويات الشفافية في الحسابات وتنمية مجالات الشراكة مع مستثمرين جدد. أما على صعيد المنتجات المالية، فيرى البنك بأنه بات من الآن وصاعداً على أسواق الدول المتوسطية الشريكة ان تطور هذا الجانب عبر استعمال أدوات مثل: قروض الايجار، والرساميل ذات المخاطر، والخدمات المالية. أيضاً، اضفاء بنيات جديدة على غرار صناديق الاستثمار، وانشاء شركات الرساميل والتنمية، ومصارف الأعمال وصناديق الضمان. ولا يستبعد الخبراء أن يعرض البنك على الدول الشريكة تقديم خبراته التقنية في مجال الاصلاحات من أجل تسريع عمليات الاندماج الاقليمي في الفضاء اليورو متوسطي. ولا يخفي هؤلاء خشيتهم من استفادة الولاياتالمتحدة من الثغرات الموجودة حتى الآن، وفي طليعتها التباطؤ في دعم المشاريع الملحة بفعل التباينات الموجودة داخل اللجان الأوروبية من جهة، ومن جهة أخرى الخلافات المصلحية والجغرا استراتيجية القائمة بين مختلف الدول. ففي الوقت الذي تساند فيه فرنسا وايطاليا واسبانيا مبدأ زيادة حجم التمويلات للدول المتوسطية الشريكة، تبذل كل من المانيا وهولندا جهوداً من أجل خفضها لصالح دول شرق ووسط أوروبا حتى ولو كانت هذه الأخيرة على أبواب الانضمام النهائي للاتحاد. ويتابع بنك الاستثمار الأوروبي باهتمام بالغ توقيع عدد من الدول العربية المتوسطية المغرب وتونس والأردن ومصر"اعلان أغادير"أخيراً الذي نتج عنه أول اتفاق للتبادل التجاري الحر، خصوصاً بعدما ذكر وزراء خارجيتها بأن هذه الخطوة من شأنها أن تعزز الموقع التفاوضي لها مع الاتحاد الأوروبي، بحيث سيتحدث الجميع بلهجة موحدة وستكون جميع المطالب موحدة خلال المفاوضات المقبلة مع الاتحاد الأوروبي ومؤسساته. اقتصادي لبناني.