تكمن أفضل طريقة للتعرف إلى ذوق الشباب البريطاني في الموسيقى والقراءة في ادراك تنوع الأذواق، خصوصاً ان الساحة الفنية والأدبية في لندن من أوسع الساحات على المستوى العالمي. وانتشرت المكتبات الضخمة التي تجمع بيع الكتب وألبومات الموسيقى بعدما نجحت مثل هذه المتاجر في الولاياتالمتحدة. وبدأت تضم مقاهي صغيرة وتفتح حتى الساعة الحادية عشرة مساءً بينما تغلق جميع المتاجر قبل الثامنة. وعند التجول في شارع أكسفورد وسط العاصمة، تجد 3 مكتبات تبيع اسطوانات موسيقية وأشرطة فيديو، كما ان المتاجر الضخمة لبيع الموسيقى بدأت تبيع الكتب الأكثر شهرة بين الشباب. واصبحت هذه المتاجر أقرب الى مساحات لتبادل الأفكار والتقرب من الثقافة المعاصرة، لتكون نموذجاً مثالياً للمجال العام الذي تحدث عنه المفكّر الألماني يورغن هابرماس. يجلس غرباء جنباً بجنب، لتناول القهوة وقراءة كتب أو الاستماع لآخر الألبومات التي يبيعها المتجر في محل عام، بعدما كانت هذه الفاعليات محصورة في المنازل. وتتكاثر هذه المكتبات في مناطق يتكاثر فيها الشباب، كالمناطق الجامعية أو التجارية. وتتنوع لوائح مبيعات الكتب في بريطانيا بين كتب التاريخ والسيرة الذاتية والروايات. واشتهرت كتب وجهت خصيصاً لأحد الجنسين، اما لتعبر عن رأيهم، أو لمساعدة كل واحد ليفهم الآخر. ومنذ نشر كتاب "بريجيت جونز دايري" لهيلين فيلدينغ عام 1999، انتشرت كتب موجّهة للشابات البريطانيات اللواتي يتعرضن لضغوط عدة في حياتهن المهنية والشخصية. واستطاعت فيدلينغ التعبير عن رأي الآلاف من البريطانيات، خصوصاً في عمر العشرينات والثلاثينات، عندما كتبت رواية مبنية على مذكرات عازبة بريطانية تواجه مشاكل الاحتفاظ بوزن مناسب، وخطيب مثالي ووظيفة ناجحة. وبعد نجاح الكتاب المميز، والفيلم المقتبس منه تحت العنوان نفسه، انتشرت كتب مشابهة تركز على الشابة العاملة التي تريد الموازنة بين النجاح المهني والعاطفي. واللافت ان الكثير من الشباب قرأوا هذه الكتب في محاولة لفهم النساء وما يدور في ذهنهن. ولم تنحصر الكتب التي تعالج المشاكل اليومية على الشابات، فلاقت كتب عدة منها "هاي فيديلتي" لنيك هورنبي رواجاً بعدما استطاع ان يبين تأثير الموسيقى على جيل كامل من الشباب البريطاني. ونجح كتابه "فيفر بيتش" في تصوير العلاقة الحميمة بين الشباب البريطاني وكرة القدم، اذ يروي الكاتب نجاحاته وفشله الشخصية في ظل نجاح وفشل منتخبه المفضل "ارسنال". ومثلما تأتي صرعات موضة الملابس والأزياء، تأثرت غالبية الشباب البريطاني بموضة قراءة كتب الخيال مثل "هاري بوتر" لجي كي راولينغ و"لورد اوف ذا رينغز" لجون تولكين. وأصبح من الضروري معرفة هذين الكاتبين بعدما اكتسحت كتبهما الأسواق العالمية ودور السينما بعد تحويل سلسلة الكتب الى أفلام حصدت جوائز عالمية. واصبحت العلاقة بين الكتب والأفلام شبه مؤكدة، ويؤدي أحياناً نجاح كتاب ما الى انتشار الفيلم المقتبس عنه، مثل "بريدجيت جونز دايري"، أو نجاح فيلم ما يؤدي الى اعادة طبع الكتاب الذي اقتبس عنه، مثل "كولد ماونتين" لتشارلز فرايزر. وانتشرت الكتب السياسية بعد الحرب الأخيرة على العراق التي اطلقت موجة من الوعي السياسي بين الشباب البريطاني لم يشهد لها مثيل منذ الحركات الطالبية المناهضة لحرب فيتنام في الستينات. وادى هذا الوعي السياسي الى رغبة الشباب البريطاني في قراءة كتب سياسية عن أميركا وعن الشرق الأوسط. فانكبوا على كتاب مايكل مور "ستوبيد وايت مين" الذي يروي احباط الكاتب الشهير بموقفه ضد الحكومة الاميركية الحالية. وأما الكتب عن العراق، فقد ملأت رفوف المكتبات البريطانية، ولكنها لم تنل اعجاب الكثيرين. وتبقى المجلات مصدراً مهماً للقراء الشباب، فانتشرت المجلات الموجهة للشابات مثل "جاست سيفنتين" الموجهة للشبان في سن المراهقة، و"غلامور" التي صممت بحجم صغير كي تضعها القارئة في حقيبتها اليدوية. واستطاعت "غلامور" ان تحقق نجاحاً ملحوظاً باتباعها حملة اعلانية تركز على حجمها المناسب وتناولها المواضيع التي تخص الشابات من المشكلات العاطفية والمهنية الى الأزياء والتكنولوجيا. ويشتد التنافس بين المجلات النسائية التي ازداد مبيعها أكثر من أي وقت مضى. وبعد فراغ واسع في سوق المجلات التي تخص الحياة اليومية للرجال، بدلاً من المجلات المختصة بالسيارات والتكنولوجيا، انتشرت مجلات مثل "اف اتش ام" و"جي كيو" بين رجال في العشرينات والثلاثينات من العمر. الا ان حتى شهر كانون الثاني يناير الماضي لم تظهر أي مجلات للفتيان المراهقين، فأتت "سورتد" بداية هذا العام للشباب دون العشرين من العمر وملأت هذا الفراغ. محطات الراديو والنوادي الليلية أفضل مقياس لذوق غالبية الشباب البريطاني ومثلما تتنوع الكتب التي تبلور وجهات نظر الشباب البريطاني، كذلك الموسيقى. ويلعب الاعلام دوراً أوسع في مجال الموسيقى من مجال الكتب، فتبقى محطات الراديو البريطانية محوراً مهماً لانتشار الأغاني بين الشباب. ومنذ انشائها قبل 20 عاماً، استطاعت مجموعة "كابيتال راديو غروب" اجتذاب المستمعين الشباب، إضافة الى فئات أخرى من المجتمع البريطاني. فأصبحت محطة "كابيتل" من أشهر المحطات الاذاعية التي يتابعها الجمهور والفنانون على حد سواء. كما ان الراديو أداة لقياس نجاح الأغاني، إضافة الى مبيعاتها. وتبقى الاغاني الشبابية مثل البوب والآر اند بي متصدرة قوائم افضل الأغاني بالنسبة الى المبيعات وطلبات المستمعين. وعلى رغم نجاح مغني البوب مثل بريتني سبيرز وكايلي مينوغ، الا ان نسبة عالية من الشباب البريطاني تفضل اغاني من طابع "الترناتيف" بديل، أي غير تقليدية. وهدا النمط من الغناء انتشر خلال العقد السابق. الا ان مجموعة من المغنين البريطانيين منهم جايمي كالوم، احيوا الجاز بحيويتهم التي تتناسب مع صغر سنهم. واستطاعت كاتي ميلوا، التي لا يتعدى عمرها العشرين عاماً وأستقرت في ايرلندا منذ طفولتها، الوصول الى القمة في لوائح مبيعات الألبومات في بريطانيا أخيراً. ويعتبر نجاحها ونجاح أخريات مثل امي واينهاوس برهاناً على توجه الشباب البريطاني الى الاصوات القوية في عالم الغناء بعد الملل من التفرج على جميلات يحترفن العرض ويفتقدن الى الصوت المميز. وتبقى النوادي الليلية التي يعتادها الشباب البريطاني تستضيف دي جي لدمج الأغاني الجديدة للرقص والسهر. وعلى رغم تأثر الكثير من الاغاني الشبابية العربية بالأغاني الاميركية والبريطانية، الا انه لا يوجد في قاموس الأغنية الغربية مصطلح اغنية شبابية، بل تعتبر موسيقى "ترانس" التي تتميز باعادة الايقاع نفسه لفترات طويلة والتركيز على هذه الايقاعات الصاخبة بدلاً من الغناء، من معالم الحياة الشبابية في القرن الحادي والعشرين. وأما اسلوب "غارج" فهو الأكثر انتشاراً في نوادي لندن الليلية للشباب والتي عادة ما تدمج مع "آر اند بي" التي انطلقت من الولاياتالمتحدة. ويبقى ذوق الشباب البريطاني متقلباً مع ظهور وجوه جديدة على الساحة الغنائية، اما عبر محطات الراديو أو عبر برامج التلفزيون مثل "فايم اكاديمي" الذي انتقل الى الدول العربية تحت عنوان "ستار اكاديمي". ونجحت هذه البرامج في شد الجمهور الى التعلق بالمغنين أنفسهم، أكثر من الأغاني التي يؤدونها. وعلى رغم تأثير الموسيقى الاميركية من جهة والاوروبية من جهة أخرى، يبقى لبريطانيا طابع خاص في مجال الموسيقى. فمنذ نجاح فرقة "بيتلز" الساحق في الستينات وحتى يومنا هذا، شعر الشباب البريطاني بنفوذه المتجدد على الساحة الفنية العالمية.