يعلق المحامي ديفيد تشارلز فريمان في المقال التالي على اشاعات تقول بأن النظام الضريبي في المملكة المتحدة سيتغير. هل ستكون لندن منطقة ضرائب متدنية او منطقة معفاة من الضرائب للافراد من الشرق الاوسط بعد 17 نيسان ابريل الجاري؟ لندن - "الحياة" - خضعت المملكة المتحدة لحكم حزب المحافظين، تحت قيادة مارغريت ثاتشر ثم جون ميجور، لمدة 18 عاماً حتى 1997. وكان احد الاسباب وراء فشل حزب العمال في انتخابات متتالية الاعتقاد الشائع بانه حزب اشتراكي يساري سيفرض ضرائب عالية جداً. وكان الناخبون يتذكرون الايام الخوالي السيئة عندما فرضت حكومة العمال ضرائب على الاثرياء بمعدلات تصل الى 98 في المئة نعم 98 في المئة. كان ذلك منذ وقت بعيد، لكن ما رسخ في الذاكرة عن تلك المعدلات الخيالية للضريبة دفع كثيرين الى الامتناع عن التصويت لحزب العمال. ولم يستعد الحزب شعبيته ويصبح قادراً على الفوز في الانتخابات الى ان بدأ توني بلير يدخل تحولات عليه لابعاده عن موقعه الهامشي على يسار الحياة السياسية في بريطانيا ونقله الى موقع الوسط. وتمكن بلير من تغيير طريقة اتخاذ القرار في الحزب واصبحت سياساته الوسطية هي سياسات حزب "العمال الجديد". وكان الاسم الجديد، "العمال الجديد"، يهدف الى ان يثبت للعالم ان نمط التفكير اليساري الثوري الذي بقي لوقت طويل قريباً من جوهر فلسفة الحزب قد انتهى وان رأسمالية رؤوفة جديدة، في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، اصبحت هي الفكر الجديد. ادرك بلير ان فوز حزب العمال في الانتخابات يقتضي ان يقول للناس ما يريدون سماعه. كان عليه ان يبلغهم انه لن تكون هناك أي زيادة في معدل ضريبة الدخل في المملكة المتحدة، وهو ما قاله فعلاً. وادرك ان وزير الخزانة البارع غوردن براون سيجد وسائل اخرى لزيادة الضرائب من دون زيادة المعدلات نفسها. كما ادرك ان الصراع الداخلي والانقسامات في حزب المحافظين آنذاك تمنحه فرصة هائلة للاستفادة من الاحساس بان البلاد بحاجة الى تغيير بعد 18 عاماً من حكم المحافظين. لكن بلير وحكومته ليسا قويين كما كانا قبل بضعة اشهر. فالاعضاء القدامى في حزبه، الذين يتذكرون الايام الخوالي عندما كان حزب العمال حزباً اشتراكياً على اليسار، يبدون تململاً. وينحني بلير امام الاملاءات الاميركية على صعيد السياسة الخارجية، وهو يواصل اعطاء الانطباع بانه اكثر اهتماماً بكسب ود رجال الاعمال في حي المال في لندن سيتي، بدلاً من العمال الذين اعتاد حزبه السعي لاستمالتهم. وقد اعطى الانطباع بانه يفضّل الاختلاط مع الفئات العليا وزعماء العالم خلال جولاته العالمية على ان يشرب الشاي مع النقابيين والفئات العاملة التي كانت تمثل في السابق قاعدة التأييد التقليدية لحزب العمال. ويؤدي تأييد بلير لجورج بوش و "حربه على الارهاب" الى تآكل الدعم لحكومة بلير في المملكة المتحدة. ويبدي الجناح اليساري في حزب العمال قلقه في شأن احتمال شن هجوم على العراق، ويدور نقاش مفتوح عن تحدٍ محتمل لزعامة بلير للحزب. وفي الواقع، سيمنى مثل هذا التحدي بالفشل في هذه المرة، لكن حقيقة ان مثل هذه الامور يُلمّح اليها في شأن زعيم كانت الغالبية في حزبه حتى بضعة اشهر خلت تعتبره اشبه بقديس، هي مؤشر الى تدهور شعبيته. ما هي الصلة بين مكانة بلير داخل حزبه والنظام الضريبي في المملكة المتحدة؟ كلما تزايدت الضغوط السياسية التي يتعرض لها بلير كلما اصبح اكثر حماساً لاعطاء اليساريين في حزب العمال سياسات وتغييرات في القانون تستجيب لميولهم الاشتراكية. وفي حزب سياسي تكتسب فيه الصورة اهمية اكبر من الجوهر، يصبح التفكير بعنوان رئيسي في وسائل الاعلام يؤكد الطبيعة الاشتراكية للحكومة ويسترضي الجناح اليساري للحزب شيئاً جذاباً، أياً كانت النتائج البعيدة المدى. ولا تقتصر الانتقادات التي يتعرض لها بلير على تأييده الاعمى كما يبدو لبوش وحماسه لشن هجوم على العراق، فهو يُتهم ايضاً بعلاقة صداقة حميمة مع سيلفيو برلوسكوني، رئيس الوزراء الايطالي ورجل الاعمال المليونير الذي تخضع مشاريعه التجارية في ايطاليا لتحقيقات ويتعرض الى انتقادات لتقديمه الدعم لرجال اعمال عدة يندرجون ايضاً ضمن المتبرعين لحزب العمال. كما يواجه اتخاذ قرار سياسي في شأن التصويت على استفتاء حول الغاء الجنيه الاسترليني والانضمام الى اليورو. وهناك ضغوط سياسية على بلير وحكومته، وهو يسعى الى وسيلة لاستمالة اولئك الاعضاء في حزبه الذين لا يعجبهم حماسه لليمين. لذا سيكون مناسباً لبلير ان يعطي الانطباع بانه يسد ما تصفه وسائل الاعلام البريطانية ب"ثغرات الضريبة"، خصوصاً ان بعض الاجانب الذين انتفعوا منها وردت اسماؤهم في الصحافة كمتبرعين لحزب العمال. الضرائب بثت وسائل الاعلام البريطانية تقارير كثيرة في شأن ما ستعنيه القواعد الضريبية في المملكة المتحدة بالنسبة الى الاشخاص من الخارج، منتقدة حقيقة ان هؤلاء يمكنهم ان يعيشوا في بريطانيا من دون ان يدفعوا ضرائب. ولم يصدر أي تعليق يذكر في شأن المنفعة التي تجنيها بريطانيا من وجود مثل هؤلاء الاشخاص في البلاد. وفي الواقع، اذا تغيرت القواعد الضريبية فان المملكة المتحدة، وبشكل خاص لندن، ستفقد جاذبيتها بالنسبة الى الاشخاص من الخارج، وسيؤثر ذلك في سوق العقار في المملكة المتحدة وكل اولئك الذين يقدمون خدمات للجاليات الاجنبية التي تساهم بقسط مهم في نجاح الاقتصاد البريطاني. ويدرك وزير الخزانة هذه الحقيقة، وسيفضل على الارجح ان يترك القواعد الضريبية الحالية بالنسبة الى الاشخاص من الخارج من دون تغيير. لكن التغطية الصحافية في بريطانيا تجعل اكثر صعوبة عليه ان يتجاهل هذه القضية. يكون المرء متوطناً في البلد الذي يعتبره موطنه على المدى البعيد، او المكان الذي يحن اليه، او المكان الذي يأمل في العودة اليه يوماً ما. ويقول البعض ان المرء يكون متوطناً في البلد الذي يريد ان يُدفن فيه. ومعروف ان الشخص الذي يقيم في المملكة المتحدة ولكنه غير متوطن فيها، وقد يكون شخصاً يعيش في لندن حالياً ولكنه يريد ان يعود الى الشرق الاوسط في وقت ما في المستقبل، لا يدفع ضريبة الاّ عن ايراداته في المملكة المتحدة او ما يختار ان يجلبه منها الى المملكة المتحدة. كما ان من المعروف جيداً ان مثل هذا الشخص يستطيع ان يدخل رؤوس اموال ولكن ليس ارباحاً رأسمالية الى البلاد مع اعفائه من الضريبة. عندما كانت مارغريت ثاتشر رئيسة للوزراء، طُرح اقتراح بتغيير هذه القواعد. وفي اعقاب ضغوط سياسية مارستها الجاليات التي كانت ستتأثر بهذه الخطوة، تم الاقرار بان ذلك لن يكون في مصلحة الاقتصاد البريطاني. لكن مثل هذه الضغوط لن تكون مؤثرة في الوقت الحاضر. فالهدف من اجراء تغيير في القواعد الضريبية لن يكون زيادة حجم الضرائب التي تجنيها الحكومة كل سنة، لان اجمالي الضرائب المستحصلة سينخفض مع تراجع عدد الاشخاص من الخارج الذين يستقرون ومشاريعهم ورؤوس اموالهم في المملكة المتحدة، بل ان تتمكن الحكومة من القول بانها تخلق نظاماً ضريبياً عادلاً وانها لا تسمح لجماعات المصالح ذات الصلات السياسية ان تنتفع اكثر من بقية السكان من معدل ضريبي مؤاتٍ. وبالطبع، يحذّر المحاسبون والمحامون في لندن كل سنة زبائنهم من مخاطر تغيير محتمل في القواعد الضريبية. لكن تضافر ضغوط وسائل الاعلام وحسابات سياسية ترجح بدرجة اكبر بكثير احتمال الاعلان عن تغيير في القانون هذه السنة، عندما يعلن وزير الخزانة تفاصيل الموازنة في 17 نيسان الجاري. وهناك إشاعة بالاستناد الى تسريب من وزارة المال البريطانية مفادها ان الحكومة تخطط لتغيير القانون كي يصبح الشخص الذي مضت على اقامته في المملكة المتحدة اربع او خمس سنوات متوطناً في كل ما يتعلق بالضريبة. وفي الوقت الحاضر، يعتبر الشخص الذي كان مقيماً في المملكة المتحدة لمدة 17 سنة من العشرين سنة الماضية متوطناً بالنسبة الى "ضريبة الميراث" الضريبة التي تدفع على الممتلكات التي يخلّفها المرء عند وفاته. ويمكن تجنب الآثار السلبية لهذه القاعدة المتعلقة بضريبة الميراث عبر الاستخدام الحذر لشركات ائتمان. لكن اذا طرحت الحكومة بالفعل قانوناً يؤدي الى اعتبار الشخص المقيم في المملكة المتحدة لمدة تزيد على اربع او خمس سنوات متوطناً على صعيد كل ما يتعلق بالضرائب، ستنجم عن ذلك تداعيات كبيرة تغيّر مشهد التخطيط الضريبي في المملكة المتحدة، كما انه سيجعل المملكة المتحدة اقل جاذبية بكثير بالنسبة الى الاشخاص خارج البلاد، ولن يشجع هؤلاء والمشاريع التجارية من الاستثمار في هذا البلد. لكن سيتعيّن على الاشخاص الموجودين هنا بالفعل ان يفكروا بسبل إعادة ترتيب اعمالهم التجارية وشؤونهم العائلية. ما هي المجالات التي يجب التفكير بها؟ - يحتفظ اشخاص كثيرون من الشرق الاوسط، ممن يملكون منازل او مشاريع تجارية في المملكة المتحدة، بصلات وثيقة مع بلدانهم الاصلية ويحصلون على ايرادات من اصول يملكونها حول العالم. كما ان لديهم محافظ استثمارية في مناطق "اوفشور" تولّد ايرادات وارباحاً عن رؤوس الاموال. وكل هذه الايرادات المتأتية من مصادر خارج المملكة المتحدة وارباح رؤوس الاموال ال"اوفشور" معفية من الضريبة حالياً شريطة الاّ تُرسل الى المملكة المتحدة. لكن اذا تغير القانون كما هو مقترح، فان الاشخاص الذين مضت على اقامتهم اربع او خمس سنوات سيجدون فجأةً ان عليهم ان يدفعوا ضريبة في المملكة المتحدة عن ايراداتهم وعن ارباح رؤوس اموالهم في ارجاء العالم. وقد يتساءل البعض: "كيف سيتسنى للمملكة المتحدة ان تحصل على معلومات عن ايراداتي في الخارج؟". لكن سيتعين عليهم اذا كانوا مقيمين في المملكة المتحدة ان يقدموا معلومات لسلطات الضريبة، وقد يعتبر عدم الكشف عن الايرادات او الارباح جنحة جنائية. ومع تزايد التعاون بين سلطات الضرائب في العالم وتبادل المعلومات عن النشاط التجاري والاستثماري، سيصبح اخفاء مثل هذه الايرادات والارباح اكثر صعوبة. - يطلب بعض الاشخاص من شركات ائتمانية ان تتولى رعاية الايرادات بالنيابة عنهم وعن عائلاتهم في مناطق "اوفشور" مثل جيرسي او غيرنسي. وينبغي لكل شخص يعتبر مقيماً وليس متوطناً في المملكة المتحدة ولديه استثمارات في مثل هذه الشركات الائتمانية ال"اوفشور" ان يفكر بضمان تحويل أي ايرادات متراكمة من شركات الائتمان اليهم قبل حدوث أي تغيير في القانون. واذا تم تحويل هذا الدخل المتراكم الى مناطق "اوفشور" قبل نهاية السنة الضريبية الحالية، التي انتهت في الخامس من نيسان ابريل الجاري، فان هذا قد يؤدي الى تجنب التأثير السلبي لتغيير في القانون. - اذا كانت لدى شركة ائتمانية "اوفشور" محفظة استثمارات ارتفعت قيمتها، يمكن ان يُطلب من امناء الشركة ان يفكروا ببيعها لتحقيق ربح على رأس المال يمكن ان يحوّل الى العائلة المعنية قبل أي تغيير في القانون. - ستكون أي عائلة من خارج المملكة المتحدة تعيش في منزل او شقة موجودة هنا تعود ملكيتها الى شركة "اوفشور" بحاجة الى التفكير بعناية كبيرة في شأن الهيكل الضريبي الذي تم انشاؤه والنظر في تغييره. ولا تحتاج التغييرات الى ان تكون معقدة او مكلفة، لكن يمكن للتغير الذي يطرأ على إقامة الاشخاص الذين يعيشون في منزل او شقة، نتيجة تغيير محتمل في القانون، ان يطلق نتائج باهظة جداً على صعيد الضرائب في المملكة المتحدة. والارجح ان تؤثر هذه النقطة الأخيرة على ما لا يقل عن 60 في المئة من الاشخاص من الشرق الاوسط الذين يعيشون في المملكة المتحدة او يملكون منازل فيها عبر شركات وصناديق ائتمان "اوفشور". ويحتاج كل هولاء الاشخاص الى التفكير في شأن كيفية التعامل مع التغيير في القانون. وسيقرر كثيرون ان يتملكوا باسمائهم المنزل او الشقة التي يقيمون فيها. وينبغي لهم ان يأخذوا في الاعتبار كلفة نقل عقار من اسم شركة الى فرد محدد بالاسم، لكن يمكن لمحامين ان يقترحوا خططاً لتوفير في رسم الطابع قابلة للتطبيق في بعض الظروف. ومن الممكن، بالطبع، الاّ يعلن وزير الخزانة شيئاً في شأن شركات ال"اوفشور" والوف الاشخاص من المقيمين غير المتوطنين، الذي يساعدون على تحريك الاقتصاد البريطاني، عندما يلقي كلمته الخاصة بالموازنة في 17 نيسان الجاري. وقد يعلن عن تبني تغيير في وقت مناسب، بعد فترة من التشاور، او يمكن ان يعلن تغييراً فورياً كجزء من حملته لجعل النظام الضريبي يبدو اكثر عدلاً. ويصعب التكهن في شأن الموقف الذي سيتخذه، لكن من الواضح ان المشهد السياسي والحاجة الى استرضاء الجناح اليساري في حزب العمال يجعل الاعلان عن تغيير في القانون مرجحاً اكثر. ينبغي لممثلي الجاليات الكثيرة التي ستتأثر بهذا التغيير ان تنظم حملة ضغط نشيطة في الايام القليلة المقبلة للفت الانتباه الى انه في الوقت الذي يمكن فيه لمثل هذا التغيير ان يفضي الى نظام ضريبي اكثر عدلاً وعناوين رئيسية محابية للحكومة في وسائل الاعلام لفترة لا تزيد على 24 ساعة، فانه سيلحق الأذى بالاقتصاد، ويلحق الأذى بسوق العقار، ويخفض عدد الاشخاص من الشرق الاوسط الذين يختارون ان يقضوا وقتاً في المملكة المتحدة. ملاحظة: يتباين الوضع الضريبي لكل شخص ومشروع تجاري، وينبغي طلب مشورة ضريبية وقانونية ملموسة قبل القيام بأي اجراء، او تأخير أي اجراء، بالاستناد الى هذه المقالة التي كُتبت بصيغ عامة فقط.