بدأ زعماء دول الاتحاد الأوروبي ال15 والدول العشر التي ستنضم إليه، قمة في بروكسيل تستمر يومين، لمناقشة ثلاث مسائل مهمة هي: مواجهة التهديد الإرهابي المتزايد لأوروبا بعد تفجير قطارات مدريد، وإعادة إطلاق محادثات رفيعة المستوى بشأن دستور الاتحاد الأوروبي المثير للجدل، والموافقة على معاهدة تعطي الاتحاد الأوروبي بنية قانونية أقوى وأكبر من السلطة الوطنية. وبث روح جديدة في رغبة الاتحاد جعل أوروبا أكثر الاقتصادات ديناميكية. فرضت اعتداءات 11 آذار مارس في مدريد نفسها على القمة الأوروبية التي افتتحت أعمالها في بروكسيل مساء أمس، وتستمر إلى اليوم. ووصف المعلقون القمة بأنها ستكون قمة مصالحة، الأمر الذي فرضته ضرورة توحيد الجهود في مواجهة الإرهاب، إضافة إلى زوال المحور المنافس للتحالف الفرنسي- الألماني، بفعل وصول الاشتراكيين إلى الحكم في مدريد. ويتبنى القادة المشاركون في القمة خطة جديدة لمكافحة الإرهاب أعدها وزراء الداخلية والخارجية الأوروبيون، مرفقة بتعهد سياسي يستبق "بند التضامن" المدرج في مشروع الدستور الأوروبي. وفي ما يخص مكافحة الإرهاب، اقترح وزراء الخارجية والداخلية الأوروبيون خطة عمل جديدة. أهم ركائزها: الإسراع في تطبيق الإجراءات التي سبق أن تمت الموافقة عليها ولم تدخل حيّز التنفيذ في بعض الدول، كنظام اعتقال أوروبي يوفّق بين قوانين تعريف ومعاقبة الإرهاب في الدول الأوروبية. كما اقترحوا تعيين مفوض أوروبي لمكافحة الإرهاب، يكون بمثابة منسق أمني لحض دول الاتحاد على تبني سياسات موحدة وفاعلة، إضافة إلى تقاسم أفضل للمعلومات الاستخباراتية الحساسة المتعلقة بالإرهاب بين هذه الدول. وعلى رغم أن تفجيرات مدريد أجبرت الزعماء الأوروبيين ال25 على التكافل، فإن ثمة انقسامات داخلية كبيرة حول كيفية الاستجابة لاعتداءات إرهابية تنسب إلى مقاتلين إسلاميين، وحول كيفية التعامل مع النمو المتزايد للسكان المسلمين في أوروبا. تهدئة الرأي العام وتستهدف هذه الإجراءات تخفيف حدة الهلع العام عقب اعتداءات مدريد التي كانت أسوأ هجمات تشهدها أوروبا منذ اعتداء "لوكربي" عام 1988. وجوبهت دعوات من جانب أعضاء أصغر في الاتحاد مثل بلجيكا والنمسا إلى إنشاء نسخة أوروبية من وكالة الاستخبارات الاميركية سي آي أيه بالرفض من جانب الدولتين الأكبر ألمانيا وبريطانيا بسبب مخاوف من اقتسام معلومات استخبارية حساسة. وصرح مسؤولون في برلين ولندن بأن ثمة حاجة لتطوير التعاون بشأن إجراءات وافق عليها الاتحاد الأوروبي بالفعل. وقال مسؤول ألماني بارز طلب عدم الكشف عن هويته إن "تنسيق الإجراءات هو المطلوب، فلسنا في حاجة لإصدار قوانين جديدة". وستكون مهمة المنسق الأمني الجديد الإشراف على التطبيق الحازم لقوانين الاتحاد الأوروبي الخاصة بتشديد الرقابة على الحدود وتلك التي تستهدف تجفيف مصادر التمويل للإرهابيين وتعزيز علاقات التعاون مع الحكومات الأجنبية في مجال مكافحة الإرهاب. إلى ذلك يوقع القادة على إعلان تضامن يتعهد بتقديم المساعدات ومنها العسكرية، بشكل تلقائي إلى أي دولة عضو تتعرض للهجوم من جانب الإرهابيين. كما يقرون خطة لوضع بصمات الأصابع على تأشيرات الدخول وجوازات السفر اعتباراً من نهاية 2005، وتعزيز الأمن في المرافئ، في إجراءات تشبه تلك التي طبقت في المطارات الأميركية بعد هجمات 11 أيلول سبتمبر. ثنار للمرة الأخيرة ويمثل رئيس الوزراء المنتهية ولايته خوسيه ماريا أثنار إسبانيا في قمة أوروبية للمرة الأخيرة، لكن لذلك مدلولات أهمها أن خلفه خوسيه لويس رودريغيث ثاباتيرو أعلن عودة مدريد إلى المحور الفرنسي- الألماني، الأمر الذي يبدد كل الخلافات القائمة مع سلفه المتحالف مع واشنطن. وخلال العشاء الذي أقيم مساء أمس، وشكل مرحلة حاسمة في هذه القمة، اقترح رئيس الوزراء الإيرلندي بيرتي آهرن الذي يتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي حالياً، على نظرائه تحريك المفاوضات حول الدستور على أمل التوصل إلى اتفاق قبل نهاية حزيران يونيو المقبل. وبعد ثلاثة أشهر من فشل لقائهم الأخير في هذا الشأن، يبدو القادة الأوروبيون مستعدين اليوم أكثر من أي وقت مدى، لتجاوز انقساماتهم مستفيدين من سياسة ثاباتيرو تقريب إسبانيا من فرنساوألمانيا، المناقضة تماماً للسياسة التي اتبعها أثنار. وارتفعت في الأسبوعين الماضيين فرص التوصل إلى اتفاق حول الدستور بفضل فوز الاشتراكيين في الانتخابات الإسبانية في 14 آذار الجاري. ويتوقع ثاباتيرو توقيع اتفاق مبكّر حول ذلك. ويرى رئيس القمة رئيس الوزراء الإيرلندي بيرتي آهيرن إمكان للتوصل إلى اتفاق خلال ثلاثة أشهر. غير أن تحديد موعد نهائي لذلك قد يدفع بعض الدول إلى رفع "خطوطها الحمر"، إذ سترفض المساومة على بنية الاتحاد الأوروبي الجديدة لتقاسم السلطة داخله بالتساوي. أهداف مشتركة وفي الوقت نفسه، غطت الكثير من المسائل العاجلة على جدول الإصلاح الاقتصادي. وتحسن الوضع الشهر الماضي عندما وافقت ألمانياوفرنسا وبريطانيا رسمياً على لائحة أهداف الاتحاد الأوروبي المشتركة - كالأسواق الأكثر مرونة، والحاجة إلى اتحاد أوروبي قادر على إدارة مختلف وجوه الأداء الاقتصادي. وتبقى المشكلة أن غالبية الدول الأوروبية تعاني من ارتفاع في البطالة وتراجع في النمو، والبعض لم يطبق ما دعا إليه. العراق والشرق الأوسط وفي تعليق على تعهد ثاباتيرو الانسحاب من العراق، رأى وزير الخارجية البريطاني جاك سترو أنه سيكون من الخطأ اعتقاد العديد من الدول بأنها بعيدة عن لائحة أهداف الإرهابيين عبر اتباعها سياسة عدم التدخّل. وربما تكون المحادثات حول العراق التي تدور خلف الأبواب، أكثر أهمية من أي إعلان سيصدر عن القمة، مع التأكيد على أن المواجهة بين الدول الأعضاء تضعف توازن القوى. وسيقوم زعماء الدول الأوروبية خلال القمة بتبادل وجهات النظر حول سورية وخصوصاً المفاوضات الخاصة باتفاق الارتباط بين سورية والاتحاد الأوروبي. تشجيع سورية بدل الضغط عليها وقالت مصادر أوروبية إن بعض دول الاتحاد تريد ممارسة ضغوط على سورية بالنسبة إلى المزاعم الخاصة بتشجيع الإرهاب ووجود مكاتب لعدة منظمات فلسطينية في دمشق. إلا أن الاتجاه العام خلال القمة سيكون تشجيع سورية على مواصلة اتباع سياسات معتدلة من شأنها العمل على استئناف المفاوضات مع إسرائيل وانتهاج الإصلاحات الداخلية المطلوبة خصوصاً بالنسبة إلى تحرير الاقتصاد واحترام حقوق الإنسان. ومن جهة أخرى، قال ديك روش وزير شؤون أوروبا الإيرلندي الذي تترأس بلاده الاتحاد الأوروبي حالياً إن الزعماء الأوروبيين سيبحثون التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط بما في ذلك اغتيال الزعيم الروحي لحركة حماس الشيخ أحمد ياسين. ويركز الزعماء على الجهود الرامية إلى تنفيذ خارطة الطريق، بما في ذلك التزام الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بوقف العنف. ويبحثون الزعماء خطة إسرائيل الانسحاب من قطاع غزة وضرورة أن يكون ذلك تمشياً مع المعايير الخمسة التي وضعها وزراء خارجية دول الاتحاد في يوم 23 شباط فبراير الماضي. ويبحث الزعماء أيضاً وفقاً للوزير الإيرلندي اتفاق الشراكة الاستراتيجية مع دول البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط. وسيتم تمثيل رئاسة الاتحاد الأوروبي في القمة العربية في تونس، بحضور خافيير سولانا مفوض الاتحاد للشؤون الخارجية والأمنية. ويسعى سولانا إلى معرفة وجهات نظر الزعماء العرب حول كيفية تطوير العلاقة المهمة من خلال المشاورات مع المنطقة. ولكن روش أكد على أن دول الاتحاد الأوروبي لا تنوي مطلقاً أن تحدد مستقبل المنطقة من الخارج.