غالباً مايقف "أولاد الذوات" كما يعرفهم المصريون خلف فضائح القاهرة وتقاليعها الغريبة. فقبل أن تغسل المدينة الكبيرة عن وجهها غبار كارثة تنظيم "عبدة الشيطان" الذي اتخذ من قصر البارون ابمان المجهور في ضاحية مصر الجديدة مقراً لنشاطه المشبوه، كانت فضيحة تنظيم "قوم لوط" الذين سقطوا في السفينة "كوت بوت" السياحية وسط صخب إحدى حفلاتهم على صفحة النيل بمثابة لطمة أخرى على وجوه الآباء. ولم تسترح الأجهزة الأمنية المصرية من صدمتها حتى فوجئت بتقليعة جديدة عرفت أمنياً باسم "الثعبان القاتل". والحقيقة أن التقليعة الجديدة التي بدأت أولاً من الساحل الشمالي قبل نحو عامين من ظهورها في ضاحية مدينة نصر شرق القاهرة لم تصل بعد الى درجة الظاهرة على رغم مشوارها الطويل الذي قارب الألف كيلومتر لتنتقل من موطنها الاصلي الى القاهرة. وتمثل هذه التقليعة، بحسب تقديرات الأجهزة الأمنية، مؤشر خطر لجريمة اخطر يمارسها الاطفال والمراهقون. وتأتي التقليعة الجديدة او كما يسميها الشباب "لعبة الموت" بمثابة رقصة اخيرة مع الموت يرقصها احد المتسابقين قبل ان يخرج خاسراً الى القبر او في احسن الاحول الى المستشفى مقعداً. وفي "رقصة الموت" وهي سباق عنيف على ثلاث مراحل، يحاول الشاب المتسابق "إغلاق" عداد سيارته والوصول بها الى السرعة القصوى يليها الدوران المفاجئ. وفي المرحلة الثانية من السباق يتم السير بالسرعات الجنونية نفسها في انعطافات ضيقة وعدوانية تجاه المتسابقين الآخرين، إذ يحاول كل متسابق اخراج الآخر من السباق بكل الطرق بما فيها افتعال اصطدامات جانبية تتسبب في تلف السيارات ووقوع حوادث مميتة للمتسابقين واصحاب الحظ السيئ الذين يضطرون الى المرور في "ميدان المعركة". اما في المرحلة الاخيرة او "المطاردة"، فيشكل الشباب فريقين في وضع المواجهة، وتختار الطريدة بعد ان تقطع عليها عناصر المجموعة الأخرى الطريق، فيتم الانطلاق في اقصى سرعة ممكنة والاستعداد لإحداث اصطدامات مباشرة وفي المواجهة، وإرغام الخصوم على الابتعاد والهروب. وتشبه تلك المرحلة لعبة عض الإصبع التي يخسر فيها من يصرخ أولاً. لكن، لأن الذين يهربون هم فقط الجبناء الخائفون، غالباً ما يصر كل طرف على المواجهة وتحدث الاصطدامات بين الفريقين وتكون نتيجتها في غالب الأحوال خسائر كبيرة. سمير طالب في كلية التجارة في القاهرة يبلغ من العمر 19 عاماً، يقول إنه يحب تلك السباقات التي تعطيه "احساساً عالياً بالنشوة والقوة والاقتحام"، مؤكداً انه وأصدقاءه لم يتعرضوا للخطر لأنهم كلهم محترفون، ولأن سيارتهم قوية وجديدة وقادرة على التحمل. لكنه لا ينفي حدوث تلف في اجزاء من السيارات التي تخرج من السباق محطمة. ويرى سمير أن ذلك "ثمن رخيص للمتعة التي تحققها نتيجة الشعور بالقوة والتميز والمغامرة التي تمنحها تلك اللعبة المثيرة". ويضيف: "انها رياضة عادية مثل كل الرياضات التي نعرفها، وسباق السيارات رياضة يحبها الجميع ولها ابطال يعرفهم الجميع، وهي رياضة غالباً ما تتسبب في تدمير السيارات المشاركة كما يتعرض بعض اللاعبين للاصابات وعلى رغم ذلك لم يتهم الناس ابطالها بالجنون ولم يطاردهم الأمن". ويقول عمر 23 عاماً إنه واصدقاء كثيرين يحبون تلك اللعبة التي بدأت في الساحل الشمالي مع "اولاد الأثرياء لأنها مكلفة" ثم انتقلت معهم الى القاهرة وخصوصاً الى شوارع مدينة نصر الواسعة والهادئة. وتمارس هذه اللعبة في الساعات الأخيرة من الليل، حينما تكون الطرقات فارغة تماماً من المارة والسيارات وقادرة على استيعاب اندفاع الشباب الصاخب. على الجانب الآخر، ينفي مصدر أمني وجود اعداد كبيرة من الشباب تمارس تلك اللعبة الخطرة، ويقول انها "لم تصل بعد الى حد الظاهرة، ولم تقترب من مرحلة الخطر وان كانت تمثل ناقوساً ينذر بنار تحت الرماد ويتطلب مواجهة حاسمة مع هؤلاء الصغار العابثين". ويستطرد بالقول ان إجراءات قانونية رادعة تتخذ في حق المخالفين، مشيراً الى ان "هؤلاء الشباب يقودون تلك السيارات من دون ترخيص لأنهم غالباً اصغر من السن القانونية". ويذكر أن ترخيص قيادة السيارات في مصر لا يحصل عليه من هم دون الثامنة عشرة، لافتاً الى ان "ظاهرة القيادة العنيفة تنتشر بين المراهقين في كل عواصم العالم، اذ تستهويهم المغامرة والمخاطرة". وتعرف تلك التقليعة في الخليج باسم "التفحيط" وهي ظاهرة تعرفها الكويت والرياض والدوحة وكل العواصم الخليجية الأخرى، وتشكل هاجساً امنياً للجميع لما تشكله من خطر، وهي تقليعة ينقلها المراهقون من جنون المطاردات الأميركية في الافلام وهي مطاردات مثيرة لأنها غير حقيقة، ومصنوعة وفق خدع سينمائية في الاستوديو. ويقول المصدر الأمني إن ظاهرة القيادة المتسرعة عموماً هي السبب الأول والرئيس وراء انتشار حوادث السير. وكان وزير الداخلية المصري اللواء حبيب العادلي أكد ان وزاراته اتخذت مجموعة من الاجراءات نُفذت للسيطرة على حوادث الطرق من خلال تشديد الضوابط في الاستحصال على تراخيص القيادة للمواطنين. وأصبحت نسبة النجاح للمتقدمين للمرة الأولى لاختيار القيادة، تراوح بين 20 و25 في المئة. ويرى شرف ان ظواهر الاستخدام السيئ والخاطئ للطرق تمثل عبئاً اضافياً جديداً على البلاد اضافة الى الاعباء الاصلية التي لا تقدر الموازنة العامة للدولة على تحملها، وتزيد ظاهرة الالعاب الخطرة للمراهقين على الطرق المصرية من مشكلات الأمان خصوصاً ان دراسة للدكتور عصام شرف استاذ هندسة الطرق في جامعة القاهرة، تؤكد أن عدد قتلى حوادث الطرق في مصر يصل الى 20 قتيلاً لكل 10 آلاف مركبة مسجلة، فيما يراوح عدد القتلى في الدول المتقدمة بين 3 و4 قتلى، وتصل النسبة الى 120 قتيلاً لكل الف كيلومتر من الطرق في مقابل 15 قتيلاً في الدول المتقدمة. وبحسب الخبراء تحولت الطرق المصرية الى مسلسل رعب لا تنتهي حلقاته، ولا يتوقف نزيف الدماء عليه، خصوصاً أنها تحولت الى ساحة للصراع تحكمها قوانين البقاء للأقوى، وتسيرها قواعد الفهلوة والبلطجة واللامبالاة حتى اصبح الوضع مأسوياً، اذ تشهد مصر سنوياً 26 الف حادث ضحاياها 5800 قتيل.