تنتشر في أوروبا موجة من الذعر تمثلت أمس في إعلان مصادر أمنية بريطانية "عدم جاهزية" المملكة المتحدة للتعاطي مع اعتداء بحجم الذي وقع في مدريد، في حين تحدثت برلين عن معلومات عن استعداد أنصار "القاعدة" تنفيذ هجمات في مختلف المدن الألمانية، وفي غضون ذلك، دعا رئيس المفوّضية الأوروبية رومانو برودي إلى ضرورة صوغ إستراتيجيات سياسية جديدة قابلة للاستخدام في مواجهة الإرهاب. أكد باتريك كانينغهام قائد فريق التخطيط لمواجهة الأحداث الطارئة في بريطانيا أن المملكة المتحدة غير جاهزة للتعاطي مع اعتداء بحجم ذلك الذي وقع في مدريد قبل أقل من أسبوعين، مؤكداً أن البلاد ربما تكون أقل جاهزية لمواجهة اعتداء كيماوي أو بيولوجي أو نووي توقع وزراء ورجال أمن وقوعها. ونقلت صحيفة "إندبندنت" عن كانينغهام قوله إن موارد التخطيط للطوارئ تراجعت منذ هجمات 11 أيلول سبتمبر، وثمة نقص في التجهيزات الحيوية والتدريبات. واكد كانينغهام ان الشرطة وخدمات الإسعاف والإطفاء التي حصلت على التمويل والتجهيزات في العامين الماضيين، "يمكنها التعامل مع قنبلة تقليدية للجيش الجمهوري الايرلندي وليس مع اعتداء بحجم هجوم مدريد". واشار الى ان من الشروط الأساسية لمواجهة هجمات ارهابية غير متوافرة، مثل "تنظيم عمليات الإخلاء وتوفير مأوى لمن أصبحوا بلا مأوى وتقديم المعلومات اللازمة للجمهور، اضافة الى المعدات والتدريب اللازم. واعتبر ذلك امراً غير مقبول. ووضع التنبؤ باعتداء إرهابي الحكومة البريطانية في موقف حرج، لا سيما أن الأجهزة الأمنية تتعرض للانتقاد لحجبها معلومات تتعلق بصديق جمال زوغام المتهم في تفجيرات مدريد، محمد الغربوزي، الذي دخل بريطانيا الأربعاء الماضي على رغم معرفة الاستخبارات البريطانية بأمره. التجسس على الطلبة العرب من جهتها، نقلت صحيفة "تلغراف" عن مصادر أمنية قولها إن غالبية الجامعات البريطانية تتعاون منذ هجمات أيلول مع شرطة النخبة البريطانية التي تتولى الأمن القومي وأجهزة مكافحة التجسس، للتنصت على الاتصالات الهاتفية واعتراض البريد الإلكتروني للطلبة لا سيما القادمين من مصر وليبيا وسورية وباكستان وإيران لمعرفة ما إذا كان أحدهم على علاقة بإرهابيين. وقالت إنه "مع كل الوثائق التي يملأها الطلبة، ليس صعباً الحصول على أرقام هواتفهم أو عناوينهم الإلكترونية والتعرف إلى نوع النشاطات التي يمارسونها أو الأماكن التي يترددون عليها". ألمانيا مهددة وفي برلين، ذكرت مجلة "دير شبيغل" أن عدد اتباع تنظيم "القاعدة" في ألمانيا المستعدين لتنفيذ اعتداءات يبلغ نحو 270 إسلامياً ينتشرون في مختلف المدن الألمانية المهمة ويعمل معظمهم في شكل مستقل عن الآخر. وأضافت ان السلطات حدّدت الصورة العامة للشبكة وفروعها التي تبدأ في مدينة ميونيخ جنوباً لتمتد الى شتوتغارت غرباً والى شمال بافاريا شرقاً، وصولاً الى فرانكفورت في الوسط ومنها الى منطقة الرور فهامبورغ وبرلين. وتظهر هذه الصورة خلو شرق ألمانيا وشمال البلاد من فروع ل"القاعدة" وخلاياها. إيطاليا في الإطار نفسه، دعا رئيس المفوّضية الأوروبية رومانو برودي إلى ضرورة صوغ إستراتيجيات سياسية جديدة في مواجهة الإرهاب، إلى جانب التحرك الأمني. وأكد برودي أن "الإشكالية الأخيرة في الحروب ليست الانتصار بقدر ما هي القدرة على الوفاق"، فيما طالب زعيم المعارضة الإيطالية بيارو فاسّينو الإدارة الأميركية ب"تغيير إستراتيجياتها إزاء الوضع في العراق، معتبراً أن "التنظيمات الإرهابية تقود حربها من دون رايات أو بزّات عسكرية أو أرض تستند عليها، لذا فإن التفكير بالقضاء عليها من خلال الأساليب التقليدية كالحروب، ليس إلاّ وهماً خطيراً". وانتقد رئيس مجلس النواب الإيطالي بيار فرديناندو كازيني المجتمع السياسي الغربي كونه ينشغل بحسابات التضاد السياسي الحزبي، فيما "أصبح العالم اليوم كما لو أنه برميل بارود يمكن أن ينفجر في أية لحظة"، معتبراً أن أفراد "القاعدة" أو الإسلاميين ما كانوا ليتحركوا هكذا من دون الاعتماد على فلول من الإرهاب الإسباني". وحذّر من إمكان تكرار هذا التحالف بين الإرهاب الأصولي وتنظيمات إرهابية في بلدان أوروبية أخرى. القمة الأوروبية ويأتي ذلك عشية اجتماع القادة الاوروبيين في بروكسيل الخميس والجمعة المقبلين، لاعادة اطلاق التعاون الاوروبي لمكافحة الارهاب. ويعد وزراء الخارجية مشروع البيان الختامي للقمة الذي سيقر نحو 10 اجراءات منها تعيين مفوض لشؤون الارهاب والاعتماد المسبق ل"بند التضامن" المدرج في مشروع الدستور. وتقرر رفع مستوى الاجراءات الامنية في الموانئ المطبقة حالياً في المطارات منذ 11 أيلول، وبدء تطبيق عملية اخذ البصمات لمنح تأشيرات واصدار جوازات السفر الاوروبية الجديدة في نهاية عام 2005. وتبقى إشكالية تبادل المعلومات، إذ تعارض فرنسا والمانيا وبريطانيا فكرة بلجيكا والنمسا بانشاء وكالة استخبارات مركزية اوروبية. أستراليا والسفن المفخخة وفي سيدني، أمرت الحكومة الاسترالية بمراجعة أمن الموانئ بعدما حذر المحللون من أن السلاح التالي الذي قد يستخدمه المتشددون هو السفن المحملة بالمتفجرات. وأعلن أمس عن تعيين وزير شؤون مكتب رئيس الوزراء ومجلس الوزراء بيتر شيرغولد، أرفع موظف عام في أستراليا، رئيساً للجنة خاصة مكلفة بمراجعة إجراءات الامن في موانئ البلاد السبعين. وقال وزير النقل جون أندرسون إن الحكومة تشعر بالقلق إزاء أمن الموانئ. وأضاف: "نريد التأكد من أننا غطينا كل قاعدة ومن أننا مدركون لكل التهديدات والاخطار المحتملة وأننا اتخذنا أفضل الخطوات الممكنة لضمان سلامة موانئنا وسفننا".