لن تكون الانتخابات البلدية في الشمال، بمنأى عن لعبة اختبار القوى في ظل صعوبة تحييدها عن استحقاقي رئاسة الجمهورية والانتخابات النيابية المقبلة على رغم ان معظم القوى الفاعلة في المنطقة تحاول التخفيف من وطأتها السياسية وتسعى الى التوافق الذي يصطدم بكثرة المرشحين الى رئاسات البلديات الذين يفوق عددهم عدد الطامحين ليكونوا اعضاء في المجالس العتيدة. والصورة النهائية للتحالفات البلدية لن تظهر في المدى المنظور وستبقى خاضعة للتقلبات في منطقة يتطلع فيها كثر الى الترشح للرئاسة الأولى أو لخلافة رئيس الحكومة رفيق الحريري. وهكذا يبقى الهم الأساسي للطامحين الخروج منتصرين في المعارك البلدية، مع انهم يدركون جيداً ان تحالفاتهم النيابية ستتعرض الى انتكاسات سيحتاجون وقتاً الى ترميمها. وتعتبر مدينة طرابلس المسرح السياسي الأكبر الذي ستطل من على خشبته جميع القوى الفاعلة في المدينة، وفي مقدمها الرئيس عمر كرامي الذي ينظر إليه على انه الناخب الأقوى مستفيداً من وقوف الحريري على الحياد ومن العوائق التي تواجه خصومه الذين اربكهم هذا الحياد ولم ينجحوا من خلال حصدهم في الانتخابات النيابية الماضية جميع المقاعد المخصصة لطرابلس باستثناء المقعد الذي احتفظ فيه كرامي لنفسه، في اقامة تكتل سياسي متجانس يرعى خطة انمائية. ولم ينجح خصوم كرامي في إثبات حضورهم ويغلب عليهم التقلب في تقديم انفسهم بديلاً منه، ويحاولون الآن اعادة تجميع صفوفهم في محاولة لتأليف لائحة منافسة للائحة التي يدعمها برئاسة الرئيس الحالي للبلدية العميد سمير شعراني، مع انه يتردد في طرابلس ان بعضهم يميل الى دعم لائحة يتزعمها عبدالعزيز مجذوب، والأخير كان اساسياً في تيار "المستقبل" بزعامة الحريري لكنه استقل عنه بسبب خلافه مع مسؤول التيار في الشمال وزير التربية سمير الجسر، بينما يتجه البعض الآخر الى اقامة تحالف مع النائب السابق عبدالمجيد الرافعي الذي يتريث في الإعلان عن خياره البلدي. وما ينطبق على الرافعي احد قادة حزب البعث العراقي سابقاً ينسحب على الجماعة الإسلامية وتنظيمات اسلامية اخرى تفضّل عدم تحديد موقفها النهائي ريثما تنتهي من مشاوراتها مع كل الأطراف. وبالنسبة الى قضاء زغرتا، يظهر من خلال افادة الوزير فرنجية من اعادة خلط الأوراق التي اتاحت له الانفتاح على بعض العائلات التي كان على خصومة معها، انه الأقوى ضد منافسته التقليدية النائبة نائلة معوض وقد لا يجد صعوبة في كسب المعركة، خلافاً للمنافسة الحادة التي ستشهدها قرى القضاء. ومع ان العائلات في بلدات القضاء تلعب الدور الأساس في تقرير مصير المجالس البلدية، فإنه سيكون للحضور الحزبي المتواضع تأثير في ترجيح كفة الصراع بين فرنجية ومعوض. اما في بلدات محافظة عكار وقراها فسيحاول نواب المنطقة خوض معركة اثبات وجودهم، وتجرى حالياً محاولات حثيثة يقوم بها نائب رئيس الحكومة عصام فارس، لتقديم التوافق على خوض المعارك شرط ان يحسن الجميع اختيار الكفايات لإدارة المجالس البلدية بدلاً من الدخول في تناحر عائلي يمكن ان يطيح باختيار الأفضل من اجل التنمية. لكن ترجمة التوافق على الأرض في ظل تعدد الانتماءات الحزبية والعائلية، ستواجه صعوبة في الخيارات خصوصاً في بلدات القبيات، عندقت، رحبة، حلبا، قرى وادي خالد، فنيدق، منيارة، حيث المبارزة بين العائلات تعود الى عشرات السنين، لها دورها في الحسم. ومن المتوقع ان تكون المعارك في قضاء المنية مشابهة للمعارك في الأقضية الأخرى، وستشهد تنافساً عائلياً لا يخفي المواجهة المستمرة بين نائب القضاء صالح الخير ومنافسه محمود طبو. اما في قضاء الضنية، فيلاحظ ان نائبي القضاء احمد فتفت - تيار المستقبل - وجهاد الصمد، يحاولان ان يظهرا امام الرأي العام رغبتهما في دعم التوافق لكن من باب رفع العتب، فيحضران في الوقت نفسه للتنافس خصوصاً انهما ليسا وحدهما في الساحة. وهناك قوى حزبية على رأسها الجماعة الإسلامية والحزب السوري القومي الاجتماعي ستؤثر في تحالفاتهما. وفي البترون، يفترض ان يطغى الصراع التقليدي بين النائبين بطرس حرب وسايد عقل على عملية تركيب اللوائح على رغم انهما لا يملكان القرار الذي يتحكم بمسار الانتخابات البلدية من دون العودة الى العائلات خصوصاً ان للنائبين منافسين محليين خاضوا الانتخابات النيابية في السابق لا يمكنهما تخطيهم، اضافة الى وجود قوى حزبية من بينها حزب الكتائب المنقسم على نفسه، ناهيك أن تيار القوات اللبنانية سمير جعجع يتمتع بثقل في القرى الجردية في موازاة حضور فاعل للوزير فرنجية. وعلى صعيد قضاء الكورة، هناك صعوبة في استقراء الموقف البلدي على رغم ان نواب القضاء سليم سعادة الحزب القومي، فريد مكاري وفايز غصن يسعون لإقامة تحالفات بلدية ضد خصومهم التقليديين ويبدون انفتاحاً على الحزب الشيوعي اللبناني. لكن التجربة البلدية السابقة قد تتكرر هذه المرة، بتنافس عائلات تتأثر بالحزب القومي على لوائح عدة. وقد تنذر المعارك بمفاجآت لأن خصوم نواب القضاء لن يخلوا الساحة ويجدون في البلديات فرصة لاختبار قواهم. ولا بد من الإشارة الى ان قضاء بشري قد يكرر التجربة البلدية السابقة التي اتاحت للقوات اللبنانية في مسقط رأس قائدها جعجع السيطرة على معظم المجالس، ضد القوى التقليدية المدعومة من نائبي القضاء قبلان عيسى الخوري وجبران طوق. لكن هناك من يستبعد إصرار القوات على خوض المعارك منفردة وقد تضطر الى الانفتاح على عيسى الخوري وطوق من اجل قطع الطريق على اثارة العصبيات العائلية، نظراً لحاجتها الى الالتفاف الشعبي، وهي تواصل خوض معركة اخراج جعجع من سجنه في وزارة الدفاع من خلال اصدار عفو خاص عنه.