قدر مدير"هيئة مكافحة البطالة"حسين العماش عدد العاطلين عن العمل في سورية بأكثر من 800 ألف شخص، وقال ل"الحياة"ان بلاده تحتاج إلى 20 بليون دولار أميركي لخفض البطالة إلى 7 في المئة في السنوات الخمس المقبلة. وفي ما يأتي نص الحديث: كيف تنظر الى واقع البطالة حالياً في سورية؟ - تشير المعطيات الاقتصادية الى ان مشكلة البطالة ناجمة عن قصور في النمو الاقتصادي وخلل في تركيبة القطاعات الاقتصادية التي لم تسمح في استيعاب طبقة عاملة جديدة. ونجمت المشكلة لسبب رئيسي هو ان الاقتصاد السوري انتقل من دون تحضير كاف، او على وشك الانتقال، من مرحلة سيطرة القطاع العام إلى اقتصاد السوق. وصاحب هذا الانتقال عدد من الإجراءات... لكن نتيجة عدم وجود المعايير الواضحة لكيفية الانتقال جعلت المشكلة تظهر وكأنها اكبر من واقعها وهي مشكلة متوقعة في اقتصادات التحول. هناك ركود اقتصادي طويل راكم هذه البطالة التي أصبحت الآن ظاهرة واقعية وكبيرة. والشيء الثاني وجود خلل في تركيبة البطالة نفسها فهي شبابية وتتركز في الفئات غير المتعلمة وهذا الواقع اصبح يتطلب تدخلاً واسعاً اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً بمعنى إعادة تأهيل العمال الفائضين. ماذا فعلت هيئة مكافحة البطالة منذ إنشائها حتى الآن؟ - خلال عامين، عمر هيئة مكافحة البطالة التي انطلقت في نهاية عام 2002، استطاعت ان تساهم في توفير 80 الف فرصة عمل بإنفاق قارب 15 بليون ليرة سورية. هذا إنجاز مقارنة بكلفة فرصة العمل وإنجاز من ناحية تحقيقها لهذه الأرقام وهي لن تفي بالحاجة الكلية، لكن اذا قدر لها ان تستمر بهذا المنهج فهي خلال السنوات الخمس المقدرة من عمرها القانوني ستتمكن من ايجاد بين 300 و400 ألف فرصة عمل، وهو رقم كبير ومقبول وسيؤدي إلى خفض البطالة إلى 50 في المئة من الحجم العام. بالنسبة لعدد المشاريع والقروض التي تم تمويلها من قبل الهيئة حتى الآن؟ -السوق السورية متعطشة للتمويل الاستثماري ولأنها متعطشة جاءت طلبات كبيرة جداً كونه لا توجد مؤسسة أخرى غير الهيئة تقوم بهذا العمل، والمصارف موجهة لشريحة معينة وضمن النشاطات القائمة... والذي حصل ان هذا النوع من الأنشطة جلب أعداداً هائلة من العاطلين عن العمل، والهيئة ضمن برنامجها السنوي لم تستطع تلبية جميع الطلبات دفعة واحدة انما تمت برمجة الطلبات على مدى خمس سنوات، ولدينا برنامجان رئيسيان الأول القروض الصغيرة وتم استقبال نحو 22 ألف طلب منها وتم تدريب أصحاب الطلبات بالكامل على إدارة المشاريع الصغيرة منهم 18 ألف شخص أنجزوا دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع واصبحوا نوعاً ما جديين، ومن بين ال 18 ألفاً وافقنا على 13 ألف مشروع صغير وأحلناه إلى المصارف واستطاع 7100 شخص من هؤلاء الحصول على قروض وتنفيذ المشاريع أي ما يعادل 50 في المئة من الطلبات التي أحيلت إلى المصارف، أما بالنسبة إلى القروض الأسرية الطلب اكبر بكثير والأعداد المتراكمة الآن لدينا تتجاوز مئات الآلاف لأنها تركز على مبلغ مئة ألف ليرة وعن طريق الوحدات الإرشادية والاتحاد النسائي أو التسجيل المباشر سواء في المدينة او في الريف، لكن برنامجنا السنوي هو تمويل 30 الفاً كل سنة. وفي العام الماضي استقبلنا ووافقنا على 30 ألف طلب وأحلناها إلى المصارف وتم تنفيذ نحو 22 ألف طلب منها. هل تعتقد أن المشكلة لا تزال كبيرة؟ - الحقيقة لا تزال كبيرة وحسب تقديرات الهيئة تصل البطالة إلى اكثر من 16 في المئة من قوة العمل وهذه النسبة تُعتبر كبيرة وهيئة حديثة وحدها لن تكون قادرة على حل هذه المشكلة او خفض نسبة البطالة من 16 إلى 6 أو 7 في المئة، وهو الرقم المقبول اقتصادياً وخفض الرقم 10 نقاط ليس سهلاً وبالتالي المشكلة تتطلب تضافر نشاطات اقتصادية وقطاعية ثلاثة: القطاع العام والخاص والاستثمار الدولي وهيئة مكافحة البطالة حتى نستطيع ان نؤمن أولاً فرص عمل جديدة تكفي للداخلين الجدد إلى سوق العمل وثانيا لتمتص المخزون المتراكم من أعداد البطالة التي هي بحدود مئات الآلاف. والمشكلة صعبة من شقين هناك تدفق سنوي يأتي وحتى الآن سوق العمل غير قادرة على ايجاد فرص عمل كافية للداخلين إليها سنوياً والشيء الثاني نحتاج إلى خفض العدد الهائل المتراكم من عدد العاطلين. كم تقدر حجم الاستثمارات التي تحتاج إليها سورية سنوياً لمعالجة مشكلة البطالة؟ - نحتاج سنوياً إلى بليوني دولار نحو 100 بليون ليرة سورية للوافدين الجدد فقط الذين يُقدر عددهم وسطياً بحوالى 200 الف على اعتبار ان فرصة العمل تكلف 10 آلاف دولار، وهذا رقم ليس سهلاً ولدينا اكثر من 800 ألف عاطل عن العمل تراكموا عبر الاعوام الماضية حسب إحصاءات هيئة مكافحة البطالة العام الماضي أي بنسبة 16 في المئة، لكن الأرقام الرسمية تُقدر النسبة بنحو 11.5 في المئة وهذا يحتاج إلى ما بين 16 و20 بليون دولار لخفض مستوى البطالة إلى نسبة 6 او 7 في المئة على مدى خمس سنوات. ما هي الأسباب الحقيقية وراء تفاقم مشكلة البطالة؟ - في الدرجة الأولى اقتصادية، النمو الاقتصادي خلال الفترة الممتدة بين عامي 1996 و2002 كان ضعيفاً، معدل النمو الاقتصادي كان يراوح بين صفر و3 في المئة وهذا النمو على أرقامه المطلقة إذا ما قورن بمعدل النمو السكاني خلال تلك الفترة الذي كان راوح بين 2.7 و3 في المئة نلاحظ انه لم يكن هناك نمو اقتصادي حقيقي خلال فترة سبع إلى ثماني سنوات ما ادى الى مشكلة اقتصادية حقيقية. والسبب الثاني هو ان الاقتصاد السوري كان الى فترة ولا يزال حتى الآن يسير تحت سيطرة القطاع العام وهناك عدم نمو وعدم سماح للقطاع الخاص ان ينمو كما يجب حتى يستطيع ان يمتص فائض هذه العمالة، كانت الدولة ملزمة في التوظيف خلال الفترة السابقة خصوصا لخريجي الجامعات وفي السنوات الأخيرة وصلت إلى مرحلة الإشباع. هناك بطالة مقنعة هائلة تراوح بين 30 و40 في المئة في القطاع العام الذي يبلغ عدد العاملين فيه بحدود 1.5 مليون عامل وهذا رقم كبير جداً. والجزء الآخر الذي ادى الى المشكلة هو ان المنافسة بدأت تشتد مع انفتاح الأسواق السورية ودخول المنتجات من الدول العربية والدول الأخرى التي بدأت تغزو الأسواق السورية بقوة، مقابل ذلك منتجات ومؤسسات القطاع الخاص لم تتطور بالنسبة نفسها ما ادى الى خروج قسم منها من السوق. وافلس عدد من المؤسسات الكبيرة التي لم تستطع ان تُطور أعمالها، وهذا طبعا جانب تنظيمي وليس فقط استثماريا وهذا اثر فيها. لكن اذا استطاعت الدولة بصورة غير مباشرة إعادة تأهيل هذه القطاعات ودعمها قد تستطيع ان تقف على رجليها على أسس تنافسية، اذ نلاحظ نمواً اقتصادياً ضعيفاً ونمواً سكانياً مرتفعاً في مرحلة كان فيها التخطيط شمولياً إلى آلية سوق لم تنتظم، اضافة إلى ان الانفتاح على الأسواق العربية اسس ضغطاً تنافسياً شديداً يضاف إليه الآن فقدان بعض الأسواق التي كانت سورية تتعامل معها بمرونة منها سوق العراق او سوق الخليج وسوق الاتحاد السوفياتي سابقاً، كل هذه الأسواق لم تعد موجودة كما في السابق وبالتالي التوتر الإقليمي اثر في الجانب الاستثماري وكان مقدراً للنمو للسنة الجارية ان يكون بحدود 5 إلى 5.5 في المئة واعتقد بأنه لن يتجاوز 3.5 في المئة في افضل التقديرات. هناك من يقول ان مكاتب التشغيل ولدت ميتة ولم تستطع القيام بعملها؟ اعتقد انها لم تعط الفرصة لتطور نفسها وآلية عملها وبالتالي حكم عليها بانها مقصرة، أولا لأنها لم تُدعم سياسياً وفنياً وتقنياً وهذا شيء مهم والشيء الثاني ان دورها اقتصر على الترشيح في وظائف الدولة والشيء الآخر ان المنهجية التي اعتمدت لم تكن واضحة. ما هي الجهات الداعمة لهيئة مكافحة البطالة؟ -بعد تأسيس الهيئة كانت هناك خطة بأن تتوافر لها موارد مالية بقيمة بليون دولار أميركي 50 بليون ليرة سورية على مدى السنوات الخمس المقبلة، وكان هناك اتجاه بأن يتم توفير بين 65 و70 في المئة من هذه الأموال من موارد عبر التمويل الخارجي من خلال القروض والمنح، والباقي 20 في المئة إعانة من الحكومة السورية و10 في المئة تكون موارد مصرفية من داخل سورية. ووقعنا اتفاقات مع ثلاث جهات هي الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية لاقراضنا 100 مليون دولار أميركي ومع البنك الإسلامي في جدة لتقديم 10 ملايين دولار ومع الحكومة الإيطالية لاقراضنا 50 مليون دولار والدفعة الأولى بحدود 15 مليون دولار، وهذه الأموال تم الالتزام بدفعها لكن لم تصل حتى الآن الى سورية وجزء من هذه القروض يرتبط بجوانب فنية وتقنية وجزء منها مرتبط بظروف خارج إرادة الهيئة.