كندا، بلاد المهاجرين الشاسعة التي تشكل تاج القارة الأميركية، يلفها من الشمال المحيط المتجمد ومن الشرق المحيط الاطلسي ومن الغرب المحيط الهادي، وتندمج اراضيها من الجنوب بأراضي الولاياتالمتحدة الاميركية في تداخل جغرافي وتاريخي وثقافي متشعب، نشأ في مراحل مختلفة منذ ان بدأت الموجات الأولى لتدفق الهجرات الأوروبية وغير الأوروبية الى هذه المنطقة الواسعة. وأصبحت كندا في حضورها الراهن واحدة من أهم بلدان العالم الصناعي والزراعي، وأيضاً السياحي، حيث بلغت فيها صناعة السياحة درجة عالية من الرقي والتقدم. وتشكل السياحة في كندا ثالث أبرز القطاعات التي تساهم في رفد الدخل القومي للبلاد. وتنقسم سياحتها الى داخلية وخارجية، فعلى صعيد الداخل يجد ال 29 مليون نسمة، وهو عدد سكان كندا، ضالتهم في موسمي الصيف والشتاء على حد سواء في عدد من المدن والمرافق السياحية المنتشرة في طول البلاد وعرضها. ولا تهم هنا اللغة التي يتكلم بها أهالي المقاطعات التي تتقاسمها قوميتان رئيسيتان هما الانكليزية والفرنسية، وتتوزع فيها أقليات قومية أخرى مثل الايطالية والالمانية والآسيوية. فالسائح يستطيع ان يحدد المكان الذي يريده ليجد فيه كل مستلزمات الراحة والدهشة. ولا نغالي إذا قلنا ان السائح المحلي الكندي يكتشف في كل مرة شيئاً جديداً عندما يبدأ بتنفيذ برنامجه السياحي. فالبلاد كبيرة للغاية، ويصعب على أهلها التعرف على كل شيء فيها، فكيف هي الحال بالنسبة الى السائح الاجنبي الذي يقصد كندا المترامية الاطراف والتي تبلغ مساحتها حوالى 10 ملايين كيلومتر مربع وهو الغريب الذي يحتاج الى وقت كاف ودليل سياحي شامل وربما الى مرافقة سياحية ايضاً؟ أما السياحة الخارجية فهي نوعان: واحدة تستهدف مواقع محددة وهذه تستغرق أياماً وربما أسابيع وأشهراً، وأخرى سريعة لا تتعدى اليوم الواحد أو اليومين على أكثر تقدير وتعرف بإسم الترانزيت وتتركز في المدن الكبيرة التي تمر بها خطوط الطيران العالمية مثل مونتريال وأوتاوا وغيرهما حيث تصبح كندا جسراً بين أوروبا وآسيا وبلدان أميركا الجنوبية، وفي أحيان أخرى ممراً جوياً وبرياً وبحرياً الى الولاياتالمتحدة الاميركية. وسياحة الترانزيت مزدهرة في كندا، خصوصاً بين ذوي الدخل المحدود من الطلبة والشباب وصغار الموظفين الذين يستغلون أيام العطل الاسبوعية لزيارة المدن الكندية المختلفة لأن مثل هذه الرحلات لا يكلف الكثير. فالحياة المعيشية في كندا أغلى نسبياً منها في الولاياتالمتحدة أو أوروبا. الموسم السياحي في كندا يجمع بين الصيف والشتاء. صحيح أن شتاءها يبقى راسخاً في الجزء الشمالي حيث تقترب أراضيها من القطب الشمالي، إلا ان صيفها يصبح أكثر جاذبية في الوسط والجنوب. فمواكب السياح لا تنقطع عن الحواضر الأثرية والتراثية، ولكن هناك أيضاً تدفقاً من نوع آخر، فالرياضة السياحية في غاية الإزدهار خصوصاً التزحلق على الجليد وتسلق الجبال الجرداء والجبال الجليدية ولعبة "الهوكي" التي يشتهر بها الكنديون، فضلاً عن سباقات الخيل التي تتواصل على مدى العام. كثير من السياح الذين لم يزوروا كندا يعتقدون بأنها بلاد الثلوج والأسكيمو والغابات الوحشية المترامية التي تفتقد الى الدفء الذي يحتاجه السائح للتمتع الحر بالمرافق السياحية المختلفة من دون الخضوع الى تبدلات الجو ومؤثراته المفاجئة. والحقيقة ان كندا هي فعلاً بلاد الأسكيمو والغابات الوحشية، لكنها ايضاً بلاد الحرية والجو المتنوع. فالثلوج موجودة في الشمال بينما الطقس المعتدل في الربيع والصيف يعم معظم محافظات الوسط والجنوب، وهو يتشابه الى حد بعيد مع طقس كاليفورنيا، وهذه ميزة يكتشفها السائح حالما يصل إلى كندا. مونتريال، عاصمة السلطة المالية، عبارة عن مجمع هائل لناطحات السحاب والأسواق الفاخرة والمحلات المتنوعة، وهي أيضاً حاضرة سياحية جذابة للغاية بمطاعمها ومسارحها ومقاهيها ومرافق التسلية فيها وبيوتها المبنية بالطابوق الأحمر، حيث يختلط قديمها بجديدها في مشاهد معمارية مشوقة. أما العاصمة الاتحادية اوتاوا فعبارة عن متحف وطني ومقر للإدارات الحكومية. وفيها أرقى المنتزهات والطرق المائية ومتاحف الدرجة الأولى والآثار الحضارية والتاريخية. ويشكل قطاع السياحة المصدر الثاني لدخلها الوطني. تعتبر بناية البرلمان المحلي صورة رائعة من الطراز الغوطي الحديث، وهي تحاكي بناية البرلمان البريطاني في لندن، فضلاً عن البنايات الكثيرة الأخرى التي تتوزع في أرجاء المدينة المختلفة. وجمال أوتاوا يتكرر في مدينة تورنتو، لكن بخصوصية أخرى. فالحياة فيها تنطلق من الشارع الرئيسي "يونغ ستريت"، وهو الشارع العسكري الذي أسسه جون سيمكو أحد القادة المعروفين، ويؤدي إلى بحيرة "سيمكو" المطلة على برج "قلعة سي ان" وهو برج البث التلفزيوني الذي يضم مطعماً علوياً راقياً. وهناك مجمع الميناء "هاربر فرونت"، وهو الجزء الجديد من المدينة، وفيه المطاعم والمقاهي والمتنزهات وسوق العاديات ومتحف السكك الحديد الكندية الذي يضم أقدم القاطرات البخارية. كثيرة هي المرافق السياحية في كندا، ويصعب على المتابع أو الزائر حصر أسمائها أو مواقعها بسهولة. لكن تبقى الاشارة إلى أن هذه المنطقة تضم ثروة سياحية هائلة تجتذب ملايين السواح سنوياً، ومنهم العرب الذين يجدون كثيرين من أبناء جلدتهم المهاجرين والمستوطنين هناك.