مونتريال - حين كلفت إحدى وكالات الإعلان الكندية المشهورة إعداد حملة غرضها الترويج للسياحة في بلد عربي اختارت أن يكون عنوان الحملة مشهداً صادقاً من مشاهد قوافل الجمال وسط الرمال الذهبية المصطبغة بألوان شمس الأصيل، وذلك رغم علمها الأكيد أن أفلاماً وأقلاماً مجحفة درجت على إظهار تقاليد الصحراء في مشاهد تحرج كبرياء العربي وتنفر السائح الأجنبي. ويحمل اختيار الوكالة مغزى طيباً وتأكيداً صريحاً لأصالة مقومات السياحة العربية، خصوصاً أن البلد المقصود يمتلك ثروة كبيرة من عناصر الجذب السياحي التي يصلح أي منها أن يكون بديلاً متميزاً، وتحرص بلدان كثيرة على ابرازها في حملاتها الترويجية سواء منها المندرجة في اطار السياحة الثقافية مثل الآثار والمتاحف أو السياحة الترويحية كالفنادق الفخمة وملاعب الغولف وحمامات الطين. ويعود الفضل في مجمل الأمر الى صاحبة المبادرة "شركة الطيران الملكية المغربية"، التي قررت أن تباشر موسم الأعياد والسياحة الشتوية في كندا بحملة ترويجية مبكرة هدفها، ببساطة، حسبما قال القائمون عليها ل "الحياة" في مونتريال، التعريف بالمغرب وشد اهتمام السائح الى ما ينتظره من المشوقات السياحية والدفء على مسافة ست ساعات وخمس عشرة دقيقة فقط من قسوة الشتاء الكندي. لكن بساطة الهدف تخفي خلفها قراراً تطلب اتخاذه قدراً كبيراً من الجرأة والتضحية والحرص على التعامل مع مؤشرات السوق وواقعه بأسلوب علمي وطموح في آن، وكانت النتيجة النهائية حملة ترويجية مكثفة وسخية تعتبر الأولى من نوعها في كندا لجهة سعة نطاقها وحجم انفاقها، على رغم خصوصية دوافعها ومبرراتها. وقال مدير عمليات "الملكية المغربية" في كندا شوقي بن عبدالجليل ان "الملكية المغربية موجودة في كندا منذ 22 عاماً، لكننا حين قمنا أخيراً باجراء دراسة علمية تبين لنا أن السياحة المغربية والملكية المغربية لا تأخذان حقهما كاملاً من الاظهار في سوق السياحة والسفر لهذا البلد". وتعتبر نتيجة الدراسة قاسية خصوصاً ان "الملكية المغربية" أصبحت شركة الطيران العربية الوحيدة التي تسير رحلات منتظمة ومباشرة الى كندا بعد قرار "الملكية الأردنية" ايقاف رحلاتها المباشرة العام الماضي والاستعاضة عنها برحلات غير مباشرة. وعزا عبدالجليل ضعف حركتي السياحة والسفر بين كندا والمغرب الى عوامل عدة تتعلق بخصائص السوق الكندية، وأبرزها ضخامة البدائل والاغراءات المتاحة للسائح الكندي. لكنه أشار في الوقت نفسه الى عوامل ذاتية أهمها مضي 12 عاماً على آخر جهد ترويجي بذلته الشركة أو مكتب السياحة المغربي مجلد فاخر من اللقطات السياحية المنتقاة بحرفية وذوق رفيع في كندا. وفي مقابل نتائج الدراسة ومؤشراتها الواضحة تأتي دوافعها ومبرراتها التي يمكن وصفها بأنها دقيقة وغير مريحة. اذ أن الملكية المغربية تسيّر أربع رحلات مباشرة بين البلدين عبر محطة توقف في نيويورك اسبوعياً، ويبلغ عدد المغادرين على متن طائراتها من مطار "دورفال" الدولي في مونتريال نحو 20 ألف مسافر وسائح في المتوسط سنوياً لكن محصلة عملياتها تدون بالحبر الأحمر. وترجع الأسباب في غالبيتها هنا أيضاً الى واقع السوق الكندية. ويلفت عبدالجليل، على سبيل المثال، الى أن حركة التنقل بين كندا والمغرب على طائرات "الملكية المغربية" متوازنة 50/50 في الاتجاهين وأن نسبة الأشغال التي تشكل أحد العوامل المهمة في معادلة الربحية تراوح بين 75 و80 في المئة صيفاً لكنها تنخفض الى 58 في المئة شتاء. وأشار مسؤول "الملكية المغربية" الى عامل مهم آخر، "إذ بعد أخذ عامل أسعار صرف العملات ونفقات الهبوط في المطارات الكندية تكون النتيجة ان الدخل الذي تحصله الشركة من المسافر الكندي في محطة مونتريال يقل بنسبة 56 في المئة عما يدفعه ركاب محطة نيويورك، من دون حساب فرق المسافة بين المحطتين التي تبلغ نحو ساعتي طيران". يلاحظ أن الدولار الكندي خسر نحو 14 في المئة من سعر صرفه مقابل الدولار الأميركي في الأشهر الثلاثة الأخيرة. واضافة الى التبعات السلبية المترتبة على العاملين السابقين تعاني السوق الكندية قلة واضحة في أعداد ركاب الدرجة الأولى ورجال الأعمال. وأوضح عبدالجليل: "ليس لدينا في كندا التنوع المطلوب في فئات الركاب لتغطية نفقات الهبوط المرتفعة في المطارات الكندية، وغالبية زبائننا خصوصاً في فصل الشتاء، سياح أو مسافرون يفضلون الدرجة السياحية". وللتعامل مع واقع السوق الكندية أعدت "الملكية المغربية" المزيد من الدراسات الميدانية والتشاور مع المتخصصين في شؤون السفر والسياحة وشكلت مجموعات للبحث لتحديد العوائق التي حالت دون تسويق السياحة المغربية والملكية المغربية بالشكل المطلوب، وخلصت الى أن السوق الكندية تملك امكانات قوية يتطلب استغلالها بذل جهد مكثف على أكثر من صعيد. ومن النتائج المثيرة التي توصلت اليها "الملكية المغربية" مدى الحاجة الى قيام "لوبي" مغربي وعربي وافريقي قادر على المساهمة في ابراز الصورة الحقيقية للمغاربة والعرب وتأكيد صدقية السياحة المغربية والعربية، لأن الصحافة الغربية، حسب عبدالجليل، "لا ترى من بلادنا سوى ما هو قبيح ومنفر على رغم أن لدينا الكثير مما هو جيد جداً لكنه لا ينال حقه في الاظهار". وأضاف: "توصلنا كذلك الى تحديد مدى حاجتنا الى التعريف بخطوطنا بجهد مستمر والوجود في السوق كل الوقت وتجنب القيام بجهود متفرقة والأهم من ذلك كله ضرورة التعريف بمنتجاتنا السياحية، خصوصاً تلك المتخصصة القادرة على اثارة اهتمام السائح الكندي في مجال السياحة الثقافية والترويحية على حد سواء". لكن ضخامة الجهد المطلوب تعكس مدى طموح "الملكية المغربية" في زيادة حصتها من السوق الكندية على رغم حدة المنافسة التي تميز صناعة السفر والسياحة في بلد يعاني عجزاً مزمناً في ميزانه السياحي بسبب ضخامة عدد الكنديين الراغبين في قضاء الاجازات الشتوية في الخارج وحاجة شركات السفر والسياحة الكندية الى الاستفادة من هذه الظاهرة المربحة. وقال عبدالجليل ان طموح الملكية المغربية ساهم بدوره في تحديد طبيعة الجهد المطلوب: "اختيار أعرق وأضخم وكالات الاعلان والترويج في السوق الكندية وتكليفها مهمة التعريف بالسياحة المغربية والملكية المغربية في الأوساط التي يفترض انها الأقدر على معرفتها بأذواقها ومتطلباتها واسلوب مخاطبتها وصياغة كل هذا في حملة ترويجية مركزة ذات هدف محدد". وأضاف: "نسعى الى تحقيق غرض أساسي: تشجيع السفر والسياحة المغربية وتشجيع استخدام الخطوط الملكية المغربية وسيلة مفضلة للانتقال ليس فقط الى المغرب بل الى المحطات المجاورة، واخترنا التركيز على محاولة الوصول الى هدف محدد يتمثل في التعريف بالمغرب والسياحة المغربية لقناعتنا ان التعريف بالمغرب سيعني زيادة حركة السفر على طائراتنا". يشار أن شركتي الطيران الكنديتين "الخطوط الكندية" و"ايركندا"، لم تمارسا حقهما في تسيير رحلات الى المغرب بموجب مبدأ المعاملة بالمثل. واختارت الملكية المغربية تركيز الجهد الأكبر لحملتها في مقاطعة كيبك وذلك لوجود غالبية زبائنها التقليديين في مدينة مونتريال، المركز التجاري والصناعي للمقاطعة المذكورة. وتضم هذه الغالبية الجالية المغربية التي يقدر عددها بنحو 60 ألف نسمة والجاليات العربية الأخرى التي يراوح عددها بين 200 و250 ألف نسمة. ولفت عبدالجليل الى "اننا نولي جاليتنا العربية جل اهتمامنا ونشعر أن لدينا دوراً مهماً نلعبه تجاهها. كما ان هناك مبررات اضافية لتركيز حملتنا في مقاطعة كيبك أهمها عامل اللغة، اذ أن هذه المقاطعة الناطقة بالفرنسية التي يبلغ تعدادها زهاء سبعة ملايين نسمة تمنحنا ميزة أساسية في الترويج للسياحة في المغرب إذ يمكننا فعلياً دعوة السائح الكيبكي لقضاء اجازة ممتعة في جو ساحر خال من العوائق اللغوية". لكن الحملة المغربية التي درست خصائص زبائنها المحتملين دراسة وافية حسبما أكد القائمون عليها، لم تتجاهل المقاطعات الكندية الناطقة بالانكليزية التي تعتقد أنها توفر لها امكانات كبيرة، إذ أن "اهتمامنا بالسائح الكيبكي الذي يفضل السياحة الترويحية لكنه مقتصد في الانفاق، لا يعني تجاهل أهمية الوصول الى سائح المقاطعات الأخرى الذي يميل الى تفضيل السياحة الثقافية ويعتبر أكثر انفاقاً". وأكد مدير عمليات "الملكية المغربية" في كندا ان حملة الترويج التي بلغ حجم انفاقها نحو نصف مليون دولار كندي تطلبت قدراً كبيراً من الجرأة والتضحية ليس بسبب عامل الربحية وحسب بل بسبب استحالة التنبؤ بالنتائج، "وحرصنا على استخدام أفضل الوسائل لتحديد متطلبات السوق والاستجابة لها على أكمل وجه، أما رد فعل الزبائن فهذا ما يجب الانتظار لمعرفته وان كانت المؤشرات الأولية مشجعة". كفاءات عربية تشارك في الترويج للسياحة والسفر الى المغرب مونتريال - انتصبت في الخامس من تشرين الأول اكتوبر الجاري على امتداد طرقات مقاطعة كيبك لوحات اعلانية ضخمة تظهر مشاهد منتخبة من المعالم السياحية في المغرب. وفي الوقت نفسه، تلقت 1250 وكالة سياحة وسفر في المقاطعة الكندية مغلفات كرتونية انبوبية الشكل في داخل كل منها جريدة انيقة تحكي قصة اكبر حملة اعلانية تقوم بها "شركة الطيران الملكية المغربية" في كندا. وتستمر الحملة 20 اسبوعاً وتغطي مدينة مونتريال وكامل مقاطعة كيبك التي تبلغ مساحتها ضعفي مساحة فرنسا، لكن الاعلانات الخارجية والجرائد السياحية لا تشكلان سوى حلقتين في سلسلة اعلانية محكمة قام بتخطيط وتنفيذ احدى اهم حلقاتها الرئيسية كفاءات عالية من ابناء الجالية العربية في المقاطعة، فيما تشرف على تنفيذ الحلقات الباقية احدى وكالات الاعلان والترويج الكندية الكبيرة. وتعود مشاركة الكفاءات العربية الى مبادرة قامت بها "الملكية المغربية" بتكليف شركة "توتال فيو" ومقرها مدينة مونتريال تصميم واستضافة موقع في شبكة انترنت يخدم اغراضها في التواصل مع زبائنها في كندا عبر وسيلة عصرية تفاعلية ويساهم في تحقيق الهدف الرئيسي من حملتها الترويجية، خصوصاً تعريف المجتمع الكندي بالسياحة المغربية. وقال شوقي بن عبدالجليل مدير عمليات "الملكية المغربية" في كندا لپ"الحياة" ان قرار انشاء الموقع مرده "الأهمية المتعاظمة التي تكتسبها شبكة انترنت في حقل الاعمال، لكن اختيار شركة توتال فيو وكفاءاتها العربية للمشاركة في حملة مهمة تخاطب الجالية العربية والجمهور الكندي، جاء لاعتبارات موضوعية وعملية صرفة". وأضاف: "وجدنا في الكفاءات العربية دعماً معرفياً وثقافياً يصب في الاهداف التي نسعى اليها ويندر توافره في السوق الكندية، ووجدنا لديهم في الوقت نفسه خبرات وتقنيات عالية فضلاً عن امتلاكهم وسيلة تخاطب جالية تهمنا جداً". ويشار الى ان الشركة المذكورة تدير اعمالها من موقعين يقدمان خدمات اعلانية للجالية العربية في مونتريال. "رمز الموقع: www.RAMcanada.com