يعيش نحو 500 الف مهاجر مغربي في اسبانيا في ظل هاجس الخوف من تنامي العنصرية ضدهم، بعد تحميل عدد صغير منهم مسؤولية الاعتداءات في مدريد الاسبوع الماضي. وتعيد هذه الاجواء الى اذهانهم، فترات من التوتر مرت بها العلاقات بين الجانبين، وهي امتداد لكراهية ناجمة عن تاريخ الاستعمار العربي للاندلس. وفي المقابل، تسعى هيئات وقيادات روحية ومدنية من الجانبين، الى حضهما عن الابتعاد عن الكراهية. وفي هذا السياق جاء تصريح لوزيرة الخارجية الاسبانية انا بالاثيو قالت فيه: "نحن متأثرون جداً لرد فعل الشعب المغربي الذي أحسسنا بتضامنه الكامل معنا في مواجهة ظاهرة الارهاب". كان المهاجر المغربي أسامة العمراتي 23 عاماً يكن حباً جماً لصديقته الاسبانية بيا. وقال لها في رسالة عبر الهاتف المحمول: "حبيبتي... أنت حياتي. أحبك. سأراك غداً"، وذلك قبل ان يلقى حتفه في اعتداءات مدريد مع 200 آخرين من ركاب القطارات الخميس الماضي. وقالت بيا تعليقاً على موت: "أسامة وأنا كنا دائماًً معاً. أغمض عيناي وأتخيل انه موجود خلفي". ولكن مثل هذه القصص لا تحظى بالاهتمام، مع تصاعد الغضب في أسبانيا ضد المغاربة والمسلمين عموماً الذين أصبحوا معرضين للاهانات العنصرية في شكل متزايد. وقال رجل يدعى عبدالسيد في ضاحية لابابيس في مدريد حيث يعيش الكثير من المهاجرين من جنسيات مختلفة: "لم أعد أجرؤ على السير بمفردي في الشارع". واعتقل ثلاثة مغاربة في لابابيس في أعقاب تفجيرات مدريد. ويعتقد أن أحدهم ينتمي الى جماعة متطرفة ذات صلة بتنظيم "القاعدة" وأنه شارك في الهجمات بصورة مباشرة. كما تعرفت الشرطة إلى خمسة مغاربة آخرين يشتبه في ضلوعهم بالهجمات. وقال حسن 36 عاماً الاسباني الجنسية المغربي المولد: "الناس ينظرون إلينا بصورة سيئة كما لو أننا الذين فعلناها التفجيرات". كما شكا كثيرون من المغاربة من تعرضهم للاهانات. وقال أحدهم إن الشرطة تبحث عنه بلا سبب. وفي المسجد الكبير في مدريد، حض الامام منير محمود المصري أكثر من 500 ألف مسلم في أسبانيا معظمهم من المغاربة، على التزام الهدوء وإظهار روح الاسلام الحقيقية التي أكد أنها تعارض الارهاب تماماً. ويعيش في مدريد 24 ألف مغربي من بين 600 ألف أجنبي يقيمون فيها. وحذرت الحكومة المغربية ومنظمة أس أو أس راسيزمو لمكافحة العنصرية من أن موجة كراهية للاجانب قد تنتشر في أسبانيا. ويخشى المغاربة على حياتهم عندما يتذكرون أعمال الشغب في بلدة إل إيغيدو الزراعية التي طارد سكانها المهاجرين من دول شمال أفريقيا عقب اتهام أحد المهاجرين بقتل سيدة عام 2000، مما أثار اضطرابات أصيب خلالها نحو 80 شخصاً بجروح. وقال صاحب متجر مغربي في لابابيس: "في انفجارات مدريد كان الضحايا من أهلنا أيضاً. نحن نعيش هنا ونشارك الاسبان في كل شيء... الخير والشر. القتلى قتلانا أيضاً، فكيف يستطيع الناس الآن أن يعتقدوا أننا نحن القتلة؟ هذا أمر مرعب". ولم يكن أسامة العمراتي المغربي الوحيد بين القتلى والجرحى. ودانت المنظمات الاسلامية في أسبانيا الهجمات. وشارك كثيرون من المغاربة في المسيرات الحاشدة في أنحاء البلاد لاعلان رفض الارهاب، وشارك فيها نحو 11 مليون شخص. العلاقة بين الاسبان والمغاربة وللاسبان علاقة معقدة بالمغاربة الذين يطلقون عليهم اسم "موروس" أي المور، وهم العرب المسلمون الذين عاشوا في أسبانيا طوال 800 عام. وكانت اسبانيا في العصر التي عاش فيها المور، منارة للثقافة في أوروبا خلال العصور الوسطى. وتذكر بأنها كانت مكاناً للتسامح عاش فيه المسلمون والمسيحيون واليهود معاً في سلام معظم تلك الفترة. ثم طرد الملك فرديناند والملكة إيزابيلا الكاثوليكيين المور من البلاد عام 1492. وتحولت المساجد في اسبانيا إلى كنائس. وتعرض ماضي المسلمين هناك لمحاولات لطمسه. واليوم، عندما يرتكب المهاجرون من شمال أفريقيا أي جرائم أو يشاركون في سلوك أخر غير مقبول، تتحول المشاعر القديمة المعادية للمغاربة بسهولة إلى ظلم عام عندما ينتقد الناس "المغاربة الاسبان". وتظهر على جدران محطة أتوشا للقطارات في مدريد حيث تعرض قطاران للتفجير، عبارات تشتم المغاربة. وصرخت إحدى السيدات خلال مسيرة صغيرة معارضة للارهاب في مدريد في عطلة نهاية الاسبوع: "المغاربة هم الذين فعلوا ذلك". وردت سيدة مغربية شابة شاركت في المسيرة بوجهها قائلة: "لا يا سيدتي نحن مثلكم. نحن في المأساة معاً". وبات بعض المغاربة الاسبان يفكرون في العودة إلى بلادهم. بالاسيو وفي محاولة لتنفيس الاحتقان بين الجانبين، قالت وزيرة الخارجية الاسبانية آنا بلاثيو: "نحن متأثرون جداً لرد فعل الشعب المغربي الذي أحسسنا بتضامنه الكامل معنا في مواجهة ظاهرة الارهاب". واضافت: "كلنا ضحايا مفترضون للارهاب. والأهم هو أن نتذكر الضحايا دائماً وألا ننساهم". وجاءت تصريحات وزيرة الخارجية الاسبانية خلال حديث أدلت به أمس للقناة الثانية في التلفزيون المغربي دوزييم شددت خلالها على "ضرورة عدم الخلط بين الجالية المغربية وبين المسؤولين عن هذه العمليات الارهابية"، مشيرة الى أن "ما حدث كان من فعل أفراد فقط يجب أن يقدموا للعدالة حتى يطبق عليهم القانون". وأكدت الوزيرة "أهمية التعاون الدولي في مجال مكافحة الارهاب". كذلك أعربت بالاثيو في كلمة خلال مشاركتها في القداس الذي أقامته كاتدرائية "سان بيار" في الرباط على أرواح الضحايا عن "شكرها للمجتمع المغربي بكل مكوناته الذي عبر بتلقائية كبيرة عن تضامنه مع ضحايا اعتداءات مدريد الارهابية". واعتبرت القداس "تعبيراً عن مشاعر الشعب المغربي النبيلة وإدانته للارهاب الاعمى". دعوات الى التسامح وفي الوقت نفسه، حض رئيس بلدية مدريد البرتو رويس غاياردون ابناء المجتمع الاسباني على عدم تعميم الاتهامات على كل المسلمين، في ما يتعلق بالارهاب. وتزامن ذلك مع تقديم 532 من اقارب ضحايا اعتداءات مدريد الاجانب، طلبات لتجنيسهم في اسبانيا.