الفيلم الأول للمخرج عمر نعيم البالغ 26 سنة من العمر عنوانه "فاينال كات" النسخة الأخيرة. وقد أتيح له العرض على شاشة الدورة الأخيرة من مهرجان برلين السينمائي الدولي داخل المسابقة الى جانب أعمال من اريك رومير وثيو أنجيلوبولوس وكن لوتش. والى هذا المشروع جلب المخرج الذي لم يقف وراء الكاميرا لإنجاز فيلم روائي طويل من قبل موهبة الممثل روبين ويليامز والممثلة ميرا سورفينو. جمعهما معاً في فيلم داكن في ايحاءاته يتخيّل مستقبلاً هو، كما الحال في أفضل أفلام الخيال - العلمي، ينبئ بمستقبل غير مضيء، مهزوز، بل كارثي ايضاً. هذا ثاني جهد لبناني يصل الى مسابقة دولية في مهرجان عالمي خلال إثني عشر شهراً، لكنه على عكس "طائرة من ورق" لرندة الشهال صبّاغ، لم يخرج من المسابقة التي اشترك فيها بجائزة ما، ولو أن هذا كان - الى حد كبير - متوقعاً. الأفلام الفائزة، وفي مقدمها "صِدام" لفاتح أكين الذي فاز بجائزة الدب الذهبي كما بجائزة إتحاد النقاد الدوليين، بلورت مفهوماً جدلياً مع الكاميرا والموضوع اختار نعيم الإبتعاد عنه صوب اتجاهات بعيدة تلتقي وما بثته السينما الأميركية من أفلام مستقبلية داكنة مثل "بسوليانت غرينا" و"بوستووورلدا" و"ببذرة الشيطان". وبذلك ابتعد الفيلم ايضا عن أوجاع المنطقة ومشكلاتها صانعاً فيلماً يتوجه عن سابق عمد وإصرار الى الجمهور الباحث عن ترفيه ذكي. حساسية المخرج القادم من هذه المنطقة العربية من العالم تلحق به وتستشف من المشاهد المتوالية نوعاً من التأكيد أن الغربة بأسرها مصطنعة. وفي الوقت نفسه الذي يقدم نعيم الشخصية الرئيسية اميركية، ينشر حولها عدداً من الشخصيات الملوّنة او العرقية: هناك ذوو الملامح الشرق آسيوية، وهناك آخرون سود وهناك عربي أسمه حسن. قصة "النسخة الأخيرة" فيها منحى من روايات مايكل كريتون "وستوورلد"، "كوما" مع موسيقى تذكر ب"2001 - أوديسا الفضاء" كتبها برايان تايلر. وتصوير موحٍ واضح في استلهامه الحس الذي تلقفناه من م. نايت شاملان في فيلميه "الحاسة السادسة" و"غير قابل للكسر". وهذا ليس غريباً تماماً اذ صور "النسخة الأخيرة" تاك فوجيموتو الذي صوّر الفيلمين المذكورين. نحن في مدينة أميركية تتآكل في المستقبل القريب واقعة بين تقدم العلم لمنحى لا يخدم الإنسانية ومتضررين مناوئين لهذا التقدم. د. هاكمان روبين ويليامز واحد من الأدمغة الكبيرة التي تحسن - على حد ما تصفها به إحدى شخصيات الفيلم "تحويل الأكاذيب الى حسنات". يأخذ حياة فرد ما المصوّرة بواسطة جهاز يزرع فيه دماغه قبل ولادته، ويعيد مونتاجها بحيث يلغي سيئاتها ويقدمها مثل باقة جميلة خالدة، كل ما يحيط به زائف. هو يعلم ذلك ويحاول في نهاية الفيلم، وبعد بناء جو إثاري متزن، الخلاص انما ليس قبل أن ينشد آخرون قتله. الفيلم اذ يبني قصته على شخصية رجل هو من عماد نظام شرير يتخذ التقدم العلمي وسيلة لتزييف التاريخ بحذف السيئات كل الشخصيات تخلد أبداً يمعن في رحلته وصولاً الى اكتشاف الرجل انه بحاجة الى التراجع عما يقدم عليه اذا ما أراد استعادة لحظات حبه للحياة ذاتها. مع اعتماد إسم هاكمان وبوحي من القصة ذاتها، يرد في البال ايضاً فيلم "المحادثة" لفرنسيس فورد كوبولا عن خبير تنصّت يعمل لمصلحة مؤسسة تجسس ينفض من مهمته اذ يكتشف سوء ما يقوم به. بطل ذلك الفيلم كان جين هاكمان. كلاهما، شخصية د. هاكمان في "النسخة الأخيرة" وشخصية الممثل هاكمان في "المحادثة" كان أسمها هناك هاري كول تشتركان في الثواب المتأخّر الى الرشد. هاكمان/ ويليامز يدفع ثمناً فادحاً في النهاية وكول/ هاكمان يدفع ثمناً لا يقل فداحة. اللقطة الأخيرة من الفيلم لجين هاكمان وقد نزع بلاط شقته وهدم جدرانها بحثاً عن أجهزة التنصت التي يتخيّل وجودها، يمسك الساكسوفون ويعزف لحناً وجدانياً حزيناً كحاله. قبل هذا الفيلم أنجز عمر نعيم، وهو إبن الفنانة نضال الأشقر والاعلامي فؤاد نعيم، بضعة أفلام قصيرة بينها واحد بعنوان "المسرح الكبير: حكاية بيروت" الذي أعجب المنتج نك وبستر فساعده كثيراً في المراحل التي أدت الى إنجاز "النسخة الأخيرة". الشركات الأميركية التي درست احتمالات تمويل المشروع أرادت فيلماً هوليوودياً تقليدياً. شركة ليونز غيت التي تبنته وافقت على منح المخرج حرية اختيار اللون الدرامي والأسلوبي. روبين ويليامز كان في المقدمة والذي جعله المرشح الأول لبطولة الفيلم هو أن الممثل الكوميدي عادة كان انتقل الى الأدوار الدرامية في عدد من أعماله الحديثة آخرها "صورة في ساعة" حيث لعب، كما حاله هنا، شخصية رجل مضغوط ومكبوت. ويضيف عمر نعيم: "أردت ممثلاً يتوغل عاطفياً في هذا الدور وويليامز يفتح النافذة المطلوبة لجعل هذه الشخصية المتشابكة إنسانية كما لا يفعل اي ممثل آخر. في البداية اعترض اختيار ويليامز حقيقة أنه كان على أهبة الإنتقال الى براغ لمباشرة العمل في فيلم من اخراج تيري غيليام عنوانه "الأخوان غريم" لذلك اعترض المشروع الإختيار الصعب بين البحث عن ممثل آخر او انتظار روبين ويليامز ريثما ينتهي من الفيلم الذي ارتبط به. فجأة تهاوى فيلم غيليام بعدما انحسر غطاء الممولين عنه. للحال اتصل ويليامز وأعرب عن استعداده للبدء بالتصوير. في الفيلم ايضاً جيم كافيزل الذي كان انتهى من لعب دور السيد المسيح في "آلام المسيح" لميل غيبسون وقد اختير بعدما اتصل معرباً عن رغبته في تمثيل البطولة الثانية.