بصرف النظر عن كل ما ينسب الى الولاياتالمتحدة من سلبيات، تبقى تلك البلاد بالنسبة الى غالبية الشباب الجزائري بلد الاحلام الذي يستحسن في الظروف العالمية الراهنة التجول في شوارعه الضخمة ومدنه المترامية الاطراف بالريموت كنترول فقط. ذلك هو حال الكثير من الشباب الذين لا يتأخرون في كل مرة عن المشاركة في "التومبولا" الشهيرة التي تنظمها الولاياتالمتحدة الاميركية لشعوب العالم الثالث، وتمنح الفائزين فيها فرصة الاستقرار فوق اراضيها بشكل رسمي وشرعي. واذا كانت غالبية هؤلاء المشاركين في "لعبة العمر" لا تنتظر الفوز، ولا تتصور فكرة العيش هناك، فإنها تحاول ولا تيأس من المحاولة. هذا ما يقوله مروان 25 عاماً ويضيف: "اعلم ان حظوظي في الفوز ضئيلة جداً لكن المهم المشاركة. فأنا اعشق اميركا بكل ايجابياتها وسلبياتها، لأنها على الاقل تهتم بحاملي الشهادات وذوي الكفايات، عكس الدول المتخلفة التي تهدر اموالها في تعليم ابنائها، ثم تهملهم بعد تخرجهم من الجامعات. اضافة الى اننا هناك لن نعاني من البيروقراطية والعراقيل الادارية لأن كل شيء مضبوط وفق قوانين صارمة". الفكرة نفسها تشير اليها ايمان الطالبة في معهد التجارة الخارجية في العاصمة. وحتى لو كانت صاحبة التسعة عشر ربيعاً ترفض فكرة العيش خارج حدود وطنها، وخصوصاً في الولاياتالمتحدة، فإنها في المقابل تؤكد ان "مهما قلنا ان اميركا هي العدو الحقيقي للدول العربية والاسلامية، يجب ان نعترف جميعاً بأنها نجحت الى حد بعيد في كسب اعجابنا وانبهارنا بها طوال عقود. انها حقاً رمز الحضارة والتكنولوجيا والتقدم. واذا كنت ارفض العيش فيها، فلأنني لا احتمل نظرات الاحتقار او المعاملة السيئة التي قد ألقاها، لذلك اريد ان تبقى صورة اميركا في ذهني بيضاء، وتمثل ذلك البلد الساحر الذي اكتفي بمشاهدته من خلال افلام هوليوود. فانا اتخيل بأن كل الرجال يشبهون توم كروز، والنساء شبيهات جوليا روبرتس". منى شابة اخرى تعارض بشدة فكرة العيش في الدول الغربية عامة، وفي اميركا على وجه الخصوص. فهي فلسطينية الاصل منحتها السلطات الجزائرية جنسيتها قبل عام. تعترف منى بانبهارها الكبير بالانجازات الاميركية في مختلف المجالات، لكنها تعترف ايضاً بكرهها الشديد لها، فهي "العدو الاكبر للعرب والمسلمين، وهي حليف اسرائيل التي احتلت وطنها الاول، وشتت شعبها". وبلغة المثقف، يقول كمال عشو خريج معهد العلوم السياسية: "لا يجب الربط والخلط بين الادارة الاميركية والشعب الاميركي". ويضيف: "اذا تحدثنا عن الاولى فلن اجد حرجاً اذا قلت انها الغول الذي يسعى الى السيطرة على العالم. لكن اذا كان الحديث عن الشعب الاميركي او الحياة على الطريقة الاميركية فإنه يختلف كلياً. الجميع يعلم ان هذا الشعب خليط من الاجناس والديانات والمعتقدات، لا تهمه امور السياسة كثيراً، ولا يبحث الا عن الحياة السعيدة والمستقرة". واذا كان كمال يتفق مع من يصف اميركا ببلاد الاحلام، فإنه يرفض في المقابل العيش فوق ارضها، ويوضح: "لقد فتحنا اعيننا على افلام هوليوود بداية من عهد الوسترن الى الافلام الاجتماعية التي تحكي واقع الحياة بأميركا، وصولاً الى افلام علم الخيال التي تعكس التطور التكنولوجي الكبير الذي وصل اليه الاميركيون. لكن على رغم كل هذا فإنني لا اتقبل فكرة العيش هناك اطلاقاً، غير انني اتمنى زيارتها لاكتشاف سحرها من قرب". نظرة أمينة 26 عاماً لاميركا تختلف، وربما يعود السبب الى معرفتها الجيدة بهذا البلد الذي تزوره سنوياً. فهي من الشباب الجزائريين القلائل جداً الحاصلين على بطاقة اقامة اميركية، الامر الذي يجبرها على دخول الاراضي الاميركية سنوياً للحفاظ على بطاقتها. وعلى رغم انها محجبة غير انها تعترف بعدم تعرضها للمضايقات، وان لم تخف في المقابل انها تتعرض لنظرات حذر وخوف تشعر بها في عيون الاميركيين. وتقول: "سمحت لي زياراتي الثلاث لنيويورك وواشنطن بالتعرف الى عدد من الاصدقاء الاميركيين، كلهم في البداية ابدوا تخوفاً تجاهي، لكنني بعد وقت قصير نجحت في كسب احترامهم وصداقتهم، والشيء الذي لاحظته عندهم انهم يجهلون كل شيء عن ثقافتنا وطريقة حياتنا، اما الشيء الذي يعتقدونه جميعاً فهو ان المسلمين والعرب يؤيدون الارهاب ويحبون العنف والتطرف". وعلى رغم اختلاف مواقف ونظرات الشباب الجزائري تجاه اميركا، لجهة طريقة الحياة ونظرة مجتمعها للشعوب العربية والاسلامية، لا تزال الغالبية تعتبر اميركا بلد الاحلام الذي نجحت هوليوود بجدارة في تسويق صورة بيضاء عنه منذ عقود. لكن التطورات التي شهدها العالم لا سيما بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر، وحرب العراق الاخيرة، كانت من اهم الاسباب التي حطمت امال الحالمين بشق المحيط الاطلسي... بعضهم اصبح لا يثق في أي شيء يحمل العلامة الاميركية، وكانت حملة مقاطعة المنتجات الاميركية التي حققت نجاحاً نسبياً في البلاد خير مثال على ذلك. وفقدت الارض الاميركية بريقها بالنسبة الى كثيرين. فهم يعلمون ان مصيرهم هناك معرض للخطر في ظل استمرار الحملة الشرسة التي تقودها السلطات الامنية ضد المسلمين والعرب، وقد يكون هذا احد الاسباب التي تقف وراء خفض عدد المهاجرين الى اميركا خلال السنوات الثلاث الاخيرة بنسبة 25 في المئة بحسب مصادر رسمية جزائرية. في حين تبقى الهجرة الى القارة العجوز في الصدارة، لا سيما فرنسا التي تضم وحدها نحو 90 في المئة من المهاجرين الجزائريين، بينهم نحو 20 ألف شخص لا يملكون وثائق رسمية. وتأتي في المراتب اللاحقة اسبانيا وايطاليا وبريطانيا التي يعتبرها الشباب بديلاً لأميركا فتجدهم يقولون: "يا ربي العزيز اعطيني شكارة دوفيز وفيزا إلى الإنجليز"، ما معناه "ياربي العزيز اعطني كيساً من العملة الصعبة، وتأشيرة إلى بريطانيا".