هذه هي التسمية التي أطلقها الرئيس بوش وجماعته على المشروع الأميركي لإصلاح المنطقة التي تقطن في أحد أحيائها والذي سيعرضه على قمة الپ8 في مؤتمرها في الولاياتالمتحدة في حزيران يونيو المقبل بقصد تكوين شراكة تقوم بتنفيذه. وبما أن الجماعة الأوروبية ليست بأقل من صديقتها اللدود أميركا فقد تقدمت هي الأخرى بمشروع الشرق الأوسط الأوسع على لسان وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر. يعني المريض الذي يريدون علاجه هو منطقتنا الكبيرة على رأي الأميركان. أو الواسعة على رأي الأوروبيين، والتي تشمل كل البلاد العربية يضاف إليها تركياوأفغانستان وباكستان وإيران وإسرائيل. وكما نرى فإن المناطق الجغرافية مطاطة يمكن توسيعها أو تضييقها حسب مقاس الاتجاهات السياسية القوية. وتصوروا معي كيف أمكن لموريتانيا والمغرب الأقصى أن يكونا جغرافياً في الشرق الأوسط! ولكن هل هناك من يعترض؟ فالفرض مرضي كما تقول. فالساحة الجغرافية التي يتحدث عنها المشروع تترجم سياسياً أن يصبح العرب أقلية، الأمر الذي يضيف نقطة مهمة لإسرائيل، ولكن من خطط لذلك فهي أن الساحة أصبحت إسلامية والمسلمون أكثر تحيزاً للفلسطينيين وللأرض المقدسة ولأولى القبلتين من العرب وإن أرادوا التأكد من ذلك فليسألوا أي إيراني أو تركي أو أفغاني ليعرفوا صدق ما نقول. ولكن لماذا يهتم الأطباء بهذا المريض بالذات من دون مرضى العالم وما أكثرهم؟! يقول الأطباء إن حالته المرضية معدية "تهدد المصالح الوطنية لكل أعضاء مجموعة الپ8 إذ طالما تزايد عدد الأفراد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة كلما زاد التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة". ولكي يعزز الأطباء مصداقيتهم قدموا إحصاءات مروعة منقولة من تقريري الأممالمتحدة حول التنمية البشرية العربية للعامين 2002 - 2003 والذي وضعه علماء عرب.. بعض الإحصاءات سيبلغ معدل البطالة في المنطقة 25 مليون نسمة العام 2010، يعيش ثلث السكان على أقل من دولارين يومياً، 6،1 في المئة يمكنهم استخدام الانترنت، 5،3 في المئة فقط من النساء يشغلون المقاعد البرلمانية، 51 في المئة من الشبان عبروا عن رغبتهم في الهجرة، البلاد العربية أقل مناطق العالم تمتعاً بالحرية، الصحف العربية ذات نوعية رديئة وبرامج التلفزيون أغلبها حكومية ورديئة، أيضاً تعاني المنطقة من الفجوة المعرفية ونزف الأدمغة، نتاج البلاد العربية من الكتب 1،1 في المئة من الانتاج العالمي 15 في المئة منها كتب دينية، ربع خريجي الجامعات يهاجرون إلى الخارج. وإذا تأملنا بموضوعية الصورة نجدها مقلقة خصوصاً أن العلماء العرب الذين أعدوا التقرير توخوا الحقيقة ولم يترددوا في كشفها رغم بشاعتها. وفي تقديري أن المشاريع الأخرى التي تجهز في المطابخ الداخلية حالياً على نار هادئة ستضيف إلى ما نشر حتى الآن وهو ليس غريباً عن الأسماع. فأغلب ما ذكر يتردد بين الناس في الشوارع والمنتديات والمجالس الخاصة وفي كل مكان ومن قديم الزمان مما يعد وثيقة إدانة لأغلب أصحاب القرار في المنطقة الكبيرة الواسعة وفشل ذريع للنظم السياسية وعدم رغبتها في الإصلاح ما أعطى الفرصة لجورج بوش وفيشر وغيرهما للتقدم لأداء المهمة ولا حول ولا قوة إلا بالله. وليس معنى أن يتحدث الأميركيون أو الأوروبيون عن الديموقراطية والمعرفة وحقوق المرأة رفض ما يقولون رغم أن بعض أصحاب القرار قد يتخذون ذلك ذريعة لإبقاء الحال على ما هو عليه، الأمر الذي نرجو ألا يكون، لأن الوضع يحتاج إلى مواجهة عاجلة وصادقة وحازمة. ولا نريد أن نكرر تفاصيل ما نشر عن بعض هذه المشاريع إلا أن هناك نقطة تلاقي عامة بين المشروعين الأميركي والأوروبي في أن التهديد المشترك الذي يواجههما هو الإرهاب الجهادي وارتباطه بظاهرة الحكم الشمولي والسلطوية في المنطقة. ولكن المشروع الأوروبي ينص على ما أهمله المشروع الأميركي من أن حل القضية الفلسطينية شرط أساسي لاستقرار المنطقة بحيث لا يستخدم عدم حلها كتبرير استمرار الوضع الراهن. وبالرغم من ظاهرة الالتقاء العامة بين المشروعين إلا أن أوروبا تشك عن حق في نيات الولاياتالمتحدة الحقيقية. فإذا كانت واشنطن جادة في مشروعها الديموقراطي لما تلكأت في حل النزاع العربي - الإسرائيلي الذي من دونه لن يتحقق استقرار في المنطقة، وكذلك فإن أوروبا تشك عن حق في أن الولاياتالمتحدة سوف تغير المنطقة من حديقة جغرافية خلفية لها إلى حديقة عسكرية سياسية أميركية تحاصرها من كل جانب وبذلك تحكم قبضتها على أوراسيا برمتها. وعلى أي حال فالجماعة الأوروبية سوف لا تعترض كثيراً على المشروع الأميركي في اجتماع قمة الپ8 الذي سيعقد في جورجيا في الولاياتالمتحدة بعد شهور قليلة. فمازالت أوروبا دون مشروع يناطح المشاريع الأميركية ومازالت أوروبا تعاني من الفجوة الكبيرة بين ما تقوله في قضايا العالم وبين ما تقدر على تنفيذه في واقع الحال، خصوصاً أن قوتها المستقلة عن الناتو ما زالت في أول مراحل البناء في مواجهة حلف الاطلنطي الذي تقوده فعلاً الولاياتالمتحدة الأميركية والذي تعددت اختصاصاته من مجرد الدفاع عن حدود أعضائه إلى الدفاع عن مصالحهم في أي بقعة في العالم كما يحدث الآن في أفغانستان وكما سيحدث في الشرق الأوسط الكبير. وما يهمنا من كل هذه العواصف هو: كيف نتعامل معها خصوصاً المشروع الأميركي؟ بداية لقد لدغنا من الجحر الأميركي أكثر من مئة مرة فهي تقول شيئاً وتفعل أشياء أخرى ومشروعها هذا يفتقد إلى الصدقية. فهو يخاطب أولاً وآخراً الرأي العام الأميركي وقد قرب موعد انتخابات الرئاسة في تشرين الثاني نوفمبر المقبل، وهو يغطي على عدم حسم الموقف الأميركي في أفغانستانوالعراق، وهو غير مقبول أصلاً من الرأي العام في منطقة الشرق الأوسط الكبير أو الواسع لأن شعوبنا ترفض أي اصلاحات مستوردة وتشك في نيات أصحابها خصوصاً إذا تجاهل الرئيس بوش حقوقنا التاريخية في فلسطين والقدس وتحتل قواته العراق. ومع ذلك فإن تجاهل ما أورده المشروع من نقائص فينا وفي نظمنا وأحوالنا هو خطأ لا يجوز أن نقع فيه. فالعيوب فينا كثيرة متعددة وعلينا أن نتصدى لها لعلاجها وكذلك فإن رفض المشروع مباشرة بعيد عن الحصافة والحكمة والحل هو إتباع استراتيجية الاقتراب غير المباشر The Indirect pproach، الأمر الذي تنفذه إسرائيل في كل قضاياها فماذا تفعل إسرائيل؟ حينما عرض الرئيس بوش "خريطة الطريق" وافقت إسرائيل علناً وهي ترفضه في حقيقة الأمر ثم بعد فترة تقدمت بعشرين تعديل على "خريطة الطريق" لتغرق الحليف الأميركي في التفاصيل ثم أعدت مشروع فك الارتباط من جانب واحد يتضن الآتي: إخلاء 17 مستعمرة في الضفة وكل المستعمرات في قطاع غزة، تطالب بتعويضات للمستعمرين اليهود، موافقة واشنطن على التعديل الأخير في مسيرة الجدار، موافقة واشنطن على حق إسرائيل في إجراءات عسكرية إذا استمر الهجوم عليها، بعد موافقة واشنطن على خطة الانسحاب والتعهدات والتعويضات يجمد المشروع حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية في أميركا، إطلاع الشعب الإسرائيلي على تفاصيل المشروع، استفتاء على المشروع، إذا كانت الإجابة نعم يعرض على الكنيست لإصدار التشريع اللازم. وهنا يكون الملك مات، وجحا مات، والحمار مات. أقصد من ذلك: * ألا نعترض على المشروع بعد أن قدم لنا وأن ننتقده موضوعياً دون تجاهله. * نبدي ملاحظاتنا عليه بأوراق رسمية ترسل إلى أميركا والجماعة الأوروبية. * يصدر عن الجامعة العربية في مؤتمر القمة إذا عقد أواخر آذار مارس في تونس خطة عربية موحدة موجهة إلى الرأي العام العربي لبرنامج اصلاحات جاد ومدروس تماماً يكون هو الأساس للعمل والحوار إذا أرادوا فنحن في عصر المشروع والمشروع المضاد. * يكون برنامج العمل متزناً لا يميل تنفيذه إلى سرعة تتجاوز قدرتنا ولا إلى بطء يشكك في جديته فخير الأمور الوسط. * تجنب ما يريد البعض أن يورطنا فيه مثل ما يردده بعض أقطاب جماعة المحافظين بخلق صراع بين الولاياتالمتحدة والعالم العربي والإسلام مثل الصراع الذي خاضته أميركا أيام الحرب الباردة مع الشيوعية. هذا الإجراء يعرقل المشاريع الخارجية ويغرقها في ملاحظاتنا وفي الوقت نفسه يقدم مشروعاً نابعاً من ذاتنا يجمع بين التحديث او التمسك بالجذور فأهل مكة أدرى بشعبها. ما جاء في البيان المشترك المصري والسعودي بعد انتهاء زيارة الرئيس مبارك إلى السعودية واجتماعه بالملك فهد يعبر بطريقة دقيقة عن موقف عربي حازم "أكد الزعماء أن الدول العربية تمضي على طريق التنمية الإصلاح والتحديث بما يتفق مع مصالح شعوبها ووقتها وتلبية احتياجاتها وخصوصياتها وهويتها العربية وعدم قبولها فرض نمط إصلاحي بعينه على الدول العربية والإسلامية من الخارج وأن الاهتمام بتحقيق الاستقرار في المنطقة يستلزم ايجاد حلول عادلة ومنصفة لقضايا الأمة العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وقضية العراق، كما اتفق الزعماء على موقف مشترك بالنسبة لإصلاح الموقف العربي لطرحه في الاجتماع المقبل لوزراء خارجية الدول العربية في القاهرة". كلام مضبوط وحاسم يزيده صدقية وثقلاً التنفيذ الجاد لأن الشعوب العربية والاسلامية طال انتظارها وأصبحت متلهفة على اصلاحات هي جديرة بها لأن الموقف أصبح لا يتحمل اللعب بأزماتنا، ومن يدري؟! فلعل الآمال تصبح واقعاً فالله على كل شيء قدير. * كاتب وزير دفاع مصري سابق.