على العراق الجديد ان يبدأ بداية صحيحة. حقوق المواطنة هي المنطلق الاكثر صلاحية لبناء عراق دستوري قائم على المنطلقات الحقوقية وليس المواقف السياسية والايديولوجية. ومن هنا السؤال: لماذا نخاف ان نسترجع مواطنينا اليهود؟ ربما يتفرد العراق بكونه بلدا يضم اتباع الاديان السماوية الثلاثة الكبرى، فيما يضم اتباع ديانات ومذاهب اخرى. وشكل اليهود، عبر تاريخ العراق القديم، عاملا من عوامل المجتمع التعددي والمتنوع المعارف والخبرات. واذا كان العراق الجديد يريد تجاوز مآسي العقود الخمسة الاخيرة التي فشلت في تشكيل عراق قائم على التسلط القومي والتفرد المذهبي واستخدام القرارات التعسفية لتطهيره عرقياً ودينياً، فعليه ان يعترف قانونا بجميع مكوناته التاريخية وعناصره البشرية. لقد نزح عشرات الآلاف من المسيحيين العراقيين منذ مطلع السبعينات واكتسبوا جنسيات أميركية وأوروبية. صحيح انه لم يكن هناك قانون، كما حدث لليهود العراقيين والاكراد الفيلية وقطاعات من الشيعة، يطرد المسيحيين، لكنهم احسوا بالتمييز الديني والتهميش والاهمال مما جعلهم يهيئون انفسهم لهجرة ربما فكروا انها نهائية. لكن اليهود العراقيين تعرضوا لطرد منظم. ومن حق الجميع ان يعودوا ويستردوا حقوق مواطنتهم العراقية بمن فيهم اليهود العراقيون الذين هجروا بطرق سرية وعلنية ثم بقانون صدر عام 1952 يسقط عنهم الجنسية. هناك تعسف شمل عدداً من القطاعات الدينية والقومية والمذهبية يريد العراق الجديد ان يلغي نتائجه السلبية التي طالت الملايين، فلماذا استثناء يهود العراق من ذلك؟ وبمراجعة تاريخية ومعاصرة يمكن التعرف في شكل ملموس على دور اليهود العراقيين في وطنهم. فحين اسقط كورش الفارسي بابل سمح لليهود بالعودة الى القدس بعد سبعين سنة من توطنهم في العراق بعدما اجلاهم نبوخذ نصر عام 586 قبل الميلاد من بيت المقدس الى بابل. غير ان الافاً منهم فضلوا البقاء في العراق. هكذا تكيف اليهود في المواطنة العراقية. ظهر نبيهم حزقيال المعروف بذي الكفل في بابل ويزور قبره المسلمون واليهود في المدينة المسماة باسمه الى اليوم. وفي العراق جمع عزرا اسفار التوراة، ومات في العراق، وقبره في مدينة العزير جنوبالعراق يرعاه المسلمون واليهود معا. كما ان التلمود البابلي يعتبر الاكثر صحة من التلمود المقدسي، وكان جزء من جهود المدارس اليهودية التي أسست في جنوبالعراق منذ القرن الثاني للميلاد، كما أسست معابد وبنيت مراقد يهودية كحال قبر النبي ناحوم في قرية القوش المجاورة للموصل او يوشع الكاهن في الكرخ. وسيكون من الافاضة تعداد دور اليهود العراقيين سواء قبل الاسلام او في العصر العباسي او العثماني او العصر الحديث، فهذا الدور واضح الدلالة: اليهود العراقيون مواطنون منذ اكثر من 2500 سنة ولهم حق استعادة الجنسية العراقية. يخشى عدد من اعضاء مجلس الحكم اصدار قانون استعادة الجنسية ليهود العراق الذي هجروا او هاجروا بعد قيام اسرائيل منذ نهاية الاربعينات حيث اعدم نظام البعث بعض اليهود عام 1969 في ساحة التحرير بتهمة التجسس في عرض عام دشن عهد الارهاب الذي دفع عددا من يهود العراق الى الهجرة ومنهم الاديب ورئيس الطائفة الموسوية في العراق سابقا السيد مير بصري. واذا كانت المواطنة لا تميز بين الاديان والمذاهب والقوميات فان يهود العراق المهاجرين هم مواطنون عراقيون لهم الحق في استعادة جنسيتهم المسقطة عنهم كسائر الذين عادوا او سيعودون من المسلمين والمسيحيين والعرب والاكراد والتركمان والسنة والشيعة وكل مواطن عراقي ولد لابوين عراقيين او لاب عراقي في الداخل والخارج. وهذا مبدأ لا يخص المخاوف السياسية ولا المنطلقات الايديولوجية، ولا نيات البعض في المستقبل. كما لا يتعلق بالموقف من اسرائيل او الاعتراف بها او عدمه. المبدأ يجب ان يشمل الجميع بمن فيهم اليهود. اما الخروج على القانون، الذي يتحجج به البعض، كأن يكون ولاء هؤلاء لاسرائيل او يعمل بعضهم لها امنيا، فهي نيات غير قانونية أو حقوقية اولا. ثم ان اسرائيل نفسها تجد بين مواطنيها من يخرق قانونها وامنها، كما يحدث هذا في اميركا وفرنسا وكل دول العالم. فهل يحق لهذه الدول سحب جنسية من تشك ان نياته؟ ساهم عدد من يهود العراق في بناء الدولة عام 1921، وكان اول وزير مال عراقي يهوديا، وانور شاؤول من رواد القصة العراقية، واشهر دور الصرف في بغداد العباسية تدار من قبل اسر يهودية، وبعد تأسيس الحكم الملكي في العراق كان هناك قضاة ومحامون وصحافيون وتجار اعضاء في غرفة التجارة ورؤساء بنوك واحبار كبار ومعلمون وحقوقيون وشعراء وادباء ولغويون يعدون بالمئات يزاولون اعمالا رسمية ومدنية، وكانوا جزءا من الثروة الوطنية العراقية الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، فكيف نحرمهم من استعادة هويتهم العراقية التي ولدوا وتربوا في اطارها واضطروا للخروج منها تعسفا فيما غالبيتهم لا تزال ترفض التخلي عن هذه الهوية الوطنية؟ اقر مجلس الحكم ازدواجية الجنسية، وهذا ينطبق على يهود العراق كما ينطبق على غيرهم. وستكون الخشية من بعض الافراد او بعض المحاذير مبررة بعد صدور قانون يسمح باستعادة اليهود العراقيين لجنسيتهم، لا ان تكون هذه الخشية انتهاكا لحق المواطنة. ولا ينبغي ربط هذا الحق باسرائيل وسياستها. كما لا يمكن التشكيك في ولاء المواطن مسبقا اذا كنا نريد ارساء حكم دستوري يسود فيه القانون. ولكل مواطن عراقي الحق في استعادة جنسيته او التخلي عنها. والفرصة مواتية الان للعراق كي يستعيد مواطنيه، وللعراقيين ان يستعيدوا وطنهم ومواطنتهم. * كاتب عراقي.