تحققت مخاوف السلطات البريطانية من أن يفشي العائدون من غوانتانامو حقيقة ما يحصل في المعتقل، إذ لم يكترثوا للتهديدات التي أطلقت عن عزم الحكومة على إسكاتهم، وبدأوا إذاعة رواياتهم التي يتوقع أن توتر العلاقات مع أميركا، خصوصاً بعدما أعلنت الشرطة البريطانية أنها لن تعاود احتجازهم أو استجوابهم "لعدم وجود أدلة كفاية لإدانتهم". نشرت صحيفتا "ديلي ميرور"و"ذا غارديان" أمس، مقابلة مع جمال الدين حارث اسمه الأصلي رونالد فيدلر، قال فيها إن الأميركيين وجهوا باستمرار إهانات إلى المعتقلين المسلمين المتدينين عبر إدخال بائعات هوى إلى مركز الاعتقال ودفعهن إلى التعري أمام السجناء لاختيارهم. وقال إن "هذا الأمر حدث نحو عشر مرات أمام شبان معروفين بتدينهم. وهي تجربة تسبب اضطرابات عميقة لهؤلاء الذين كانوا يرفضون الحديث عما يجرى ويحتاجون إلى أربعة أسابيع في بعض الأحيان ليسرّوا بالأمر إلى صديق". وعن ظروف المعيشة في غوانتانامو، قال حارث: "الاستجمام كان يعني حل وثاق قدميك والسماح لك بالسير على ممر مكسو بالحصى"، مضيفاً: "ظروف الحياة كانت صعبة والأحوال هناك غير إنسانية على الإطلاق، حتى الحيوانات تحظى في المعتقل بمعاملة أفضل". ولفت إلى أن "الجنود الأميركيين الذين يحرسون المعتقل كانوا يقولون لنا إننا لا نتمتع بحقوق في هذا المكان. وتوقفنا بعد فترة عن المطالبة بحقوق الإنسان وكنا نريد حقوق الحيوان". ومضى قائلاً: "في معسكر إكس راي كان القفص الذي احتجزت فيه في جوار قفص كلب. وكان للكلب منزل خشبي مزود جهازاً لتكييف الهواء وعشب أخضر لمزاولة الرياضة عليه. وقلت للحراس إنني أطالب بحقوق هذا الكلب، وردوا بقولهم: هذا الكلب عضو في جيش الولاياتالمتحدة". ونقلت "ديلي ميرور" عن حارث قوله إن الهدف الرئيسي من غوانتانامو هو إنهاك السجين نفسياً، علماً أن "الضرب لم يكن في سوء التعذيب النفسي، فالكدمات تشفى بعد أسبوع فيما تبقى الآثار الأخرى". وأوضح حارث أنه كان يتعرض للهجوم باللكمات والأقدام والضرب على الركبة والهراوات بعد أن رفض حقنه بمادة غامضة. وقال للصحيفة: "أحدهم هاجمني بشدة مخلفاً علامة حمراء من العمود الفقري وحتى أسفل الركبة. اعتقدت أنني أنزف لكن في الحقيقة كانت كدمات". وأكد أنه دخل أفغانستان من باب الخطأ معتقداً أنه في طريقه إلى تركيا. واعتقل لمزاعم بتورطه في أعمال تجسس. كما أشار إلى أنه ذهب إلى باكستان لدراسة الثقافة الإسلامية في تشرين الأول أكتوبر 2001، اي بعد أسابيع من وقوع هجمات 11 أيلول سبتمبر. وكان حارث نقل جواً من كوبا إلى بريطانيا الثلثاء الماضي، برفقة شفيق رسول 26 عاماً وآصف إقبال 20 عاماً ورحال أحمد 22 عاماً وجميعهم من تيبتون وسط، وطارق درغول 26 عاماً من شرق لندن. وأخلي سبيل حارث بعد ساعات، فيما أطلق الآخرون في اليوم التالي مباشرة بعدما استجوبهم ضباط مكافحة الإرهاب البريطانيون. وما زال أربعة بريطانيين آخرين في غوانتانامو. ويرجح أن يمثلوا أمام القضاء، على رغم أن الحكومة البريطانية أعربت عن مخاوفها من احتمالات مثولهم أمام محكمة عسكرية واستمرار سعيها لاستردادهم. "لا اتهامات أو إعادة اعتقال" ولا يتوقع توجيه اتهامات إلى أي من الخمسة في بريطانيا. وقال المدعي العام كين ماكدونالد إن "لحظات اجتماع المفرج عنهم مع عائلاتهم كانت معبرة جداً وعاطفية، ولا نية لمعاودة استجوابهم"، وأشار إلى أن المعلومات التي أعطتها السلطات الأميركية إلى بريطانيا، لا تشكل أدلة كافية لفتح تحقيق قضائي بحقهم. كما أكد الناطق باسم الشرطة البريطانية جون ستيفنز أن قرار توقيفهم لدى وصولهم إلى البلاد كان نتيجة انعكاسات سياسية، وكانت لنا استشارات قانونية بشأن اعتقالهم. ثم قال: "كان إجراء نعتبره ضرورياً لذلك اتخذناه. فأسباب الاعتقال كانت منطقية، وقد تعاملنا معهم كما مع أي كان في ظروف مماثلة". غير أن روبرت ليزر محامي جمال الدين حارث قال إن المقابلة التي أجرتها الشرطة معه "لم تكن توقيفاً وإنما كانت اعتقالاً، وهو إجراء لا معنى له". أما غاريث بيرس محامي رسول وإقبال، فقال من جهته: "لم يكن ملائماً لأي منهما أن يشعر بضرورة الإجابة عن الأسئلة نفسها التي أجابوا عنها في السابق". واعتبر أن توقيفهم "كان غير قانوني".