في عاصمة الموضة التي تتلبد سماؤها في معظم ايام السنة بالغيوم، جاء المصمم الفرنسي جان شارل دو كاستيلباجاك ليرسم بالالوان. في عرض ازيائه الاخير للملابس الجاهزة لربيع وصيف 2004 اكد هويته الملونة وقدَّم مجموعة ازياء فتية، ذات الوان شبه كهربائية. رسم فيها كاستيلباجاك اطيافاً تستمد جذورها من اصالة الماضي بينما تمد يدها الى ابتكارية المستقبل. التقت "الحياة" المصمم الفرنسي بمناسبة اطلاقه لعطره الجديد الذي يتميز كأزيائه بالعصرية والحداثة بالطاقة والألوان. التمرد على التقاليد في بداية حديثه ذكر المصمم انه انجذب الى عالم الموضة في سن السابعة عشرة، إذ ان والدته كانت تملك مصنعاً للملابس، في حين كان يفضل ان يصبح ممثلاً او مغنياً في فرقة "روك". وأول زي صممه دل على رغبته في التمرد على التقاليد وكسر القيود. وقد حول غطاء سريره في المدرسة الداخلية معطفاً. ويعتقد دو كاستيلباجاك ان هناك فترة من حياته لم يعشها كما كان يرغب، لذلك تأتي موضته كمتنفس خيالي لترجمة احاسيسه إضافة الى امور طبعته في الادب والفن. وعن شعوره بأنه يسبح عكس التيار، هو الذي يستعمل الالوان الصارخة في تصاميمه طيلة السنة في بلد غائم كفرنسا، يقول دو كاستيلباجاك: "طبعاً انا اشعر انني اسبح عكس التيار، لكن النور والضوء يرافقانني منذ صغري، فأنا رأيت النور في مدينة الدار البيضاء في المغرب ووالدتي تدعى جان - بيضاء وجدتي تدعى بيضاء. اذاً، كنت محاطاً باللون الابيض دائماً، والابيض هو طيف كل الالوان. لقد اعتبرت اللون منذ البداية لغة تسمح لي بالتعبير عن نفسي وهالة تحميني من الرمادية المحيطة بنا. وعندما بدأت استعمال الالوان في ازيائي اتهمت بالذوق السيئ، لكننا وصلنا اليوم الى مرحلة نجد فيها اللون اساسياً لأنه يغير حياتنا، فالمهندسون يختارون الواناً قوية لطلاء مبانيهم. اذاً، الميل للون اصبح قوياً وبارزاً، لأنه في النهاية نوع من العلاج النفسي. لا يشعر بالندم وعن تقليد عدد من المصممين لأسلوبه يقول دو كاستيلباجاك انه يشعر بالسعادة عندما يقلّد بشكل جيد وابتكاري، فهو يشعر للمرة الأولى في حياته انه ليس متأخراً ولا مبكراً، يشعر انه مقلد ويعيش في عصره. وإذا كان قد شعر بالحزن حينما اطلقت دار ديور الزي العسكري وعرف نجاحاً كبيراً بينما فشل عندما اطلقه هو قبل سنين، يقول انه فهم اليوم أن "ليس هناك من عمل ابتكاري ناجح لا ترافقه عملية ترويجية، مضيفاً انه في الماضي كان يحتقر هذا المبدأ لأنه كان يصر على موقعه كفنان صاحب رؤية فنية، يكتب على الملابس، يلون ويغير الاقمشة، يصمم مصابيح ملونة الخ... كل ما كان يفعله كان "ثوروياً"، فهو اول من فكر بطبع الرسومات الشخصية على الفساتين كبورتريه "جاكلين كينيدي" وغيرها، وهو لا يشعر بالندم الذي، بحسب ما قال، يؤدي الى الشعور بالمرارة والمرارة لا ينصح بها لا للقلب ولا للروح. وهو يعتقد بأن هذا قدره باعتباره فناناً يخلق تصوراً معيناً وعالماً خاصاً اكثر منه فنان يبتكر موضة معينة. وتجدر الاشارة الى انه اذا ما استجوبنا الفرنسيين الذين يعرفون المصمم... وطرحنا اسئلة حول عالمه، يجيب تسعون في المئة منهم بالكلمات الآتية: "ألوان"، "فرح"، "حب الحياة". ويتابع دو كاستيلباجاك: "اليوم امر بمرحلة احاول فيها تهدئة ابتكارتي وأقوم فقط بتحليل عملي الذي نفذته في الثلاثين سنة الماضية". عالم الطفولة العفوية ولدى سؤاله عما اذا كان يعرف من هي المرأة التي تتبع موضته وترتدي ازياءه اليوم، يقول: "في الحقيقة ليس لدي صورة في رأسي لامرأة معينة، ربما هي "سارة جيسيكا باركر" الممثلة الاميركية التي تلعب دور البطولة في مسلسل Sex and The City لأنني اعرف انها تضع عطري وترتدي ازيائي. هناك ايضاً خطيبتي ماريفا غلانتير وهي ملكة جمال فرنسا السابقة، إضافة الى انني استطيع ايضاً ان احدثك عن صورة امرأة طبعت في رأسي اثناء تنزهي في احد الايام على الشاطئ حيث رأيت الاديبة مارغريت دوراس، هذه المرأة قصيرة القامة - والذكية جداً - ترتدي احد معاطفي، اضافة الى فرح فاوست التي كنت اصمم ازياءها لمسلسل "ملائكة تشارلي". ان عالمي خاص جداً تميزه الاثارة، الحسية، الحرارة والالوان. انه عالم تلعب فيه الطفولة دوراً كبيراً، وهنا لا اعني الطفولة الساذجة، بل الطفولة العفوية والبريئة التي لم تجرحها بعد تقلبات حياة البالغ. ولأختم حديثي اصر على ان المرأة التي ترتدي ملابسي هي امرأة البلدان المشمسة والحارة، وهذه المرأة في رأيي مثيرة وأنثوية لأنها تتأثر بالحرارة والشمس ونمط الحياة، وهذا لا يمنع طبعاً ابتكاري لمعاطف حارة لامرأة البلدان الباردة". قوة الابتكار وللدخول اكثر الى عالم هذا الفنان والمصمم صاحب الرؤية المستقبلية التقينا رئيسة مجلس ادارة دار عطوره، كاترين دوفين وسألناها عن قصة عطر كاستيلباجاك فقالت: "لقد التقيت بالمصمم دو كاستيلباجاك بفضل صديق مشترك ويوم لقائنا خرجت من منزله قائلة انه يجب ان يبتكر عطره وهكذا كان". وعن التكامل بين عالمي الموضة والعطور تقول دوفين: "عطر كاستيلباجاك لا يرتكز فقط الى موضته بل الى شخصيته وعالمه ايضا. وعطر كاستيلباجاك يترجم رغبة المصمم في جعل كل ما يلمسه جميلاً وكاملاً، فالعطر هو اكثر من حالة نفسية او شعور معين او احساس لديه، انه كل طفولته وعندما نقبل الجزء الطفولي فينا نصبح بالغين كاملين وحقيقيين".