مهرجان الموضة البلجيكي الذي بدأ في أيار مايو الماضي وينتهي في 7 تشرين الأول اكتوبر المقبل مختلف في كلّ شيء، في أزيائه ومصمّميه وأسلوب العرض الغريب المعتمد فيه. أمّا زائره فعليه أن يتسلّح بالحذر، ولا يرتعب إن التقى أثناء تجواله رجلاً ضخم الجثّة حليق الرّأس يرتدي الزّي العسكري ويتجوّل عابساً حيناً وضاحكاً حيناً آخر لكنّه يبدو في الأحوال كلّها رجلاً مرعباً مع ذقنه الكثيفة والأقراط التي تتدلّى من أذنيه، هذا الرّجل هو العقل المدبّر وراء المهرجان، إنّه المصمّم البلجيكي والتر فان بيريندونك. على رغم تعمّده الظهور في هذا الشّكل المرعب لا سيّما في الصور التي تنشرها له الصّحافة، فإنّ والتر هو رجل طريف ضاحك وفناّن حقيقي يسعى دوماً الى الخلق والخروج عن المألوف. في العامين الأخيرين، وبعدما أنهى عقده مع "ماستنغ جينز" الماركة التي صنّعت له ثياباً تحمل ماركة "والت"، تحوّل والتر الى الإهتمام بتنظيم مهرجان الموضة العالمي في بلده بعدما جال به على مدن عدّة منها نيويورك، لندن، باريس وطوكيو. يعتبر والتر الذي يبلغ الأربعين من عمره بين المصمّمين الستّة الأوائل في بلجيكا الذين تخرّجوا من أكاديمية الموضة البلجيكية وعرضوا أعمالهم في لندن عام 1980 ولاقوا النّجاح الباهر والسّريع ورفعوا إسم بلجيكا عالياً في عالم الموضة الى جانب أسماء بريطانية ويابانية. واليوم تحوّلت أسماء مثل والتر، فان نوتن، وديك بيكمبيرغ نجوماً مهّدت الطريق العالمية لكثير من المصممين البلجيكيين الشباب أمثال أوليفيي زيسكن، فيرونيك برانكينهو، أف ديرفورست وسواهم. المهرجان الذي يقام في أنتريب يجنّد المدينة في أكملها حتى الشرطة، تزنّر الشوارع بالألوان وتوضع الشاشات الكبرى على السطوح، ويشارك في المهرجان ما يزيد على المئة مصمم من العالم منهم بول سميث، شارل دو كاستيلباجاك وسواهم. يتميّز المهرجان بديكوره حيث تندمج الغرابة مع الموضة. يقول والتر: "لا أحبّ أن أكون إنتقائياً أحبّ دمج الأشياء ببعضها بعضاً وحتى دمج الناس ببعضهم". بعض المصممين الذين لا يجمعهم شيء لا الزمن ولا الخطّ نفسه في الموضة، ظهروا سويّاً في عدد من التّجهيزات التي عرضت في المهرجان، منهم راي كاواكوبو وكوكو شانيل. "أردت أن أدمج سيّدتين يجمعهما شغف العمل نفسه" يشرح والتر ويضيف: "كانت كوكو شانيل في إطارها الزمني إمرأة مهمّة جداً تفاعلت مع عدد من المتغيّرات التي طبعت عصرها: تحرير الجسد، خلق مفهوم العطر والألبسة الجاهزة، وأعتقد أنّها هي من بدأ فعلياً في رسم خطوط الموضة، ثمّ جاءت راي كاواكوبو لتفعل الشيء ذاته لكن في الثمانينات، وراحت تعيد التّفكير وتبدأ من جديد ما شرعت به شانيل وأضافت الى الموضة شيئاً من التأثر والفكر". بعضهم يتعجّب من أسلوب والتر في العمل، وهو حوّل مهرجان الموضة متحفاً حقيقياً، أما هو فيقول: "إنه أسلوب تفكيري في العمل، أنا أشبه كائناً آتياً من مدينة غريبة في الفضاء الخارجي"! أسلوب عمله الغريب ينسحب أيضاً على محلّه الذي افتتحه منذ ثلاثة أعوام، وأطلق عليه إسم والتر. فيه يبيع أزياء لمصمّمين غيره إنكليز وبلجيكيين وفرنسيين. يقول: "أحبّ العمل في أشياء غير مألوفة وأودّ ألا يشبه محلّي محلاً عادياً. أحبّ العمل على مستويات مختلفة. صحيح انني مصمم أزياء لكنني لا أحبّ العمل على الثياب فقط بل أحبّ أن أبيع مفاهيم أيضاً". درّس والتر طوال الأعوام ال17 الماضية في مدينته مما ساعده على التجذّر فيها أكثر فأكثر. عروضه تتميز بالحياة الحقيقية، وأحد عروضه الباريسية حفل بمؤثرات مسرحية، وبأحصنة تتنقّل على البوديوم، وبأشخاص سمينين جدّاً أو نحيلين جدّاً، براقصين وراقصات من الطراز الغريب، وشاهد الجمهور عرضاً متكاملاً لا يتسلل اليه الملل لحظة واحدة. هكذا يحبّ والتر أن يثير جدالاً حوله، حتى أن شعار ماركته الجديد هو الجمال الإرهابي الذي اشتهر ب"التي شرت" العسكرية الألوان. "أنا ناقم على الموضة السائدة في العالم اليوم، لذا أحمل شيئاً من السخرية للموضة أحاول أن أضع قنابل صغيرة داخل عالم الموضة، لا أوافق الناس الذين يهتمون بالمصمم الذي يبيع أكثر، لا أحب الكلام المتواصل عن التسويق فيما ينسخ الناس تصاميم بعضهم بعضاً. ربّما لن ابدّل في نمط الموضة التجاري لكنني أشعر وكأنني غرينبيس الموضة في العالم"!