احتفلت أسواق المال الأميركية أمس، 11 آذار مارس، بذكرى "رالي ربيع 2003" الذي وضع نهاية لثلاثة اعوام كارثية عرضت سمعة"وول ستريت"لاختبار شديد القسوة وفضحت الكثير من الممارسات غير القانونية لقيادات بعض الشركات الأميركية وألحقت بالمستثمرين الأميركيين والدوليين خسائر اسطورية. الا أن غالبية مؤشرات الأسهم، لا سيما مؤشر أسهم شركات تقنية المعلومات،"ناسداك المجمع"أبت الا أن تستعيد شيئاً من ذكرياتها وبدت مرهقة نتيجة تراجع ثقة المستهلك واستمرار فشل الشركات في توفير الوظائف. حتى نهاية جلسة التداول ليوم الثلثاء 11 آذار من العام الماضي كانت مؤشرات الأسهم الأميركية لا تزال تعيش أسوأ أزماتها منذ"الانهيار الكبير"في نهاية العشرينات من القرن الماضي وكانت رفعت للتو خسائرها، منذ انفجار فقاعة التكنولوجيا في ربيع عام ألفين، الى 8.9 تريليون دولار الا أن اليوم التالي، أي قبل أيام قليلة من غزو العراق، شكل نقطة بداية لاندفاعة قوية استمرت حتى اليوم الأخير من العام وتمثل احد انجازاتها في تعويض 3.65 تريليون دولار 41 في المئة من خسائرها. وقاد"ناسداك"اندفاعة ربيع عام 2003 وأنهى العام بعدما ارتفع بنسبة 50 في المئة مقلصاً خسائره التاريخية من 75 الى 60 في المئة، ما أعاد بعض الحيوية الى أسهم شركات التكنولوجيا، أقله العدد القليل منها الذي لم يسحقه انهيار أسواق المال أو تغيبه الفضائح المحاسبية. ولم تكن المكاسب التي حققها المؤشران الرئيسيان الآخران متواضعة اذ ارتفع مؤشر"داو جونز"لعمالقة الشركات الصناعية بنسبة 25 في المئة وتقدم المؤشر العام"ستاندرد آند بورز 500"بنسبة 26 في المئة. حوافز بوش ويشير محللون الى أن أسواق المال راهنت على غزو العراق لكنها لم تكن لتحقق ما حققته من مكاسب لولا الحوافز غير المسبوقة التي وفرتها لها ادارة الرئيس جورج بوش ومهدت للانتعاش القوي الذي بدأه الاقتصاد الأميركي في الفصل الثالث وشملت، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، 230 بليون دولار بشكل خفوضات ضريبية وزيادة ضخمة في الانفاق الحكومي والأهم من ذلك كله خفض الفائدة القصيرة الأجل من 6.5 في المئة بداية عام ألفين الى واحد في المئة بحلول منتصف العام. ويتضح من تقارير معهد الاستثمار الأميركي ووزارة الخزانة أن"رالي ربيع 2003"نجح بقوة في اعادة الثقة الى المستثمرين الأميركيين ما أعاد الحياة الى صناعة المحافظ الاستثمارية التي تعرضت لسلسلة من الفضائح المثيرة، لكنها رفعت القيمة الاجمالية لاستثماراتها في الأسهم حصراً من 2.55 تريليون دولار في بداية الاندفاعة الى 3.8 تريليون دولار في نهاية العام. كذلك بلغ صافي تدفقات الاستثمارات الدولية الى الأسهم الأميركية في الفترة نفسها زهاء 42 بليون دولار. وعلى رغم تحذير غالبية المحللين من عملية تصحيح مبكرة تُعيد الى أسواق المال توازنها لم يفقد الرالي شيئاً من قوته طوال أسابيع عدة من السنة الجارية، اذ ارتفع مؤشر ناسداك بنسبة 7.5 في المئة وبلغت مكاسب كل من ستاندرد آند بورز 500 وداو جونز نحو 4 في المئة. والأهم من ذلك، حسب مكتب الدراسات الاقتصادية لمؤسسة ستاندرد أند بورز، أن اندفاعة وول ستريت حفزت أسواق المال الدولية. وأفاد المكتب في تقرير نشره أول من أمس بأن مؤشر ستاندرد آند بورز/ سيتي غروب بي ام آي العالمي ارتفع بنسبة 49.9 في المئة في الفترة من بداية آذار 2003 الى نهاية شباط فبراير الماضي. ويضم هذا المؤشر الحديث نسبياً 7500 شركة ويغطي 97 في المئة من القيمة السوقية الاجمالية للأسهم المتداولة في أسواق المال في كل مناطق العالم، ومن ضمنها الشرق الأوسط وأفريقيا الممثلة بعدد من الشركات المدرجة في أسواق المال في مصر والاردن وتونس والمغرب. الا أن المؤشر المذكور لفت الى أن أداء أسواق المال الأميركية تراجع بحدة في شباط الماضي خصوصا بالمقارنة مع أسواق المال الأوروبية بينما احتفظت أسواق المال الناشئة باستثناء مصر بأدائها القوي محققة مكاسب بنسبة 5.35 في المئة من قيمتها السوقية، وتقدمتها الأسواق الناشئة في أوروبا 9.31 في المئة والشرق الأوسط وأفريقيا 6 في المئة وآسيا والمحيط الهادئ 4.73 في المئة وأميركا الجنوبية 4.72 في المئة. ارهاق المؤشرات وبدأ تراجع أداء وول ستريت بظهور علامات ارهاق في مؤشر ناسداك أواخر الشهر الماضي ومع اقفال جلسة التداول ليوم أول من أمس كان المؤشر خسر كل المكاسب التي حققها منذ بداية السنة الجارية و1.4 في المئة من مكاسب العام الماضي، وانتقل الضعف الى مؤشر داو جونز الذي تكبد هو الآخر خسائر محترمة في حين انفرد مؤشر ستاندرد آند بورز بالاحتفاظ بمكاسب وان كانت هامشية. تراجع ثقة المستهلك وعزا محللون متاعب وول ستريت الى جملة من التطورات الجديدة أهمها تراجع ثقة المستهلك بسبب بطء نمو الدخل الفردي واستمرار فشل الشركات في توفير الوظائف علاوة على تسجيل العجز التجاري رقماً قياسياً جديداً في كانون الثاني يناير الماضي، وهي عوامل من شأنها أن تهدد آفاق الانتعاش الاقتصادي في حال تفاقمت في الفترة المقبلة، الا أن غالبية المحللين رأوا في خسائر المؤشرات مجرد بداية لعملية التصحيح المرتقبة.