لم يكن إعلان الحكومة السعودية تحويل رئاسة الطيران المدني إلى هيئة إعتبارية مستقلة مالياً وإدارياً مفاجأة بعدما شهدت هذا الإدارة المتخصصة منذ 51 عاماً تغيرات هيكلية، منذ أن كانت تابعة لسلاح الطيران الملكي وحتى انفصالها وتعديل مسماها من مصلحة إلى رئاسة وأخيراً إلى هيئة. أوضح رئيس الطيران المدني السعودي عبدالله نور رحيمي في بيان صحافي أن صدور القرار الجديد يتواكب مع توجهات الدولة لدعم القطاعات المنتجة وإعطاء المزيد من المرونة الإدارية والمالية والوظيفية التي تمكنها من أداء المسؤوليات المناطة بها، بحيث تتحول إلى هيئات لها هياكل مناسبة ووظائف ومعرفة وأساليب عمل تحقق الخدمات المطلوبة منها"بنهج عالي الأداء الاقتصادي في التكاليف"، لتحقق أخيراً عوائد مجزية تخفف من الأعباء على موازنة الدولة وتتعداها إلى تغطية تكاليف أعمالها. وكان مجلس الوزراء السعودي برئاسة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وافق أول من أمس على قرار بتحويل رئاسة الطيران المدني إلى هيئة مستقلة، تدير أعمالها وفق معايير تجارية وفق ضوابط معينة ويتم إخضاع جميع موظفيها لنظام العمل والعمال والتأمينات الإجتماعية. وشمل القرار تشكيل مجلس إدارة من ممثلين للأجهزة الحكومية والقطاع الخاص برئاسة وزير الدفاع والطيران والمفتش العام وعضوية مساعد وزير الدفاع والطيران والمفتش العام لشؤون الطيران المدني نائباً، والأمين العام للهيئة العليا للسياحة عضواً، ورئيس هيئة الطيران المدني عضواً، وممثل وزارة النقل عضواً، وممثل وزاة المال عضواً، وممثل وزارة الاقتصاد والتخطيط عضواً وثلاثة أعضاء من القطاع الخاص يصدر تعيينهم بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الدفاع والطيران والمفتش العام. وأشار القرار إلى أن الهيئة الجديدة ستحتفظ بإيراداتها وتصرف منها مباشرة على مصاريفها التشغيلية والاستثمارية بهدف الوصول أخيراً إلى خفض مخصصاتها من الموازنة العامة للدولة بما يعادل إجمالي إيراداتها المحققة، كما ستعمل على تنمية إيراداتها وتحقيق التمويل الذاتي الكامل لمصاريفها التشغيلية والاستثمارية. وعن رؤيته لتأثير القرار في قطاع النقل الجوي قال رئيس الطيران المدني ل"الحياة"إن لقطاع الطيران المدني تأثيراً مباشراً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويعتبر القرار الجديد نقلة في نمط التفكير الاقتصادي داخل مؤسسات الدولة التي تستهدف توجيه عمل هذه الصناعة وفق ديناميكية وسرعة وتطور تمكنها من المنافسة والاستجابة لجميع التغيرات. واعتبر اقتصاديون تحدثت إليهم"الحياة"، أن القرار الجديد"يضع الهيئة في قمة المسؤولية أمام المتغيرات الاقتصادية في صناعة النقل الجوي التي تشهد حالياً سياسات تنافسية شرسة، مثل: فتح الاجواء، وتقديم الحوافز والمميزات لجميع المستثمرين والشركات ذوي العلاقة بهذه الصناعة". وقال السيد ياسين آل سرور مستثمر في قطاع النقل الجوي إن"القرار كان متوقعا نظراً إلى التطورات التي شهدتها رئاسة الطيران المدني في الفترة الأخيرة، مثل الأسواق الحرة واعتماد سياسات التمويل الذاتي وتنمية الموارد". وتنظر الحكومة السعودية الى القرار الجديد لتحقيق أهداف عدة، في مقدمها زيادة مساهمة قطاع النقل عموماً والجوي خصوصاً في اجمالي الناتج المحلي بعد انخفاضها في الأعوام الماضية إلى 3 في المئة تقريباً، إضافة الى التخفيف عن كاهل الدولة من حدة الانفاق على مشاريع هذا القطاع بعدما ساهمت من قبل فيه بموازنة وصلت إلى مئة بليون ريال لإنشائه، وأخيراً تأهيله لشروط المنافسة الدولية التي أصبحت هي المحك الرئيسي لعمله. وتعود بداية الطيران المدني في السعودية إلى عام 1934 عندما شيدت إحدى شركات النفط، التي أصبحت في ما بعد جزءاً من شركة"أرامكو السعودية"، مهبطاً صحراوياً بالقرب من مدينة الجبيل. وصدر أول نظام للطيران المدني في السعودية عام 1953 وكانت إدارة الطيران المدني عند انفصالها عن سلاح الطيران الملكي السعودي تضم الخطوط الجوية العربية السعودية والأرصاد الجوية إلى أن تم فصل"الخطوط السعودية"عن الطيران المدني عام 1960 قبل ان تتحول عام 1963 إلى مؤسسة عامة مستقلة. وعام 1966 تم فصل الأرصاد الجوية عن مصلحة الطيران المدني وأصبحت موازنتها مستقلة، وعام 1977 تم تعديل مسمى مصلحة الطيران المدني إلى رئاسة الطيران المدني. وحققت السعودية خلال تلك السنوات نمواً قياسياً وقفزات نوعية في مجال الطيران المدني شملت تطورات كبيرة في نقل المسافرين والشحن الجوي وبناء المطارات وتجهيزاتها والملاحة والمراقبة الجوية. وتشرف هيئة الطيران المدني حالياً على أعمال 26 مطاراً منها 3 مطارات دولية، وهي الجهة المسؤولة عن إدارة وتشغيل وتوفير وتطوير التجهيزات الأساسية للمطارات والملاحة الجوية وفق أحدث النظم، ووضع الإجراءات الكفيلة بسلامة وأمن النقل الجوي وتطويرها ومراقبة مقاييس التشغيل والصيانة، والعمل على تنمية الإيرادات وتشجيع فرص الاستثمار بالمطارات. كما تختص الهيئة بأعمال الاتفاقات الدولية للناقل الجوي الوطني مع شركات الطيران الأخرى إضافة إلى تنظيم سوق السفر والوكالات العاملة فيها ومراقبتها.