يقول عدد من الوزراء والنواب الذين تربطهم صلة وثيقة بكبار المسؤولين السوريين ان لا علاقة لدمشق بالمواقف التي اعلنها اخيراً وزير الصحة اللبناني سليمان فرنجية وانتقد فيها رئيس الجمهورية اميل لحود وهاجم بشدة رئيس الحكومة رفيق الحريري. ونقل هؤلاء عن كبار المسؤولين السوريين ان دمشق لا تزال تدعم الرئيس لحود وتنصح بالتهدئة بين الرؤساء وتدعو الى الحفاظ على الاستقرار السياسي، وبالتالي فهي ليست في حاجة الى تمرير رسالة بطريقة غير مباشرة للحريري، واذا كان لديها ملاحظات، فإن قنوات الاتصال بينهما قائمة ومتواصلة، في اشارة مباشرة الى الدور الذي يلعبه على هذا الصعيد رئيس جهاز الامن والاستطلاع في القوات السورية العاملة في لبنان العميد الركن رستم غزالة، وفي مقدور الاخير ان ينقلها ولا داعي لوجود وسطاء بين الطرفين. وأكد هؤلاء الوزراء والنواب انهم سمعوا كلاماً صريحاً من كبار المسؤولين السوريين الذين اشاروا الى ان ما قاله فرنجية يعبر عن وجهة نظره، وقد اعتاد السوريون، من حين الى آخر، طريقة التراشق التي يلجأ اليها بعض المسؤولين اللبنانيين للتعبير عن وجهة نظره، بينما الطريقة السورية معروفة للجميع في التشاور او في تمرير الملاحظات ازاء اي قضية مطروحة على الساحة اللبنانية. ولفتوا الى ان ابداء الملاحظات السورية على اداء المسؤولين اللبنانيين يأتي في اطار قطع الطريق على احتمال بروز مشكلة على مستوى العلاقات الرئاسية اللبنانية افساحاًً في المجال لقيام حوار من شأنه ان يدفع في اتجاه التوافق من خلال المؤسسات على الحلول المجدية، مشيرين الى انه سبق لدمشق ان ابدت ملاحظات عدة انما من دون وسيط محلي. واعترفوا بأن علاقة الحريري بدمشق مرت منذ اكثر من اسبوعين في حال من الفتور وتبودل في خلالها العتاب، لكن سرعان ما عادت الامور الى مجراها الطبيعي، مؤكدين ان خلفيتها تعود بالدرجة الاولى الى انتخابات البلدية في بيروت. وقال الوزراء والنواب ان المشكلة انتهت بعد اتصال اجري بين الحريري والعميد غزالة ونقلوا عن الاخير ان لا مرشح معيناً لسورية تدعمه في الانتخابات البلدية وانها لن تتدخل معتبرة انه استحقاق لا بد من انجازه بهدوء تاركين الحرية للبنانيين في اختيار اي مجلس بلدي يريدون. لكنهم اوضحوا ان مآخذ السوريين على الحريري تعود الى ان التشاور المستمر بينهم يستدعي وضعهم في صورة الموقف الذي اعلنه لجهة التمديد لصيغة التحالف البلدي في بيروت التي على اساسها فازت اللائحة الائتلافية، خصوصاً ان دمشق كانت دعمت هذه الصيغة في الماضي وأبدت حرصها الشديد على تحقيق التوازن لمنع حصول اي خلل طائفي او مذهبي. وأكدوا ان المشكلة سويت وان تبادل الرسائل بين دمشق والحريري مستمر على رغم ان البعض لجأ الى الرهان على ان العلاقة ستصل الى طريق يصعب العودة عنه، تماماً كما حصل بالنسبة الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري عندما كثرت الاحاديث والتساؤلات عن علاقته الراهنة بدمشق قبل ان يتبين له ان القراءة غير الدقيقة لها، يمكن ان تجر الى استنتاجات خاطئة. الا ان كل هذا لا يعني في المطلق بحسب الوزراء والنواب عدم وجود ملاحظات سورية من حين لآخر، لكنها قابلة للمعالجة ولن يسمح بأن تستفحل الى حدود اضطرار دمشق الى توجيه رسائل بالواسطة الى الحلفاء الاساسيين لها. وأكد الوزراء والنواب ان الحريري فعل خيراً عندما اوعز الى نواب كتلته والوزراء المحسوبين عليه بعدم الرد على فرنجية او الدخول معه في سجال سياسي، وهذا ما شكل مفاجأة للبعض الذي حاول بطريقة غير رسمية الوقوف على رأيه لكنه احجم عن التعليق. وكشفوا عن ان اصدقاء لفرنجية من النواب عمدوا الى "التحرش" بالحريري الذي كان تلقى اتصالات من مسؤولين سوريين لكنه آثر الصمت، في مقابل قول وزراء ونواب بعضهم على صلة وثيقة بوزير الصحة، ان الاخير اراد ان يقدم ترشحه لرئاسة الجمهورية على طريقته الخاصة وبأسلوب يختلف عن الآخرين، وقد يكون بنى موقفه على ما اشيع قبل اكثر من اسبوع عن فتور علاقة الحريري بدمشق. واعتبروا ان فرنجية اراد ان يخرق الصمت المفروض على الاستحقاق الرئاسي معتقداً بأن من "بنود" دفتر الشروط للترشح الهجوم على الحريري. وأوضحوا ان فرنجية تحدث في مقابلته المتلفزة عن الشيء ونقيضه وسألوا كيف يوفق بين نظرته الى الحريري على انه من الثوابت في المعادلة السياسية وان لا غنى عنه في الوقت الحاضر وبين ابراز خلافه معه في هذا الشكل؟ وسألوا هل ان لا بديل عند فرنجية سوى الاختلاف مع الحريري في الوقت الذي يدرك الجميع ان تجربة العلاقات الرئاسية لم تكن مشجعة في ظل التوتر الذي يسود العلاقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة؟ وتابعوا: "ان لبنان دفع ثمناً باهظاً جراء عدم استقرار العلاقة بين الرئيسين التي تقوم حتى اشعار آخر على "التعايش القسري" او المساكنة التي لا بد منها، وكانت فرنسا مرت بتجربة مماثلة بين الرئيس جاك شيراك ورئيس حكومته السابق الاشتراكي ليونيل جوسبان وانعكست سلباً على وضعها الاقتصادي، ورأوا ان البديل يكون في التعاون المستمر والمنتج.