في صباح ربيعي من صباحات مدينة القامشلي انهال ثلاثة شبان على رابع ضرباً بالعصي حتى أوقعوه ارضاً ثم أفرغوا رصاص مسدساتهم في جسده فأردوه قتيلاً وساروا يمشون الخيلاء. تداول الناس الخبر وما لبث لأيام إن لم يكن لساعات ان تحول الى ذكرى، فالناس هناك اعتادوا مثل هذا الخبر، فهو ليس حدثاً رهيباً. الشبان الثلاثة كانوا ابناء عمومة فتاة احبت شاباً طلبها للزواج فوافق كل اهلها إلا هم، والمغدور لم يكن سوى عم العريس الذي خطف الفتاة بمساعدة اخيها. هذا حدث وحكاية قصيرة من عشرات الحكايات عما بات يعرف بجرائم الشرف في منطقة الشمال الشرقي لسورية، فعلى رغم اختلاف الأعراق من عرب وأكراد وسريان والأديان من مسلمين ومسيحيين إلا ان البعد العشائري في العلاقات الاجتماعية يفرض رؤيته وفلسفة منطقه في النظرة الاجتماعية للمرأة. فهذه الملل جميعاً تجمع على ان المرأة الأنثى، هي شرف عائلتها، والعائلة هي المؤسسة الاجتماعية الوحيدة التي يحق للفتاة الانتماء إليها، وأي مس جسدي او فكري بالمرأة هو مس بكرامة عائلتها ومكانتها وهذا ما يستوجب غسل هذا العار. تقول طالبة الاقتصاد عائشة: "أنا على علاقة ود مع رفيق يدرس معي وأنا متأكدة وللأسف ان اهلي لن يوافقوا على زواجنا، فهو ليس من عشيرتنا. وقانون عشيرتنا لا يسمح لنا بالزواج بغير ابناء العشيرة، هذا ظلم. إنها مأساة انسانية في القرن الحادي والعشرين". عائشة مثال لمئات إن لم نقل لآلاف الفتيات وليس الشبان، فالكثيرات من هذه الشريحة ينتهي الأمر بهن الى الزواج السري والاختفاء مع ازواجهن، وبذلك يصبحن مع ازواجهن في عداد المهدورة دمائهم. حالة تستمر أجيالاً هذه الأحداث تخلق حالاً من التوتر النفسي لدى جيل الشباب وتلحق ضرراً بالوضع الاقتصادي، فجريمة واحدة قد تتطور الى حال ثأر متبادلة. وفي البحث عن الأسباب يرى محمد سعيد العاصي استاذ علم النفس "تعتبر جريمة غسل العار من الجرائم المتعلقة بنفسية الإنسان وثقافته ويجب تحديث ثقافة الناس، لكن الأحزاب السياسية والمؤسسات الثقافية لم تدخل في مشكلات الفرد بل بقيت تطرح شعارات رنانة، فالازدواجية ما زالت في جوهر عمل الناس الذين نقلوا فكرهم العشائري الى بنية الأحزاب او المؤسسات لكن هذه المفاهيم غسل العار اصبحت في حال قلق". وطرح احد المدرسين في المرحلة الثانوية في مدينة القامشلي هذا الموضوع على الطلبة بغية معرفة آراء الجيل الجديد فكان الإجماع شبه التام على رفض تسمية جريمة غسل العار بالجريمة وبنسبة اقل في عدم السماح للفتاة بغير ابن عشيرتها وما يقارب النصف الذي رفض مبدأ السماح للفتاة باختيار شريك حياتها ولم يوافق طالب واحد على منح الفتاة الحقوق الممنوحة للشاب في حرية العلاقة مع الجنس الآخر.