ليست لي ثقة كبيرة بأكثر أعضاء مجلس الحكم في العراق، أو بالاحتلال الأميركي، غير انني حضرت قبل أيام ورشة عمل عن العراق ضمن الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي ردت اليّ بعض الثقة الضائعة في مستقبل العراق. أدار الجلسة بنشاط الدكتور غسان سلامة الذي أصبحت معارفه العراقية تنافس معارف الاستاذية فيه بعد ان مثل الأممالمتحدة هناك غير مرّة، ونجا من الموت بمعجرة في تفجير مقر المنظمة العالمية في بغداد في آب أغسطس الماضي عندما قتل سيرجيو فييرا دي ميلو، ممثل الأممالمتحدة. وضمّت الجلسة خبراء ومسؤولين أجانب شعرت بأنهم يريدون الخير للعراق، غير ان سببي الأهم لاسترداد بعض الثقة هو ما سمعت من الأخ سنان الشبيبي، حاكم المصرف المركزي العراقي، والأخ علي علاوي، وزير التجارة، فهما ذكراني بما عند العراق من قدرات بشرية قبل ان يسدل صدام حسين ستائر الظلام على البلد. السيد الشبيبي الذي يحمل دكتوراه في الاقتصاد من جامعة بريستول تحدث عن الحاجة لإضفاء الاستقرار على الاقتصاد العراقي كضرورة لبدء العمل. وقد استغرق إصدار عملة جديدة، وإصلاح العملة، ثلاثة أشهر من العمل الدؤوب ولا تزال هناك حاجة الى ضبط التضخم، والى إيجاد نظام مصرفي جيد لبناء الاقتصاد الجديد. وهو اعترف بأن العراقيين يفضلون الاحتفاظ بمالهم "كاش" وسينقضي زمن قبل اقناعهم بالتحوّل الى عقلية "الكريدت"، أو بطاقات الاعتماد. واعترف السيد الشبيبي بالحاجة الى مساعدة خبرات فنية، من الخارج، وقال انه يجب فتح الباب أمام المصارف الأجنبية. أما السيد علاوي، وهو خريج معهد الاقتصاد في لندن، ومعهد مساتشوستس للتكنولوجيا، فبدأ بشرح وضع الاقتصاد العراقي في ظل النظام السابق، وكان يتألف من أربعة أجزاء أهمها برنامج النفط مقابل الغذاء وموازنته السنوية بين ثلاثة بلايين دولار وأربعة بلايين دولار للمواد الغذائية، وبليوني دولار الى ثلاثة بلايين دولار للمواد الأخرى. وكانت الأجزاء الثلاثة المتبقية من نوع تهريب، وبضائع ممنوعة وواردات غير شرعية للنظام، ووجدت أنها كلها تقع تحت خانة الممنوع. والمجموع كله بين سبعة ملايين دولار وعشرة بلايين. وقال السيد علاوي ان الحكومة تحاول ان تجعل البلد "صديقاً" للاستثمارات الخارجية، بمعنى ان يشجعها، ولكن صدام حسين دمر القطاع الخاص، والحكومة تحاول بناءه من جديد. للعراق تجارة تقليدية مع الجيران، مثل دول الخليج وايران وتركيا، وسيحافظ عليها، كما ان هناك علاقات مع بقية العالم العربي واتفاقات. وفي حين تريد الحكومة الانضمام الى منظمة التجارة العالمية فإنها تحتاج الى ترتيب أوضاع البيت قبل ان تنطلق الى الخارج. وقال وزير التجارة: "نريد ان نفعل ما ينفع العراق، لا ما يفترض ان يفعله العراق ليناسب صورة خارجية عنه". وسمعنا رأياً أميركياً في موضوع إصلاح الاقتصاد العراقي من توماس فولي، المسؤول عن تنمية القطاع الخاص في سلطة التحالف الموقتة. وهو قال ان من الواجب الاسراع في تخصيص الشركات، واعترض على الدعم الحكومي لبعض المواد الاستهلاكية لأن ذلك يشوّه حقيقة السوق في رأيه. وسألته على الغداء: هل يريد تخصيص كل شيء؟ فقال ان شركات الخدمات العامة، مثل الماء والكهرباء والمحروقات يجب ان تستثنى. وأشار فولي الى مشكلات عدة يواجهها الاقتصاد، فالمصارف الموجودة لا تقدم اعتمادات للتجار في عملهم، ودخول مصارف أجنبية سيحتاج الى بعض الوقت، وهناك بطالة عالية، كما ان هناك مناخاً غير صحي في طرق العمل يجب تصحيحه بالاستغناء عن أسلوب الوسطاء والسماسرة في تنفيذ العمل. وكان بين الآراء الأخرى التي تستحق التسجيل ما عرضه البروفسور جوليان لي غراند، الاستاذ في كلية الاقتصاد في لندن، ومستشار رئيس الوزراء البريطاني، وهو قدّم أربعة اقتراحات محددة. الأول ايجاد نظام "اعتماد مايكرو"، وتقديم قروض صغيرة جداً بنحو مئة دولار، أو أكثر أو أقل، لنساء في الغالب، يقمن بمشاريع صغيرة. والثاني تخصيص الشركات وتوزيع أسهمها على المواطنين القادرين. والثالث انشاء صندوق دائم، كما حدث في آلاسكا، ليستفيد المواطنون كلهم من دخل النفط، والرابع المنح المماثلة، وهي فكرة بريطانية خلاصتها ان الأسرة التي توفر مبلغاً من المال تشجعها الحكومة باعطائها نسبة معينة مما وفرت، فمقابل كل دينار مثلاً تقدم الحكومة عشرة قروش لتشجيع التوفير. لا أعرف اذا كانت الحكومة العراقية ستتبنى اياً من هذه الاقتراحات، الا انني أعرف ان في العراق مسؤولين يستطيعون اختيار ما يناسب بلدهم، وقد شعرت مع سنان الشبيبي وعلي علاوي ان في الامكان السير الى الأمام على رغم الصعوبات. والسيد علاوي قال ان الغاء دعم المواد الاستهلاكية مطلوب، الا ان تنفيذه صعب، ويجب ان يتم تدريجاً لتجنب ردود الفعل السلبية من المواطنين. وشارك في الجلسة عضو الكونغرس جيم كولبي، رئيس لجنة الاعتمادات الفرعية في مجلس النواب، وبدا مرتاحاً للنقاش الا انه أكد ان الادارة الأميركية، في سنة انتخابات رئاسية، لن تقدم مالاً إضافياً لمساعدة العراق. شخصياً، لا أعتقد بأن العراق في حاجة الى مساعدة كبيرة، فعنده من موارده ومن قدرات أبنائه، ما يكفي للنهوض من عثاره، ولا غفر الله لمن كان السبب.