في سجن "الهدير" جنوبالدار البيضاء على الساحل الاطلسي الذي يوصف بأنه الاكثر قساوة ويأوي المدانين بأحكام طويلة، كان مشهد الفرح لتأهل الفريق المغربي لكرة القدم لا يقل ابتهاجاً عن زحف عشرات الآلاف من المغاربة على الشوارع الرئيسة في تظاهرات تلقائية عمّت ارجاء البلاد كافة، كانوا يحملون الاعلام المغربية واللافتات ويقرعون الطبول ويهتفون بالنصر. وقال سجين شارك معتقلين آخرين في متابعة شوطي المقابلة من سجن في طنجة شمال البلاد: "فرحت مرتين. الاولى لانتصار المغرب على مالي، والثانية لأني ساغادر السجن غداً. بيد ان سجينة في معتقل القنيطرة في ربيع العمر زغردت فرحاً وغنّت رفيقاتها لفوز الفريق المغربي. وكان لافتاً ان الافراح المغربية ارتدت طابعاً سياسياً في منطقتين. ففي المحافظات الصحراوية هتفت الجموع "الصحراء مغربية والكأس مغاربية"، وفي وجدة على الحدود الشرقية مع الجزائر قال متظاهرون "الكأس لنا والجزائريون اخوة لنا"، إلا ان التعددية اللغوية بدورها كانت حاضرة في ترجمة المشاعر. وكما ان لاعبين في الفريق المغربي تحدثوا بالامازيغية فإن امازيغيين في شمال البلاد ووسطها وجنوبها رددوا الاهازيج الامازيغية ابتهاجاً. وكانت السمة البارزة لتلك الاحتفالات انها جسدت الاعتزاز بالهوية. ذلك انها المرة الاولى منذ سنوات عدة يعهد فيها الى مدرب مغربي بادو الزاكي برعاية الفريق المغربي بعد تجارب سابقة مع مدربين اجانب، الا ان بين الاذعان لعواطف الانتصار الرياضي والتأمل في الصور تبرز معطيات اخرى. في مؤتمرات سابقة لمنظمة الوحدة الافريقية قبل ان تتحول الى "الاتحاد الافريقي" كان بعض القادة الافارقة يشتكون من ان الدول العربية ذات الانتساب الافريقي تنقل خلافاتها العربية العربية الى الساحة الافريقية. وكانوا يستدلون الى ذلك بالازمة القائمة بين المغرب والجزائر والتي كادت تمزق القارة بين مجموعتي منروفيا والدار البيضاء. وروى الدكتور بطرس غالي الامين العام السابق للامم المتحدة ان مصر حين واجهت الحظر بعد ابرام اتفاق كامب ديفيد اهتمت بالانفتاح على الدول الافريقية لابراز ان الموقف العربي الذي التزمته بلدان الشمال الافريقي كان امتداداً للخلافات العربية العربية. ومع اتساع الفارق بين السياسة والرياضة، فإن سابقة تأهل الفريقين المغربي والتونسي الى الدور النهائي غداً السبت في تونس بعد اقصاء ماليونيجيريا عن منافسات كأس امم افريقيا يعكس الطابع الرياضي للصراع العربي الافريقي، أقله ان المنافسات قائمة على استضافة مونديال 2010 في كرة القدم بين جنوب افريقيا والمغرب وتونس وليبيا ومصر. والأكيد ان اقصاء الفرق الافريقية القوية مثل نيجيريا والكاميرون وجنوب افريقيا سيجعل الافارقة يقولون ايضاً ان العرب "أخذوا الكأس منا"! لا شك ان وجود فريقين لبلدين مغاربيين في النهائي يعزز حضورهما في منافسات اختيار البلد المضيف للمونديال، فمن شروط "الفيفا" ان تكون لهذا البلد تقاليد كروية وفريق قوي تزيد حظوظه في المنافسات النهائية. كما حال المانيا او فرنسا او ايطاليا او اسبانيا في استحقاقات رياضية سابقة. الفوز المدمر للمغرب على منتخب مالي اول من امس احتوى جوانب من الابعاد السياسية في مباراة المغرب والجزائر. لكن فكرة ان الفريق المغربي انتصر على نظيره الجزائري لأنه مؤهل كروياً، هي التي فجرت الفرح في البلاد كما ان الزحف التلقائي للجماهير على الشوارع المغربية لم يكن نتيجة الابتهاج بالوصول الى منافسات نهائي كأس افريقيا وانما لأن هذا الانتصار ينهي غياباً عن كأس افريقيا تجاوز ربع قرن أي منذ دورة 1967 التي كانت الكأس الافريقية فيها من نصيب المغاربة.