سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الملك الراحل كان مسروراً لترشح بوتفليقة للرئاسة سنة 1999 ... واتهم دوائر مغربية باستغلال مجزرة بني ونيف لتفجير العلاقة مع الجزائريين". البصري ل"الحياة": لا دور للجزائر في محاولات الانقلاب على الحسن الثاني 2 من 3
بعدما شرح وزير الداخلية المغربي السابق إدريس البصري في حلقة أمس موقفه من صيغ حل قضية الصحراء الغربية وسبب رفضه صيغة "الحل الثالث" أو "الحكم الذاتي"، يكشف في هذه الحلقة الثانية فصولاً من المفاوضات السرية مع جبهة "بوليساريو" بعلم من الملك الراحل الحسن الثاني. ويبدي البصري رغبته في أن يتولى المغرب تقديم المساعدات الإنسانية للصحراويين بدل حصولهم عليها من دول أجنبية. ويشير الى أن الملك المغربي الراحل كان مسروراً كثيراً عندما علم بأن صديقه عبدالعزيز بوتفليقة سيترشح للانتخابات الرئاسية الجزائرية سنة 1999 لأنه كان يرى فيه "رجلاً له كفاءة عالية ومهنية كبيرة". ويكشف ان قمة كانت ستعقد بين الزعيمين في الأسبوع الأخير من آب اغسطس 1999 في مدينة إيفران المغربية، وان الرئيس بوتفليقة أبلغه أنه مستعد للقاء الحسن الثاني في أي مدينة يرغب فيها لأنه "أكبر مني سناً وهو ملك". ويتناول وزير الداخلية المغربي السابق، "الرجل القوي" في حكم الحسن الثاني، حادثة بني ونيف في ولاية بشار 1800 كلم جنوب غربي الجزائر على الحدود بين المغرب والجزائر والتي قتلت فيها مجموعة مسلحة جزائرية 22 قروياً. ويقول ان هذا الحادث الذي وقع نهاية 1999، كان بداية "تلاعب ومناورات" قامت بها دوائر في المغرب لتفجير العلاقة مع الجزائر. ومع رفضه الحازم محاولات إتهام الجزائريين بتدبير نيات عدوانية أو عسكرية ضد المغرب، شدد على نفي علاقة الجزائر بمحاولات الانقلاب على الملك الحسن الثاني في بداية السبعينات. بل ذهب الى القول ان الجزائر ساعدت المغرب في حادثة "جماعة عبدالمطيع" عندما قامت جبهة "بوليساريو" بتدريب أفراد هذه المجموعة ووفرت لهم أسلحة مغربية لتنفيذ انقلاب في خلال الاحتفالات بعيد العرش الملكي. وقال أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة كان أول زعيم يتصل بالقصر الملكي لتقديم العزاء في وفاة الملك الحسن الثاني عام 1999. وفي ما يأتي نص اللقاء: كيف تقومون وضع العلاقات بين الجزائر والمغرب حالياً، وهل يمكن ترقيتها بإبعادها عن تأثيرات ملف الصحراء الغربية؟ - أشعر بالأسف على وضع العلاقة بين البلدين لأنني متأكد أن هذه الخلافات ظرفية وموقتة وان الأساس هو التقارب والمحبة والتعاطف والتضامن في كل المجالات مهما كانت الظروف ومهما حصل. فنحن شعب واحد وهذا تؤكده المعطيات التاريخية والبشرية، الدموية والدينية وحتى اللغوية، وليس في ذلك أدنى شك ولا إشكال. طبعاً، هناك تلاعبات سياسية. لكنها، في تقديري الشخصي، استمرت لفترة طويلة وهذا شيء غير مقبول. فنحن البلدان الوحيدان في العالم اللذان لهما 30 مليون نسمة في كل بلد ولديهما من البشر ومن الكفاءات الفكرية من رجالات المغرب والجزائر من لهم وزنهم، ولكن على رغم ذلك لم ينجحا في حل المشكلة التي طال أمدها. لقد غادرت الحكومة سنة 1999 وكانت سياسة جلالة الملك الراحل الحسن الثاني - وقد أبلغتها شخصياً للمسؤولين الجزائريين، فعلت ذلك مع الرئيس الشاذلي بن جديد، والرئيس الراحل محمد بوضياف، والرئيس اليمين زروال - ما يأتي، وأنا هنا أُلخّص خطة عمل وكلام وسياسة جلالة الملك الحسن الثاني: هناك توافق بين المغاربة والإخوان الجزائريين على أن لدينا الوزن السكاني والبشري نفسه بين البلدين وهو 31 مليون نسمة، أي ما مجموعه 60 مليون نسمة تقريباً. لكن هذا المجموع، في الواقع، كتلة بشرية مشردة في حدود مغلقة لا تجارة فيها ولا نشاط، بل اننا نترك الإخوان الصحراويين يموتون حراً في الحمادة وتندوف. فكان جلالة الملك الحسن الثاني والرئيس الشاذلي بن جديد، ثم المغفور له الرئيس محمد بوضياف، والرئيس عبدالعزيز بوتفليقة يدعون إلى ترك مشكلة الصحراء الغربية في إطار الأممالمتحدة، على ان نسعى الى التكفل بمساعدة 60 مليون نسمة، أي الشعبين الجزائري والمغربي، حتى يعيشوا في ظروف جيدة ونتكفل بانشغالاتهم. كان الموقف الجزائري يرتكز على هذه الرؤية. وكان الموقف المغربي بادئ ذي بدء هو هذا، أما الآن فقد تغير وجعل من قضية الصحراء القضية الأولى على رغم أنها ببساطة صارت قضية دولية. الإخوان الجزائريون كان طموحهم أن تبقى قضية الصحراء في إطار الأممالمتحدة. ولأن عدد السكان الصحراويين معروف والمعونات كانت تأتي اليهم من عدد من الدول الأجنبية - ومن عند الإخوان الجزائريين والليبيين - أذكر إنني التقيت في إحدى المرات بوفد من "بوليساريو" وكان من ضمنه السيد مصطفى البشير والسيد بوهالي، وزير الدفاع السابق، والسيد إبراهيم غالي، القائد العسكري، وكان بينهم أيضاً محفوظ علي بيبا، وقد سألتهم عن أوضاعهم المعيشية وقلت لهم أنتم إخواننا وأبلغتهم من طرف جلالة الملك أنهم إذا كان يأخذون المساعدات الإنسانية من السويد وألمانيا ومن هولندا فنحن نرغب في يفتحوا لنا الباب ليتمكن إخوانهم من تقديم المساعدة الى الصحراويين، وهم إخواننا، وأن لا يرفضوا المساعدات الإنسانية التي نقدمها اليهم. أشار بيان صدر عن السلطات الجزائرية أخيراً إلى مفاوضات سرية كانت تجري بين المغرب وجبهة "بوليساريو" بدعم من الملك الحسن الثاني. هل تم التوصل في مرحلة من المراحل إلى نتائج متقدمة لتسوية النزاع؟ - سأعطيك شهادة ومعطيات. في حكم الرئيس الشاذلي بن جديد ومن كان إلى جنبه من المسؤولين العسكريين مثل خالد نزار وزير الدفاع السابق ومحمد العماري قائد الأركان السابق وعباس غزيل قائد سابق للدرك الوطني والمدنيين مثل الهادي لخضيري وزير الداخلية السابق وسيد أحمد غزالي رئيس الحكومة السابق والعربي بلخير وزير الداخلية السابق ومدير الديوان في رئاسة الجمهورية حالياً، والآن في حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، شاهدنا أن الإخوان الجزائريين هم أناس لا يمكن لأي كان أن يتهمهم بنيات عدوانية أو عسكرية ضد المغرب، وما تردد من مثل هذا الكلام غير صحيح. لقد ساعدنا الأخوة الجزائريون في إطار الأممالمتحدة وقبلوا بالشروط الموضوعة، وحتى وإن لم تكن الجزائر طرفاً في النزاع إلا أنها كانت معنية به ولها دور يمكن أن تلعبه في التسوية. وهي قبلت مثلاً أن تلعب دوراً في وقف إطلاق النار، وهو أمر مرتبط بالجزائر لأن أي انطلاقة لعمل عسكري محتمل من الصحراويين ستكون من دون شك من الأراضي الجزائرية، سواء من تندوف أو الحمادة، كما ان أي تدخل عسكري من جانب "بوليساريو" لا يمكن ان يغيب عن الجزائر بوصفها سلطة عسكرية ذات سيادة على المنطقة، وبحكم مسؤولياتها مع الدول ومع المغرب لا يمكنها أن تطلق العنان للإخوان في "بوليساريو" للقيام بمثل هذه الأعمال. تعاونت الجزائر في شكل كامل منذ سنة 1991 في وقف إطلاق النار، ولم نسجّل ولو لمرة واحدة حادثة إطلاق نار. لهذا أقول أننا كنا على وشك إيجاد حل بتريث، لأن صاحب الجلالة الحسن الثاني كان يدعم فكرة لا غالب ولا مغلوب وكان يقول أيضاً الطابع "التانبر" والعلم، وهي الرسالة التي فهمها الاخوة الجزائريون. كنا نسير مع الاخوة الجزائريين بتريث وبالتي هي أحسن لإيجاد مخرج نهائي، وهذا الانقسام والتباعد عن الاخوة الجزائريين لا يسهل بتاتاً حل المشكلة، على رغم أن هذه القضية ليست صعبة وكان يمكن حلها بالحكمة واتباع التي هي أحسن. كان يقول لي جلالة الملك الحسن الثاني: اذهب إلى الاخوة الجزائريين وإلى الاخوة الصحراويين وقل لهم: الحسن الثاني إنسان كريم وملك، وقل لهم التوب الوفي لا يحافي. وكان عدد من الاخوة المسؤولين الجزائريين وعلى رأسهم أخي وصديقي العربي بلخير عندما نتذاكر بعض فصول الملف، يطلب مني تذكيره بهذه العبارة التي كان يرددها جلالة الملك الحسن الثاني. اتهامات صدرت قبل أسابيع اتهامات أخذت صفة رسمية في المغرب تتهم الجزائر بلعب دور في محاولات الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني. باعتباركم كنتم الرجل الأقرب منه طوال فترة حكمه وإلى آخر أيامه هل في مثل هذه الاتهامات شيء من الصحة؟ - لا، هذا غير صحيح. أتذكر جيداً أنه بعد مؤامرة الصخيرات وكنت آنذاك مع الملك الحسن الثاني وحتى في قضية الطائرة التي حاول الانقلابيون اسقاطها والملك على متنها، كان أول شخص يتصل هاتفياً بجلالة الملك هو الرئيس الراحل هواري بومدين للتعرف على الأحوال والوقوف بجانبه في تلك الظروف القاتمة. حدث ذلك مرتين في قضية الصخيرات وفي قضية الطائرة محاولتي الانقلاب في بداية السبعينات. وأتذكر أنه في حزيران يونيو 1972 انعقد في الرباط اجتماع لمنظمة الوحدة الإفريقية وكان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير خارجية المحرك الفعلي للمؤتمر، ووقع المغرب اتفاق الحدود مع الجزائر بعد حرب الرمال وكرّس مبدأ الإرث الحدودي الموروث عن الاستعمار أمام جميع رؤساء الدول لإعطاء هذه الاتفاقية المردودية والفعالية والصيت العالي. ومنذ ذلك التاريخ نسير في هذا المسعى المتقارب. وأروي لك شهادة يعرفها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. فهو كان وزير خارجية وكان مقرباً من الرئيس الراحل هواري بومدين وكانت له مكانة خاصة ومميزة لدى الرئيس الجزائري الراحل هي المكانة ذاتها التي كنت أحتلها لدى جلالة الملك الحسن الثاني. لم يكن بوتفليقة ملماً فقط بالشؤون السياسية والخارجية فقط بل بكل المعطيات الخاصة بالجزائر، فقد كان محل ثقته الكاملة لبومدين وكان محل إعجاب العالم كله، وهذه حقيقة. كان بالفعل شاباً يلقى الإعجاب الكامل مني. بعد توقيع اتفاق الحدود الثنائية بين البلدين جاءت حادثة الطائرة في العام نفسه محاولة الانقلاب، وفي سنة 1972 وقعت "حادثة الاختراق" عندما جاء بعض الاخوة المغاربة الذين كانوا يقيمون في الجزائر إلى المغرب لإقامة معسكرات في الجبال في منطقة زايان في الأطلس المتوسط وناحية الميداتي وناحية بوعرفة وفغيغ وناحية الراشيدية ومولاي بوعشة. وقد ذهبت بأمر من جلالة الملك الحسن الثاني لأحمل رسالة سرية إلى الرئيس هواري بومدين لأضعه في الصورة، وأتذكر أن اللقاء تم في آذار مارس 1973 وبعدها استدعى الرئيس بومدين مساعديه - وأتذكر أنه كان من بينهم أحمد مدغري رحمه الله وزير داخلية سابق وأعتقد أن الشخص الثاني كان عبدالحميد لطرش - وأبلغهم بالملف وطلب منهم تحضير المعطيات قبل عودتي إلى المغرب ناقلاً رسالة إلى الملك الحسن الثاني. وقد قدمت اليهم كل الوثائق بما في ذلك الصورة التي عثرنا عليها لدى المغاربة. وبعد عرض كل المعطيات طلب من الرئيس هواري بومدين أن أُبلغ الملك الحسن الثاني أن بومدين يقول لك "كن على خاطرك وكن على راحة بال ومطمئن في شكل كامل من جهتي". وكان يفترض أن يتم في تلك الفترة التصديق على اتفاقية الحدود بين البلدين، وقد طلب مني الرئيس بومدين أن أبلغ إلى الملك الحسن الثاني انه إذا كان يشعر بأن الظروف الداخلية غير مواتية للتصديق على الاتفاقية أو إن كانت هناك موانع، أن يأخذ كل وقته حتى ولو تطلب ذلك عشرة أو عشرين سنة، وحتى إذا رفض التصديق عليها فأنا مع جلالة الملك الحسن الثاني. فعندما نتهم هذا الرجل بومدين أو الجزائر بدعم محاولات الانقلاب ضد الحسن الثاني فذلك أمر غير مقبول. ينبغي أن نثمن ونسجل للجزائر شيئين: أولاً قضية سنة 1973، وأيضاً قضية "جماعة عبدالكريم مطيع" عندما دخلوا الأراضي المغربية في عيد جلالة الملك في التاسع من تموز يوليو سنة 1981 عندما جاء عبد الكريم مطيع مع مجموعة من الأبناء من تنظيم الشبيبة الإسلامية وأعطاهم الأسلحة عن طريق "بوليساريو" التي دربتهم وسلمتهم الأسلحة التي غنموها من قوات الجيش الملكي المغربي وقاموا بعدها بمحو الأرقام التسلسلية لهذه الأسلحة ليصعب التعرف عليها. هاتان القضيتان سيسجلهما المغرب للجزائر التي وقفت إلى جانبه. والمغرب، كما ترى، لم يمت ولا يزال واقفاً. وأتذكر جيداً أنه عندما توفي جلالة الملك الحسن الثاني سنة 1999 كان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة أول من يتصل بالقصر الملكي لتقديم العزاء وسأل عن الملك محمد السادس وعني. مع انتخاب الرئيس بوتفليقة سنة 1999 كنتم أول مسؤول مغربي يزور الجزائر وحملتم "رسالة مودة ومحبة" إلى الرئيس الجزائري المنتخب من العاهل المغربي الراحل. كيف كان الجو في تلك المرحلة، خصوصاً نظراً إلى الصلة المميزة بين الزعيمين. هل كان هناك مسعى لعقد قمة تزيل الخلافات الثنائية؟ - كان جلالة الملك الحسن الثاني يكن التقدير وكل الاحترام لجميع الرؤساء الجزائريين وكان يسعى الى ان تكون العلاقة الإنسانية والأخلاقية والمهنية - لأنهم كانوا مهنيين وهو رجل مهني - إيجابية وتخدم البلدين. وعندما سمع جلالة الملك أن السيد بوتفليقة يرغب في الترشح للرئاسة سنة 1999 كان أكثر الناس سروراً لأنه يعرف مقدراته ويعرف أنه رجل لديه دراية بالأمر في الشؤون الداخلية والعالمية وفي ممارسة العلاقات، وانه رجل له كفاءة عالية ومهنية كبيرة. كان هذا رأي جلالة الملك الحسن الثاني. وقد حملت رسالته وفيها الترحيب والتهنئة وكذلك رغبة جلالة الملك في فتح صفحة جديدة ومسيرة جديدة مع الاخوة الجزائريين في كل المجالات من دون استثناء. وكان جواب السيد الرئيس الترحيب الكلي والاستعداد الكلي، وزاد على ذلك قائلاً ان الملك الحسن الثاني أكبر مني سناً وهو ملك وعملت الى جانبه تحت إمرة الرئيس هواري بومدين بجدية وكنت مساعداً لهما بالتوزان. وقال لي وهو رجل فنان: "قل لجلالة الملك انه ربما في السنوات الأخيرة إذا لم يجد المخاطب المناسب له في الجزائر فسيجد في عبدالعزيز بوتفليقة المخاطب المناسب لحل كل المشاكل وعلى رأسها قضية الصحراء". وزاد قائلاً لي أن أبلغ جلالة الملك أن "المشروعية الدولية لا بد منها وإستفتاء تقرير المصير لا بد منه وإذا كانت هناك رغبة في الخروج عنها فليعلمني جلالة الملك". وبوتفليقة صديق لي وهو يقول لي الصراحة وأبادله الصراحة، وأنا كنت مرسول جلالة الملك وضامناً وأميناً لكلمته. قال لي الرئيس بوتفليقة انه إذا قرر الملك الحسن الثاني الخروج عن مبدأ استفتاء تقرير المصير "في تلك الساعة سيلعب كل واحد حسب مصالحه وحسب إرادته ومقدرته على التناور". كان مقرراً أن تنعقد قمة بين الرئيس بوتفليقة والملك الحسن الثاني في تلك الفترة. - صحيح، كان من المقرر أن تنعقد القمة في ظرف قريب، وقد طلب مني بوتفليقة أن أبلغه بتاريخ القمة قبل يومين فقط من موعد انعقادها. قال لي بوتفليقة انه سينتقل للقاء الملك الحسن الثاني حيثما كان في المغرب، وأتذكر أن الملك كان في تلك الفترة في الصخيرات والرئيس بوتفليقة يعرف معرفة جيدة كل القصور الملكية في المغرب وكان يلقى إعجابنا والجميع يفرح للقائه. والملك الحسن الثاني حتى وإن كان يرى في بوتفليقة المعاند الشديد في الدفاع عن المصالح الجزائرية، إلا أنه كان كثير الفرح به. وكان من المقرر أن تنعقد القمة بين 20 آب اغسطس وآخر الشهر، وكان الملك يتنقل في تلك الفترة بين الصخيرات والدار البيضاء والرباط. وربما كان الملك ينوي الانتقال إلى إيفران، وهو على كل حال لم يبلغني بذلك رسمياً لكنه كان يحب إيفران وعمل فيها وربما كان ينوي إحياء ذكرى إتفاقية إيفران. ونحن في حاجة ماسة فعلاً لإحياء اتفاقية إيفران لأن فيها كل ما يخص الجزائر والمغرب من تطور اقتصادي وسياسي واجتماعي واستراتيجي. رحيل الملك الحسن الثاني أنهى مرحلة التقارب وحل بعدها الشك والمناورة ودفع مقتل عدد من الجزائريين في حادثة بني ونيف الرئيس بوتفليقة الى تغيير اللهجة وإطلاق تصريحات حادة ضد المغاربة. كيف تعاملتم مع التطورات؟ - قضية التنافر لا أؤمن بها شخصياً. وهناك من المغاربة من لا يشاطرني الرأي في ذلك، لكنني أقول ان العزيمة والحافز للتقارب أقوى من التنافر. وهذا الشيء يبدو لي مفتعلاً ومصطنعاً من بعض الناس من المقربين من دوائر الحكومة أو ما يروج وما يدور حول الخارجية. فقد صدرت في تلك الفترة برقية لوكالة فرانس برس تقول فيها نقلاً عن مصدر رسمي في المغرب أن المسلحين الجزائريين الذين نفذوا اعتداء بني ونيف بولاية بشار الجزائرية وخلفت مقتل 22 شخصاً رُصدوا في المغرب. لكن هذه البرقية كانت مجرد مناورة لتفجير العلاقة مع الجزائر، ولم تكن هناك معلومات فعلية تؤكد تسلل المسلحين الجزائريين الى المغرب. وأقول شخصياً أنه من ناحية بعض الناس في المغرب فقد نسوا أو تناسوا التاريخ بكل تطوراته ويرغبون في العودة إلى المناوشات التي كانت تميز الأوضاع في الفترة بين 1963 و1970. وأعتقد أن المسيرة الخضراء في الصحراء عام 1975 أدت غرضها، وكذلك اتفاقية مدريد استنفدت ما كان مطلوباً منها. وما يهمنا الآن هو كيفية حل المشكلة الصحراوية الآن. هناك قرارات دولية يجب أن نتعامل معها، وليس هناك شيء آخر. أنا شخصياً لا أريد ولا أطلب أي شيء. إنني والحمد لله سعيد في مكاني ولا أريد لا أصداء ولا أي شيء آخر. لقد أديت الشيء الذي كان على عاتقي إزاء المغرب تحت قيادة جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، وقد كفاني وشبعت من العمل لأنني كلما أتكلم يقولون انني أرغب في العودة إلى الحكم. أنا بصراحة ووضوح لا أرغب في العودة من جديد إلى الحكم، ولكن لدي غيرة على بلادي وأقولها بصراحة بلادي هي المغرب والجزائر، سواء كنت في الجزائر أو انتقلت إلى المغرب. واعتقادي وجهدي أن البلدين محكوم عليهما بأن يتفقا مع بعضهما بعضاً.