تتوقع شركة "طيران الشرق الأوسط" ميدل إيست تحقيق أرباح عن عام 2004، رغم الارتفاع المستمر في سعر النفط. وتدرس الناقلة اللبنانية التي تعد إحدى أعرق شركات الطيران في العالم العربي، توسيع تحالفاتها الدولية عبر الانضمام عبر شريكتها الكبيرة "اير فرانس" إلى تحالف "سكاي تيم" لتقدم لمسافريها مزيداً من التسهيلات ومعايير الجودة. وتنوي الشركة، التي تتبع سياسة توسع حذرة، طلب طائرة جديدة لتتسلمها عام 2006، في وقت يقول ل"الحياة" رئيسها الدكتور محمد الحوت إنه سيُبقي على سياسات التوسع الحذرة و"المدروسة" التي يطبقها، بعدما نجح في اخراج الناقلة من مأزق الخسائر والديون الذي غرقت به جراء الحرب الأهلية اللبنانية. وطالب رئيس الشركة بمراجعة سياسة الأجواء المفتوحة التي يطبقها لبنان بشكل كامل من دون بقية البلدان العربية. كما يؤكد ان شركته متمسكة بحقها الحصري في تسيير رحلات الطيران العارض والمجدول في لبنان، بموجب الاتفاق الموقع مع الحكومة اللبنانية في الماضي والذي جرى تمديده العقد الماضي. مع خروجها من أتون الحرب الأهلية التي استمرت من عام 1976 إلى عام 1990، لم تتمكن "ميدل إيست" من استعادة توازنها وهي الشركة العريقة التي أرست معالم التفوق والجودة في السوق الاقليمية منذ انطلاقتها عام 1945. وأدت المصاعب والفضائح التي هزت صورتها، إلى تعيين الدكتور محمد الحوت، وهو الذي اعتنى بملف الشركة في "بنك لبنان المركزي" بعدما اشترى هذا الأخير الشركة لانقاذها من الافلاس والدائنين، في منصب رئيسها التنفيذي. وواجهت الرئيس الشاب عقبات كثيرة حالت دون تطبيق سياساته لاخراج الناقلة من أزمتها، ليس أقلها مواجهة الضغوط السياسية التي عرقلت تطبيق خطوات الاصلاح وتخفيف كتلة الموظفين وإعادة هيكلة أنشطة الشركة، تمهيداً لتخصيص بعض أقسامها. ونفذ الحوت على مدى أربعة أعوام، وخلال الفترة من 1988 إلى 2002، خطوات جريئة سمحت بإعادة هيكلة الشبكة وتوفير 25 مليون دولار سنوياً، من دون الالتفات إلا إلى معايير الجدوى الاقتصادية في تشغيل المحطات. كما أعاد التفاوض على بعض عقود التوريد ليحقق بذلك وفراً بلغ خمسة بلايين دولار سنوياً. أما الجزء الأصعب من خطته، فكان يقتضي تخفيض العمالة بمقدار 1450 موظفاً، وهو ما نجح به عام 2001، محققاً وفراً آخر قدره 25 مليون دولار سنوياً. وفي الوقت ذاته، بنى الحوت تحالفاً مع الخطوط الجوية الفرنسية "اير فرانس" أتاح بموجبه لمسافري "ميدل إيست" الطيران عبر رحلاتها إلى 180 وجهة حول العالم. وتربط ثلاث رحلات يومياً بيروت بباريس لمسافري رحلات المتابعة، في وقت تُسيّر فيه الناقلة اللبنانية رحلاتها إلى 22 محطة، ثمانٍ منها في أوروبا وسبع في الخليج وثلاث في الشرق الأوسط وأربع في افريقيا. ونجحت هذه الخطوات المتواصلة في إعادة الشركة المتعثرة إلى الربحية. وكانت الخسائر المسجلة عام 2000 تصل إلى 41 مليون دولار، لتتراجع إلى 34.5 مليون دولار عام 2001، ثم بدأ تسجيل الأرباح في العام الذي يليه، إذ حققت الشركة ثمانية ملايين دولار أرباحاً تشغيلية وثلاثة ملايين أرباحاً صافية. أما خلال 2003 فحققت 33 مليوناً و22 مليوناً على التوالي. ويقول الحوت: "عندما تسلمت إدارة ميدل إيست عام 1998 كان اجمالي خسائرها السنوية يصل إلى 80 مليون دولار خسائر تشغيلية، و87 مليوناً خسائر صافية. وقمنا بخطة إعادة الهيكلة وكان يراودنا تساؤل حول ما إذا كانت الشركة قابلة للحياة أم لا؟ وكان ردنا أنه يمكن انقاذها وإعادتها للتعافي إذا نفذنا خطة اصلاحية تسمح بتركيز شبكة خطوطها المبعثرة في أوروبا وافريقيا والشرق الأوسط والخليج، وهي خطوة أقدمنا عليها ضمن رؤية أبعد مدى. وكانت الخطوة الثانية رفع مستوى انتاجية الموظفين وزيادة القدرات التنافسية للشركة عبر تعديل بعض شروط العمل للموظفين الموجودين والاستغناء عن فائض الموظفين". ويضيف: "عودتنا إلى الربحية تحققت ونحن نتوقع تحقيق 35 مليون دولار من الأرباح الصافية خلال 2004، رغم ارتفاع الأسعار. ونحن بقينا نعمل حتى نهاية أيلول سبتمبر الماضي ضمن إطار توقعات الموازنة رغم ارتفاع أسعار النفط. وننتظر لتقويم تأثيرات الربع الأخير". الاسطول آخر خطوة في الخطة الاصلاحية كانت تحديث الاسطول، وهذا تم تنفيذه عام 2003. ولدى الشركة حالياً تسع طائرات ثلاث منها بعيدة المدى من طراز "ايرباص 200-330" وست من طراز "ايرباص 321". ويقول الحوت: "لدينا 2400 موظف حالياً بين موظف ثابت ومياوم وموسمي داخل لبنان وخارجه سواء في الشركة الأم أو الشركات التابعة لنا التي تضم 1100 موظف. وبدون هؤلاء الاخيرين يكون عدد موظفينا الذين يخدمون مباشرة نشاط النقل الجوي 1300 موظف أو نحو 150 موظفاً للطائرة الواحدة". ويبرر رئيس الشركة هذا العدد المرتفع نسبياً لكل طائرة مقارنة بالشركات الأخرى المماثلة المتوسط الحجم بأن برامج التطوير المستمرة سواء على صعيد تطوير الخدمات أو اعتماد برنامج المسافر الدائم وبرنامج ادارة العائد تواصلت لترفع مستوى الخدمة في الشركة، في وقت يمكن استيعاب مزيد من الطائرات من دون زيادات كبيرة في الموظفين "اذ لا يحتاج ادخال طائرة جديدة الى اكثر من 50 موظفاً في الشركة الام او الشركات التابعة". وسمح التحالف مع "اير فرانس" بتوسيع اطار عمل "ميدل ايست" بعد اعادة هيكلة شبكتها. وتفكر الشركة حالياً في "دخول تحالف سكاي تيم الدولي كعضو مشارك مع اير فرانس" ويقول الحوت: "هذا الانضمام سيسمح بزيادة التسهيلات المقدمة لمسافرينا في برنامج المسافر الدائم، وتبادل الرموز لاصدار تذاكر الى كل الوجهات، علاوة على استخدام حالات الاستقبال في المطارات" ويضيف: "رغم دخولنا هذا التحالف الا اننا واعون تماماً اننا كشركة متوسطة الحجم لا بد ان نحافظ على المرونة في علاقتنا مع كل الشركات الاخرى وهذا ما لا نريد التفريط به". وادخلت الناقلة اللبنانية اصلاحات استحقت عليها تهنئة الاتحاد الدولي للنقل الجوي "اياتا" اخيراً، لا سيما تلك المتعلقة بالتوسع في استخدام تكنولوجيا المعلومات واصدار التذاكر الالكترونية. ويشير رئيس الشركة الى ان "ميدل ايست" تسرّع في تطبيق انظمة الملاحة الرقمية في قمرة الطائرة "ما قد يجعلها اول شركة عربية تعتمد بيئة لا ورقية في قمرة القيادة". وتطبّق الشركة ايضاً برامج تدريب تعتبر من افضلها في منطقة الشرق الاوسط للمهندسين وموظفي المبيعات والتسويق والمضيفين، وهو تقليد تميزت به "ميدل ايست" التي كانت قبل الحرب اللبنانية تحتل مرتبة اولى في معايير الجودة والابتكار في العالم العربي وتتميز بمواردها البشرية المتطورة وطياريها ومهندسيها وفنييها الذين كانوا يحتلون مرتبة الصدارة بمهاراتهم في سائر المنطقة. ويقول الحوت: "تدرس الشركة حالياً طلب طائرة ركاب بعيدة المدى من طراز ايرباص 200 300 على ان يتم تسلمها ووضعها في الخدمة عام 2006 وسيتيح تركيز جهودنا اكثر في الخليج العربي، وفي افريقيا ايضاً حيث لدينا نية للتوسع. اما في البرازيل فنحن ابرمنا اتفاقاً مع شركة خطوط "تام" ولن نطير اليها بصورة مباشرة". وفرض ترتيب المحطات معدل تشغيل لا يتجاوز تسع ساعات يومياً للطائرة الواحدة "والسبب هو ان الرحلات تتم عبر قطاعات جوية غير طويلة يصل متوسط التشغيل فيها الى 2.15 ساعة للرحلة الواحدة". ويعتبر الحوت ان حجم اسطول الشركة "مناسب لحجم السوق اللبنانية اذ نستحوذ فيها على 36 في المئة من معدلات الحركة مستخدمين تسع طائرات فقط" ويضيف: "استراتيجية التوسع التي طبقناها مدروسة وتأخذ في الاعتبار الواقع الذي نعيشه في المنطقة العربية، ولو ان حرب العراق عام 2003 استمرت، على سبيل المثال، اكثر من شهرين فماذا كان سيحدث للشركات العربية، التي توسعت في خطوطها؟ نحن، من جهتنا، نتحسب لظروف طارئة من هذا القبيل، وهذا يسمح لنا باستيعابها". ويعترف رئيس ناقلة الركاب الوطنية الجوية اللبنانية بأن "لدى لبنان امكانات كبيرة للنمو لان صناعة السياحة بلغت مرحلة النضج النسبي بما يؤهلها للخروج من نطاق الموسمية الامر الذي من شأنه ان يعطي دفعة لقطاع النقل الجوي". ويضيف: "اسباب الارباح التي حققتها الشركة ان الخطة الاصلاحية التي طبقناها ترافقت مع نمو حركة السياحة والسفر الى لبنان، وما فعلناه كان تهيئة الظروف وخفض النفقات بشكل كبير، الامر الذي اتاح لنا الاستفادة من نمو حركة النقل الجوي، وعندما يكون لبنان بخير فنحن بخير"، مشيراً الى انه "خلال 2003 شهد مطار بيروت زيادة في معدل الحركة قدرها 20 في المئة وذلك مقارنة بالسنة قبلها. ونحن نتوقع ان ننقل 1.15 مليون مسافر خلال 2004 من اصل 3.5 مليون مسافر استقبلهم مطار بيروت الدولي" خلال الفترة نفسها. ويقود الحديث عن نمو حركة النقل الى مناقشة موضوع الاجواء المفتوحة الذي يثير خلافاً واضحاً بين "ميدل ايست" و"مديرية الطيران المدني" في لبنان. ويقول الحوت: "سياسة الاجواء المفتوحة طبّقت في لبنان منذ اربع سنوات. وتبين في نهاية المطاف انها تزامنت مع نمو في حركة السياحة والسفر. ولكن هذا لا يعني نه لا يجب اعادة النظر فيها وتقويمها مع مراعاة اعتبارات عدة اولها ان تطبيق سياسة اجواء مفتوحة يجب ان يتم وفق ضوابط تؤمن منافسة عادلة لان هناك شركات طيران تدعمها حكوماتها او لديها سيولة مالية كبيرة وتستطيع اخراج الشركات الاقل سيولة من السوق عبر اعتماد اسعار اغراقية، وعندما يتحقق ذلك ستفرض الشركات القوية اسعارها المرتفعة لانها ستتمتع بوضع احتكاري وهذا في غير مصلحة لبنان". وبين النقاط التي يثيرها الحوت ايضاً في اعتراضه "امكان النفاذ الى الاسواق وبشكل يؤمن منافسة عادلة" ويقول: "اذا كانت لدى لبنان سياسة اجواء مفتوحة وقررت احدى الشركات ان تأتي اليه 14 مرة وفي حال احبت ميدل ايست ان تسيّر الى بلد هذه الشركة العدد نفسه من الرحلات لا يسمح لها فان مثل هذا الامر يصبح حينها سلوكاً غير عادل". ويضيف معقباً: "انا لا اقول بأني اشترط الا يأتينا رحلات الا بقدر ما نرسل، لكن يجب ان يُقر ان لدينا الحقوق نفسها على صعيد مبدئي وان يكون هناك مبدأ المعاملة بالمثل". الموضوع الآخر الذي يتوقف عنده الحوت هو شركات الطيران العارض تشارتر التي لا يريد مقاسمتها حق نقل الركاب في لبنان ويقول: "شركات التشارتر لا تشكل خطراً داهماً لي لانها لا يمكن ان تنافسني بمستوى الخدمة. ولكن لديّ حقاص قانونياً اتمسك به وهو حق حصري لنقل الركاب حتى نهاية 2012 سواء لركاب الرحلات المجدولة او العارضة. وهذا اكدته دراستنا القانونية للمسألة". ويضيف: "انا متسمك بهذا الحق لان شركتنا حصلت على حق حصري في الماضي حينما اندمجت مع اير ليبان وال اي ايه، اذ كانت هاتان الشركتان خاسرتين فوافقت شركتنا على الاندماج لانقاذهما مقابل الحق الحصري، ونحن نعتقد بأن هذا الحق لم نحصل عليه مجاناً بل دُفع ثمنه بصورة غير مباشرة لذا نتمسك به".