في 24 حزيران يونيو 2002 وعد الرئيس جورج بوش بقيام دولة فلسطينية جنباً الى جنب مع اسرائيل سنة 2005 . وهو بعد انتخابه رئيساً كرر الوعد إلا انه أخّر تنفيذه حتى نهاية ولايته الثانية. لا أعرف ما هي العناصر التي اعتمد عليها الرئيس بوش في اطلاق مواعيده، فالعناصر التي أمامي تقول انه لن يكون هناك سلام، ولن تقوم دولة فلسطينية سنة 2005، أو سنة 2009، لأن السلام، مثل التانغو، يحتاج الى اثنين، وآرييل شارون حتماً لن يلعب، أو يرقص، حتى لو اعتبره جورج بوش"رجل سلام"، ولو عقد رئيس الوزراء مؤتمره عن الشرق الأوسط الذي أعلن شارون مقاطعته، ولكن"سمح"بعقده، ولو قال الرئيس مبارك ان السلام معه ممكن. بكلام آخر، السلام سيظل حلماً طالما ان شارون في الحكم. بما انني لا أتوقع شيئاً على طريق السلام، ولا آمل بشيء، فلن يخيب أملي، غير ان كثيرين قد يصدقون ان السلام مقبل هذه المرة، وهم سيحبطون كما أُحبطنا قبلهم مرة بعد مرة حتى لم نعد نصدق شيئاً أو نثق بكلام. الرئيس بوش قال لمراسلة"يديعوت أخرونوت"في واشنطن انه سيبذل جهده ويخصص وقته لتحقيق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين، وانه واثق من قدرته على النجاح، فهو يعرف ان السلام ممكن. هو قال الكلام نفسه للأخ عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، في أيلول سبتمبر الماضي عندما كنا معاً لحضور دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد سجلت في هذه الزاوية ان الرئيس الأميركي طلب من الأمين العام مساعدة عربية في العراق، وقال عمرو موسى:"نعم، ونحن نريد مساعدتكم في فلسطين". ورد جورج بوش انه عندما ينتخب لولاية ثانية فسيعمل لقيام فلسطين جنباً الى جنب مع اسرائيل لتعيشا بسلام. أرجو أن يكون الرئيس بوش مصيباً، وان أكون مخطئاً في واقعيتي التي لا أعتبرها تشاؤماً البتة، والتي زاد منها ان الرئيس كرر ما نعرف عن حكم ديموقراطي في فلسطين ونبذ الارهاب من دون ذكر اسرائيل، ثم زاد مواقف أخرى تلغي أسباب التفاؤل، وهي غير موجودة أصلاً. هو قال ان سورية عليها أن تنتظر لأنها بلد"ضعيف"، واتهمها بتأييد الإرهاب في العراق وغيره. اذا كان البلد ضعيفاً فهي فرصة لعقد اتفاق معه لأنه أضعف من أن يقاوم الشروط المعروضة. أما الإرهاب فليعذرني الرئيس الأميركي اذا قلت له أن يفتح عينيه لأن حكومة اسرائيل ترتكب ارهاباً يومياً بتشجيع اميركي، ورئيس وزرائها مجرم حرب يجب أن يحاكم أمام محكمة دولية من النوع الذي يعارضه الرئيس الأميركي. وعاد الرئيس بعد كلامه للمراسلة الاسرائيلية بيوم فاتهم سورية وايران بتشجيع الارهاب في العراق. طبعاً هذا ليس صحيحاً، والأرجح ان الادارة الأميركية تبحث عن طرف أو أطراف تحملها مسؤولية فشلها في العراق. والتهمة الأميركية الى سورية هي أن بعثيين عراقيين سابقين يديرون المقاومة او الارهاب في العراق من سورية، وان هذه المقاومة أو ذاك الارهاب يمول عبر سورية. أكبر خصومة في السياسة العربية كلها كانت بين البعثين العراقي والسوري، وقد حاول كل منهما التآمر على الآخر واطاحته، وهناك دم مسفوك، ثم نسمع ان البعثيين العراقيين يعملون بحرية وسرية من سورية. وفي غرابة ذلك موضوع المال، فليس في سورية نقد أجنبي في أيدي أحد، والمعاملات المصرفية فيها شبه مستحيلة، ولو وجد نقد نادر مهرب لصادرته الحكومة حتماً، فليس في تاريخ الدولة السورية المستقلة منذ الاربعينات سابقة واحدة عن الدفع لأي طرف. أما إيران فالموضوع هو برنامجها النووي وصواريخها لا العراق. وكلنا يريد الشرق الأوسط خالياً من أسلحة الدمار الشامل، ولكن لا يوجد عربي أو مسلم يقبل أن تكون اسرائيل وحدها تملك هذه الأسلحة، خصوصاً مع وجود حكومة متطرفة فيها قادرة على الجريمة، أو راغبة فيها. لذلك فالتركيز على ايران، وتجاهل اسرائيل، هو أيضاً من فعل تلك العين الواحدة التي لا ترى الارهاب الاسرائيلي. هل تفتح الادارة الأميركية عينيها لترى الوضع كما هو، ولنأمل بعد ذلك بإمكان السلام؟ ليس عندي سبب اليوم لتوقع مثل هذا التطور، غير انني أتوقع عملاً أفضل للدكتورة كوندوليزا رايس في وزارة الخارجية من كولن باول. وهي ستخطو خطوة أولى صحيحة على طريق السلام لو اعترفت، ولو ضمناً لنفسها، ان آرييل شارون ليس طرفاً في عملية السلام، مثل ياسر عرفات أو أكثر. أبو عمار، رحمه الله، رحل ورحل معه عذر تلك العقبة في طريق السلام، وأنا الآن أنتظر العذر الجديد الذي ستطلع به الحكومة الاسرائيلية. هذه الحكومة قررت الانسحاب من قطاع غزة وبعض الضفة، وادارة بوش ترى ان هذا يساعد، غير انه لا يساعد إلا على تدمير عملية السلام، فالانسحاب هدفه الاستعاضة عن"خريطة الطريق"بخريطة اسرائيلية لا تصلح أساساً للسلام. هل يريد أن يسمع الرئيس مزيداً مما لا يحب؟ هو وعد آرييل شارون بعدم العودة الى حدود 1967 وببقاء مستوطنات الضفة وعدم عودة اللاجئين. ويستطيع الرئيس الأميركي أن يعد حليفه بالقمر والنجوم أيضاً، إلا أن المشكلة هنا أن حدود فلسطين وأرضها وشعبها ليست ملكه ليتصرف بها كما يناسب شارون، وكذلك القمر والنجوم. أقول انني كمواطن عربي أعارض وعود الرئيس بوش الى شارون ولا أقبل أي سلام على أساسها. وإذا كنت أنا المعارض لكل حرب، وللعمليات الانتحارية، أعارض مثل هذا السلام، فإنني لا أتصور أن عرباً ومسلمين كثراً سيؤيدونه. وليس عند الرئيس ما يخشى من معارضتي فهي سلمية أو سلبية، إلا أن الناس ليسوا كلهم مثلي. أرجو أن يجترح الرئيس بوش معجزة، وهو إن لم يفعل فالسبب آرييل شارون الذي كشف وجهه مرة أخرى في خان يونس حيث أعمل قتلاً وتدميراً فيما الرئيسان الأميركي والمصري يتحدثان عن السلام، ومصر تدخل اتفاق المناطق الصناعية المؤهلة كويز مع اسرائيل. أرجو كذلك عندما يسلم الرئيس بالفشل ألا يحمل سورية وإيران مسؤوليته، أو الديموقراطية الفلسطينية، أو حتى حليفه بلير ومؤتمره.