صوفي مبارك، رحلت من دون وداع، أو ربما الأصح من دون لقاء. متى كانت آخر مرة رأيتك فيها؟ منذ ثلاثين عاماً؟ أكثر؟ أقل؟ لا فرق. المهم، لم يتسن لنا اللقاء بعد ان كبرنا. لم يتسن لك ان تري بذوراً زرعتها فينا صغاراً، ازهرت وأثمرت فينا كباراً. وأتساءل: ترى، هل تعلمين كم تركت فينا من أثر؟ في نفوسنا، في حياتنا، في قيمنا، حتى في شخصياتنا؟ ولا يزال اسمك يتردد في ثنايا بيتي. أرسم لك صورة في أذهان أبنائي كلما أثير حديث عن العطاء، عن التفاني، عن الالتزام، عن الإخلاص، عن الكفاءة، عن المحبة التي لا تعرف الحدود. صار أولادي يعرفونك كما يعرفون مدرسيهم، بل ربما أفضل. يكادون يرونك على باب مدرستهم. كيف لا، وأنا أسهب في الحديث عنك حتى أكاد أراك أمامي، وأعود طفلة صغيرة تنظر الى استاذة قدوة بمزيج لذيذ من مشاعر الحب والحياء والاحترام والمهابة. هل تعلمين؟ زرت بيروت قبل أشهر، سألت عنك، ولكن... أين أسأل؟ ومن أسأل؟ كم تمنيت لقاءك! ولكن... من أين لي بالدليل بعد كل الشتات الذي نحن فيه؟ ويؤرقني سؤال: ترى هل وفينا معك؟ وما معنى الوفاء في زمن الشتات؟ أهو سؤال حائر عن عزيز؟ وأنت تعرفين ان لا سبيل الى الإجابة؟ أم دمعة تذرف عند الرحيل؟ يوم لا يبقى أمل في اللقاء؟ أم هو ذكرى تعيش حية فينا روحاً وقيماً وعملاً، مهما طال الزمن؟ ترى، هل أبكيك حقاً؟ أم أبكي زماناً تبدد كحلم بعيد تجسدت فيه ذكراك حتى صارت رمزاً له؟ فكأنك برحيلك لملمت آخر خيوط تبقت من زمان مضى ولن يعود. عذراً! فمثلك لا يبكى، إذ يبقى امتدادك فينا ذكرى حية، ومثلاً أعلى، وقدوة تكبر وتكبر كلما صغر الزمان... القاهرة - مي هاني [email protected]