كانت بداية الفنان العراقي كارلو هارتيون مع السينما عندما دخلها ممثلاً. ولتلك البداية مفارقة حصلت له في بداية حياته الفنية يذكرها بمزيد من المتعة والسخرية ايضاً وذلك عندما تم اختياره عام 1956 لأداء دور في فيلم "عروس الفرات".. ولأن الفيلم يتناول جانباً من الحياة الريفية في جنوبالعراق، فإن مخرج الفيلم طلب تغيير اسمه في عنوان الفيلم من "كارلو..." الى "كاظم..."، فما كان منه الا ان رفض ذلك مفضلاً الانسحاب من الدور الذي اسند اليه، لكنه بقي من العاملين مع المخرج. يحدد "كارلو" البداية الفعلية له مع السينما بالعمل مع المخرج عبدالجبار ولي الذي اسند اليه دوراً في الفيلم التاريخي "نبوخذ نصر"، فكان ذلك هو دوره السينمائي الأول، وقف فيه الى جانب فنانين قديرين منهم الفنان سامي عبدالحميد. ومن ذلك العام 1959 أصبح يفكر بالسينما والعمل السينمائي مجالاً يحقق فيه طموحاته الفنية. وفي العام ذاته انضم الى "اكاديمية السينما" في بودابست، وواصل دراسته فيها حتى عام 1965، انتج خلالها عدداً من الافلام التسجيلية القصيرة، اما تجربته في الاخراج السينمائي فبدأت - كما يقول - حينما عمل مساعد مخرج مع المخرج الهنغاري يانجو مكلوش. حينما عاد الى بغداد عمل في الاذاعة اولاً، ثم تحول الى الاخراج التلفزيوني، وكان اول عمل درامي اخرجه للتلفزيون سهرة تمثيلية بعنوان "اللغز" 1968. بعد ذلك بعام اخرج مسلسلاً درامياً بعنوان "عطارد" وكلاهما كانا لكاتب الدراما التلفزيونية معاذ يوسف. اما نقطة التحول الفعلية في عمله التلفزيوني فكانت عام 1972 حينما اخرج مسلسلاً عن "ثورة العشرين" في العراق بعنوان: "عشر ليرات" اعتمد فيه التصوير الخارجي للمرة الأولى في الاعمال الدرامية التلفزيونية. اما اول فيلم اخرجه للسينما العراقية فكان في اواخر السبعينات بعنوان "اللوحة"، مصوراً فيه حياة الطلبة. ومن بعده كان فيلمه الثاني "البندول"، وكانا من اوائل الاعمال السينمائية في التلفزيون العراقي. وبعد ذلك اخرج لدائرة السينما والمسرح فيلمين روائيين هما: "شيء من القوة" 1985، و"زمن الحب" 1991. واذا كان جمع في عمله هذا بين "الدراما التلفزيونية" و"الفيلم السينمائي" فلأنه - كما يرى - يجد اللقاء متحققاً بين "لغة التلفزيون" و"لغة السينما"... فكلاهما يعتمد "اللغة المتحركة" او الصورة. واليوم حينما ينظر كارلو هارتيون الى واقع السينما في العراق، فهو ينظر اليه بمزيد من الاسف، "لأن السينما فيه لم تحقق ما كان منتظراً ان تحققه بالقياس الى تاريخها". وعلى ذلك فهو يرى "ان العمل على ايجاد سينما حقيقية يبدأ من تحقيق ثقة جمهور السينما بالفنان العراقي، وبالكشف عن امكانات الفنانين العراقيين من هذه الناحية". ويعتبر اننا "اذا اردنا تقوية الثقة بالمنتج الخاص، فإن على الدولة ان تبادر، من جانبها، الى دعم هذا القطاع، سواء من طريق الدعم والتشجيع او من طريق المساهمة معه في تكاليف العملية الانتاجية". غير ان للفنان هارتيون ملاحظاته على هذا الجانب الانتاجي... فهو اذ يجد "ان هناك اقطاراً عربية سبقتنا في مجال السينما والانتاج السينمائي، من حيث عدد الأفلام والمستوى الفني"، يقول ان "ما قامت به السينما العراقية لا يتعدى المحاولات. فعدد الافلام المنتجة حتى الآن قليل بالقياس الى الحقبة الزمنية التي قطعناها مع هذا العمل، والتي تتجاوز نصف القرن"، ويجد "ان ما انتج عراقياً من افلام سينمائية لا يرسي اي تقاليد سينمائية"، ويعزو ذلك الى "ان الهم عند المسؤولين عن هذا القطاع لم يكن ايجاد، او تطوير حركة سينمائية، وانما ظل العمل في هذا الحقل خاضعاً لرغبات متباينة". وعلى هذا فهو يرد على القائلين بوجود تاريخ للسينما العراقية بأنه "تاريخ ضعيف"، محملاً مسؤولية الضعف هذه، الى جانب المؤسسة، للعاملين في السينما الذين يجد ان الكثيرين منهم "لم يتعلموا بعد لغة الصورة التي هي اللغة الاساسية في السينما"، الأمر الذي يطاول "كاتب السيناريو" ايضاً. في المقابل يجد "ان لدينا ممثلين رائعين، يتفوقون في عملهم على ملاحظات المخرج وتوجيهاته. ومع انهم قلة، الا انهم يتميزون بالروح الحقيقية للممثل، من تلقائية الاداء وحضور الشخصية". وعلى هذا، فهو يطالب بتطوير "مناهج الدراسات السينمائية في اقسام السينما في معاهد الفنون وكلياتها في العراق لتتماشى مع هذه المنهجية السينمائية التي يراها، اذ يجب ان يتعلم العامل في حقل السينما فن تشكيل الصورة اولاً، هذا فضلاً عن الثقافة السينمائية". ويعزو هارتيون جانباً من تأخر الحياة السينمائية في العراق الى الحياة الاجتماعية العراقية وما يسودها من تقاليد قاسية وعادات اجتماعية صارمة. ويقول: "إن الجانب الديني هو المتغلب على مناحي هذه الحياة كافة، وهو عامل من عوامل الحد من حرية العمل السينمائي، وكذلك في ايجاد "مجتمع سينما"، اذا جاز التعبير". مشيراً، في هذا المجال، الى ما يعده "فجوة كبيرة" في العمل السينمائي وهو ما يشكله "غياب العنصر النسوي. انه عنصر شبه مفتقد لا من العمل السينمائي وحده، بل ومن العمل الدرامي ايضاً.. وكذلك من المسرح، وغياب العنصر النسوي، او ندرته، سبب اساس في تخلف الكثير من اعمالنا الدرامية والمسرحية والسينمائية". وفي هذا السياق يرصد ظاهرة اخرى تخص المجتمع العراقي، فهو "مجتمع ليست لديه توجهات فنية كما ينبغي ان تكون في مجتمع مديني على نصيب من الحضارة والتقدم. والفنانون انفسهم، بكل جهودهم لم يستطيعوا ايجاد وسط خاص بهم، على سعة هذا المجتمع وحجمه". فإذا سألته عن سبيل الخروج من هذه الازمة، اكد "ان العامل المادي مهم وأساس في هذه العملية، وذلك بأن نجعل الفن والعمل الفني مصدراً اساسياً في دخل الفنان بحيث يستطيع الاعتماد عليه اعتماداً كلياً في تسيير امور حياته العامة والخاصة، عندها سيكون الاقبال كبيراً، من العنصر النسوي تحديداً، على الانخراط في مجالات العمل الفني، والانصراف اليه انصرافاً كلياً". وانطلاقاً من هذا الواقع - بحسب ما يرى - يأتي "تردد القطاع الخاص في دعم هذه الحركة. فصاحب رأس المال الذي يساهم في عمل ما، وينفق عليه يريد، في اسوأ الاحوال، ان يسترد رأسماله كاملاً، ان لم تتحقق له منه الارباح. ان واقع الحياة الفنية في العراق لا يشجع على دخول رأس المال هذا مجالات الانتاج الفني". ومع انه يبدي سروره، وحماسته، لتعدد القنوات الفضائية في العراق منتظراً منها زيادة في الانتاج عن الحياة العراقية والواقع العراقي".. الا انه اجاب عن السؤال: "بماذا تفكر حالياً؟" بالقول: "ابحث عن عمل، اريد ان اعمل". ويضيف: "ان معظم المخرجين العراقيين، على امكاناتهم المتميزة، هم اليوم شبه عاطلين من العمل".