في أروقة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي يختتم فاعلياته مساء اليوم امتعاض وتحسّر على"غياب النجوم"مع استقطاب مهرجاني دبيومراكش لهؤلاء وبالتالي مع تفويت الفرصة على المهرجان القاهري من ان ينهي نشاطاته بسلام. سحب البساط من تحت اقدام المهرجان القاهري وتحويل الانظار الى دبيومراكش، صفعة قوية تلقاها رئيس المهرجان شريف الشوباشي على رغم محاولاته السابقة اليائسة لسدّ الثغرات ان بالتفاوض مع رئيس مهرجان دبي لتأجيل موعده، لكن من دون جدوى بعد ان أجل الموعد من 2 كانون الأول ديسيمبر الى 6 كانون الأول، أي والمهرجان القاهري لا يزال في ذروته، او لجهة مناشدته فناني مصر في حفلة الافتتاح التواجد بكثافة في حفلة الختام، وهذا أيضاً بلا جدوى مع الأخبار التي تناقلتها الألسن عن طائرة خاصة نقلت نجوم مصر الى دبي ومع انتقال نور الشريف ويسرا مباشرة من مراكش الى دبي، فيما يتوزع معظم النقاد العرب بين المدينتين السابقتي الذكر ويغيبون عن القاهرة. على أي حال وبانتظار المشهد هذا المساء حينما يقف المهرجان القاهري امام امتحان آخر علّه يحفظ به ماء الوجه، وبانتظار توزيع الجوائز، نستعرض بنظرة بانورامية بعض الأفلام الاجنبية التي تتنافس على الجوائز في هذه الليلة بعد ان كنا عرضنا سابقاً للافلام العربية. ساحر النساء في رحلة مملوءة بالصعود والنزول يأخذنا المخرج الأرجنتيني هيكتور اوليفيرا في"خوانثيتو ساحر النساء"الى الأرجنتين ايام بيرون الرجل الأسطورة، من خلال حكاية خوانثيتو شقيق ايفيتا المرأة الجبارة التي كان موتها بمثابة نقطة التحول الأساسية في مصير البلاد. من بائع متجول الى رجل صاحب نفوذ ودون جوان الارجنتين الذي لا يقاوم، يتحول خوانثيتو شيئاً فشيئاً بعد ان اعتلى سلم المجد والشهرة من خلال استغلاله نفوذ شقيقته وموقعه السياسي الرسمي في الدولة وبالتالي تسامح بيرون معه، هذا التسامح الذي لن يبقى على ما هو عليه مع وفاة ايفيتا. رحلة مملوءة بالفساد تضيء على فترة مهمة من تاريخ الأرجنتين وتصور تخبطات المجتمع والصراع على الحكم منتقدة حكم بيرون وشخصيته المتعجرفة، الامر الذي غاب عن السينما الأرجنتينية منذ عام 1984 تاريخ أول فيلم ينتقد بيرون بحسب ما جاء على لسان اوليفيرا الذي كان أخرج أكثر من 23 فيلماً روائياً وحاز جوائز عدة في مهرجانات دولية، ورشّح لجائزة الأوسكار عام 1994. يقول اوليفرا:"بعد عشرين عاماً من تقديم أول فيلم ينتقد حكم بيرون قدمت هذا الفيلم، ذلك ان السينما الأرجنتينية تبتعد عن انتقاد بيرون كونه أضحى أسطورة وشخصية مقدسة لا يجوز المساس بها". ويعترف صاحب"نونا"و"جمعة الأبدية"و"ليلة قلم الرصاص"أن فيلمه الأخير كان مفاجأة للشباب الأرجنتيني لأن"افكار بيرون لا تزال حية بين الناس على رغم وفاته منذ زمن". انتقاد أوليفيرا فترة حكم بيرون لم يمنعه من التعاطف معه، ويقول عن ذلك:"كان باستطاعتي ان أكتفي بالجانب الرديء من حياة بيرون لكنني فضلت إظهار الجانبين المظلم والمضيء معاً. مهما يكن من أمر على رغم ظهور بيرون شخصية متعجرفة لكنه كان في الحقيقة شخصية بسيطة جداً. الذاكرة السوداء رحلة الجمهور العربي مع المخرج الارجنتيني هيكتور اوليفيرا مختلفة عنها مع المخرج الالماني سيغفريد كما في اول افلامه الروائية"رحلة في الظلام". فيينا عام 1985. هجوم ارهابي على المطار تقع ضحيته عائلة بكامل افرادها ولو اختلفت مصائرهم. الاب والام يقتلان، والشقيقان يفترقان. ميو الاخ الاصغر يستقر في برلين، فيما ينتقل فالنتين الاخ الأكبر الى جبال النمسا ليعيش في كنف عائلة جديدة. سنوات طويلة من الفراق والالم يعيشها كل واحد على طريقته. ميو يجد عزاءه في الموسيقى، وفالنتين يفقد الذاكرة. لكن ماذا لو شاءت الاقدار جمعهما من جديد؟ ماذا لو ذهب الشقيق الأصغر في رحلة بحث عن شقيقه الكبير ولو كانت اسبابه غير نبيلة؟ والحال يسمع ميو بالتعويض المادي لمصلحة كل من عاش الهجمة الارهابية ويستبشر خيراً من ذلك، اذ اصبح على بعد خطوات من تحقيق حلمه واصدار اسطوانة موسيقية خاصة به. فقط ما يلزمه هو البحث عن أخيه والحصول على توكيل منه وإلا لا يستطيع الحصول على حصته. رحلة البحث عن فالنتين لم تكن صعبة، لكن سرعان ما ظهرت الصعوبة مع اجتماع الشقيقين والتخبط في دهاليز الذاكرة السوداء."رحلة في الظلام"فيلم عميق بمضمونه يدخل اعماق النفس الانسانية ويفسر بسيكولوجيا تصرفات الحاضر بربطها باحداث الماضي. جراح الماضي وتخبط النفس البشرية نراهما جلياً ايضا"في الفيلم الايطالي"الشعور بالذنب"للمخرج كلاوديو فراجاسو. جماعة شبابية صغيرة تكونت في اكثر فترات المجتمع الايطالي سخونة ايام الفاشية والنظام البوليسي، من القائد يوليسيوس وثلاثة من رفاقه جوسيبي وباولوتا وجيوفاني. تمرّ السنون وتتطور الأحداث وتتغير السلطات، لكن يبقى ملف هذه الجماعة مفتوحاً، خصوصاً مع انتحار جوسيبي بالياري الذي يذكر بجريمة قديمة ارتكبها هؤلاء. وبذلك يكمن حلّ ذاك الانتحار عند الرفاق الثلاثة الخائفين من مذكرات بالياري وما فيها من اسرار مفضوحة. جوّ من التوتر والخوف والقلق والترقب يضعنا داخله فراجسو الذي كان قدم في السابق مجموعة من سيناريوات الأفلام نذكر منها"الاباتشي الأبيض"1986،"بعد الموت"1988،"المهمة الثالثة عشرة"1992، و"كوبيا اوميسيدا"1998. تظاهرات الشباب المطالب بالحرية والحقوق الانسانية، رجال البوليس والقمع الوحشي، التاريخ الذي يعيد نفسه، كلها امور تضفي على الفيلم نفساً من الحرية والشعور بالذنب. إضافة الى هذه الافلام كان الجمهور على موعد مع السينما الروسية والايرانية والهندية واليونانية والفرنسية... افلام تعكس صورة مجتمعاتها وتمدّ الجسور بين جمهور القاهرة وثقافات العالم. في النهاية، وعلى رغم العقبات التي اعترضت مهرجان القاهرة يبقى هذا المهرجان الاعرق والوحيد الذي يحمل الصفة الدولية بين مهرجانات المنطقة، من دون ان ننسى أهميته في نشر التذوق الفني ودعم التفاهم بين شعوب العالم والمساهمة في تطوير الفن السينمائي.