المقال الأخير في سلسلة عن مؤتمر لمؤسسة هدسون اخرته بسبب الانتخابات الأميركية. اعترف البروفسور برنارد لويس في مؤتمر مؤسسة هدسون عن "نهاية" العلاقة الأميركية - السعودية بأنه "من بين كل بلدان الشرق الأوسط، فالسعودية هي البلد الذي أعرف الأقل عنه". وأضاف انه قضى ما مجموعه يوم واحد في السعودية، إلا انه اضاف "انني اتابع الأحداث بقدر ما أستطيع، وسأحاول ان انظر الى المشاكل التي بحثنا فيها من المنظور الوحيد الذي ادعي خبرة فيه وهو المنظور التاريخي". عدم امتلاك برنارد لويس "مصادر أولية" عن السعودية، كما يسميها المؤرخون، لم يمنعه من إبداء اكثر الملاحظات تطرفاً في مؤتمر متطرف أصلاً. وهو قال: "بالنسبة إليّ احد الأشياء البناءة التي تمخضت عنها حملة العراق هي ما أصفه بأنه تدمير خلاق". وهو رأى ان الحديث عن الاستقرار في السعودية يعني استمرار "الطغيان"، وطريقة تدمير الطغيان "هي القوة المسلحة، فهذا هو التاريخ، هو تجربة التاريخ. وإذا لم نكن مستعدين للتفكير في ذلك، كما كنا مستعدين للتفكير به في حالة العراق، فإن الأرجح ان جميع نياتنا الطيبة ستذهب في الرمل". ترجمت حرفياً ما قال هذا البروفسور المسن ليعرف العرب والمسلمون ماذا يدبر لهم المحافظون الجدد، وبرنارد لويس لم يكفه قتل 20 ألف عراقي حتى الآن، غالبيتهم من المدنيين، ومن النساء والأطفال، فهو يريد قتلاً مماثلاً في السعودية، وبعدها ايران وسورية وغيرها. يقول ستيفن هالبر وجوناثان كلارك في كتابهما "اميركا وحدها: المحافظون الجدد والنظام العالمي" ان برنارد لويس هو "المستشرق المفضل" للمحافظين الجدد، مع ان خبرته الأساسية هي في العهد العثماني. ويضيفان "انه ألقى بثقله الأكاديمي وراء هجوم الجبهة العريضة للمحافظين الجدد على الإسلام"، ومركزه كأستاذ شرف في جامعة برنستون يغطي انه لاعب متميز في الجدل السياسي المعاصر". برنارد لويس قال في مؤتمر مؤسسة هدسون ان الحملة على العراق ستكون عنصر عدم استقرار يوجد "التدمير الخلاق"، وحث الولاياتالمتحدة على ان تتبع السعودية وإيران بالعراق، وعلى استعمال القوة المسلحة في ذلك. أفهم من كلام برنارد لويس انه يحرّض على القتل في بلاد لي فيها اصدقاء شخصيون، لذلك استطيع ان ارد على بذاءته ببعض الإهانة، فهو يعيش على بقايا سمعته، وقد انتقل نهائياً الى صفوف اليمين المتطرف بعد ان مارس ادوارد سعيد فيه ذلك "التدمير الخلاق" الذي يدعو إليه الآن، فالكتاب "الاستشراق" ألغى سمعة لويس الأكاديمية. طبعاً، أنا اقول هذا، وأنا صديق ادوارد سعيد وعائلته، لذلك أترك الكلام لواحد من أحقر المحافظين الجدد هو ديفيد فروم، ففي مقال حقير مثله بعد وفاة ادوارد سعيد السنة الماضية كتب انه كان بين اهداف "الاستشراق" مهاجمة حياة برنارد لويس وعمله، وقد رد هذا على الكتاب ب"بحث مدمر". وهكذا فأنا اقول ان ادوارد سعيد دمّر برنارد لويس، وديفيد فروم يقول ان برنارد لويس رد بتدمير مضاد. وبما ان كلاً منا يدافع عن صاحبه فمن يكون الحكم؟ استشهد بفروم مرة اخرى فهو يقول في المقال نفسه: "ان لويس ربح المعركة الفكرية رأي فروم إلا انه خسر الحرب الأكاديمية، وطلاب سعيد أعادوا صوغ مناهج دراسات الشرق الأوسط"، وهو يكمل معترفاً بأن أساتذة الجامعات حول العالم تأثروا بفكر سعيد لا برنارد لويس. أتوقف هنا لأعتذر من القارئ، فقد أرهقته بحديثي عن المحافظين الجدد، إلا ان عذري انه مستهدف بجرائمهم التي وقعت والتي ينوون تنفيذها مع فوز جورج بوش بولاية ثانية وعندي على سبيل التخفيف قصة عن برنارد لويس من دراستي الأدبية، فكما ان ديفيد برايس جونز الحلقة .......... ابتعد عنا بسبب بصقة وركلة، فقد ابتعدت عن برنارد لويس بسبب كذبة له، او خطأ فاضح. وكنت أقرأ له عندما كان وسطياً، إلا انه تحول تدريجاً نحو التطرف وانتهى الى يمين آرييل شارون، ثم قرأت له مرة ان القرآن الكريم نفسه يهاجم العرب ويقول انهم "اشد كفراً ونفاقاً"، وقررت انه سقط. الكلام معروف وهو عن الأعراب لا العرب، ولكن حرت إزاء ما قرأت، فهل برنارد لويس لا يعرف فعلاً الفارق بين العرب والأعراب، او انه يكذب؟ في الحالين فهو ساقط في نظري. وأكتب من الذاكرة ما قد يوقعني في خطأ ينفذ منه برنارد لويس إليّ، فأنا أذكر ان المستشرق رينولد نيكولسن او لعله الإسباني ميغيل بلاسيوس حقق "رسالة الغفران"، وكان ينشر في مجلة الجمعية الآسيوية الملكية، خصوصاً عن الصوفية. "رسالة الغفران" لا تُقرأ ولا تفهم من دون ان يضع القارئ المعاجم بجانبه، وأبو العلاء المعري الضرير، يستطرد احياناً، حتى انه قد يفصل بين اول كلام له وآخره صفحات، ومع ذلك فنيكولسن حقق كلامه بدقة مذهلة وحسن إدراك. ثم جاء بيت من الشعر هو: أعجبي أمّنا لصرف الليالي جعلت اختنا سكينة فارة. وحاول نيكولسن شرح البيت، وقلبه على اوجه، ثم اعترف بالعجز عن فهمه، والسبب الذي قد لا يصدقه القارئ العربي ان هذا المستشرق العظيم لم يعرف ان "سكينة" اسم البنت، فهو اعتقد انها سكنت فارة، ولم يفهم المعنى. هل خلط برنارد لويس بين العرب والأعراب قصداً او لأنه مهما تعلم المستشرق تظل معرفته بنا ناقصة؟ شخصياً لا أعرف الجواب، وإنما اخترت ان أختتم الموضوع بقصة ادبية تخفيفاً على القارئ.