يعود إليّ بين حين وآخر السؤال: لماذا خربت الدنيا حولنا؟ أو: كيف انهار عالمنا؟ وثمة ألف سبب للخراب، نحن المسؤولون عن أكثرها، غير انني كنت أراجع أخيراً تفاصيل مؤتمر نظمته مؤسسة هدسون، وهي من معاقل المحافظين الجدد، بعنوان "نهاية الشراكة الأميركية - السعودية" ووجدت بعض الجواب. أكثر ما يلفت في التقرير عن المؤتمر ان جميع المشاركين باستثناء واحد أو اثنين متطرفون، ومن المحافظين الجدد الذين لعبوا باستمرار دوراً في تخريب علاقة الولاياتالمتحدة مع البلدان العربية والإسلامية. والكل يهود، أيضاً باستثناء مشارك واحد أو اثنين، إلا أنني أريد أن أسجل بوضوح ان المتطرفين الليكوديين من اليهود الأميركيين قلة، فالغالبية العظمى وسطية معتدلة يمكن عقد سلام معها، الا ان المؤسف ان أنشط مراكز اللوبي اليهودي الأميركي في خدمة اسرائيل تحول تدريجاً في السنوات الأخيرة الى تأييد تطرف آرييل شارون وجرائمه، في شكل لا يعكس التوجهات العامة لليهود الأميركيين. وأسجل نقطة ثانية قبل الخوض في الموضوع هي أنني عندما أكتب كما أفعل اليوم، أكتب لانتقاد طرف، أو تفنيد الزيف في أفكاره، فيبدو ما أكتب دفاعاً عن طرف آخر. غير انني اليوم أهاجم تطرف مؤسسة هدسون والباحثين المزعومين فيها، من دون أن أدافع عن المملكة العربية السعودية، فليس من عملي الدفاع، وهناك مجال واسع للاصلاح في السعودية أنا من طلابه، وهناك نقص في مساحة الحرية الشخصية. ولعل مثلي الأوضح في الكتابة "مع" و"ضد" هو انني أنتقد حكومة السفاح شارون واجراءاتها النازية بحدة ومواظبة حتى الملل، ومع ذلك فقد كنت أول من طالب الرئيس ياسر عرفات بالاستقالة في رسالة مفتوحة، وقبل أن تصبح هذه المطالبة "موضة" عربية وفلسطينية، ولا تمنعني خطايا الحكومة الاسرائيلية من تسجيل أخطاء السلطة الوطنية، وما أكثرها. وأجد ضرورة تسجيل نقطة ثالثة قبل أن أمضي مع مؤسسة هدسون ومؤتمرها، فحديثي هو عن المحافظين الجدد، وأزعم انهم خططوا لتدمير العراق، وليس لمجرد اطاحة صدام حسين، وتعمدوا ألا تكون هناك خطة للسلام، أو "استراتيجية خروج" بعد الحرب، لينهار الوضع الأمني كما نشاهد اليوم، كما ازعم انهم كانوا يرجون أن يدمروا ايران وسورية والمملكة العربية السعودية بعد العراق، لأنهم يعتقدون ان دمار المنطقة على رؤوس شعوبها يضمن أمن اسرائيل. وهم إذا كانوا يضحون بزهرة شباب أميركا من أجل اسرائيل، فلن يحرك ضمائرهم أن يموت نساء وأطفال عراقيون، أو فلسطينيون، تحت أنقاض بيوتهم. ونقطة رابعة سريعة، فأنا أكتب عشية انتخابات الرئاسة الأميركية، والمحافظون الجدد مسؤولون عن كل ما نشكو منه في ادارة جورج بوش. أرجو أن يتذكر القارئ النقاط السابقة، وهو يقرأ عرضي تفاصيل المؤتمر عن "نهاية" العلاقة الأميركية - السعودية، وهو عرض استعنت فيه بالزميلة سوزانا طربوش، وهي خبيرة بارزة في الموضوع وفرت لي معلومات وأفكاراً مهمة. سعى المحافظون الجدد دائماً لتخريب العلاقة الأميركية - السعودية، وجاء ارهاب 11/9/2001 ليعطيهم ذخيرة اضافية في حربهم على بلد الحرمين الشريفين، والسعودية كانت الهدف الأساسي للكتاب "نهاية الشر" من تأليف ريتشارد بيرل وديفيد فروم. وإذا كان هناك شر أو أشرار، فالمؤلفان في وسطه، وبيرل، أو "أمير الظلام" ترأس يوماً مجلس سياسة الدفاع، وخسر الرئاسة في فضيحة تضارب مصالح، ثم خسر العضوية في فضائح تالية، وهو عضو مجلس أمناء مؤسسة هدسون، وباحث مقيم في مؤسسة أميركان انتربرايز، ورأيه انه يجب ضم السعودية الى "محور الشر". طبعاً هو يفهم بالشر لأنه شرير بالكامل، ومثله فروم، وهذا كان كاتب خطابات للرئيس بوش خسر عمله بعد أن كذب زاعماً انه نحت عبارة "محور الشر" والتجأ الى دور البحث المتطرفة ليجد له موقعاً يبث منه شروره. الحملات على السعودية زادت بما يناسب وجهة نظر مديرة مركز سياسة الشرق الأوسط في مؤسسة هدسون، الاسرائيلية ميراف وورمزر التي كانت اشتركت في تأسيس معهد ميمري للترجمة مع الكولونيل السابق في الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية ايغال كارمون قبل أن تختلف معه وتنفصل عنه. ميراف وورمزر هي نصف ثنائي معروف، فزوجها ديفيد وورمزر يعمل منذ أيلول سبتمبر 2003 مستشاراً لنائب الرئيس ديك تشيني، حيث ينشط لويس ليبي، مدير مكتب نائب الرئيس، وهو متطرف آخر من المحافظين الجدد. وكان وورمزر عمل في السابق مساعداً خاصاً لوكيل وزارة الخارجية للحد من التسلح والأمن الدولي جون بولتون، وهو من العصابة نفسها ومتطرف آخر لا يجوز أن يعطى موقعاً في ادارة السياسة الخارجية الأميركية، لأنه وأمثال وورمزر وبيرل وليبي يعملون لاسرائيل، في شكل زاد معدلات الكره للولايات المتحدة حول العالم الى مستويات مخيفة، باعتراف تقارير أميركية رسمية، مع ان الولاياتالمتحدة لا تستحق هذا، فقد كانت في السابق أكثر شعبية بكثير من دول الاستعمار السابق. وهكذا فمركز ميراف وورمزر ينظم مؤتمراً عن السعودية ليس فيه سعوديون، بل ليس فيه خبراء حقيقيون في الشأن السعودي، وانما اسرائيليون تفيض نفوسهم بأحقاد قديمة. وان وجد عرب في بعض المؤتمرات فهم حتماً من مستوى فكري أو أكاديمي محدود أو "محدد" وأصحاب قضايا معروفة، ولا يمكن أن يبدوا وحدهم آراء موضوعية أو بناءة لأنهم طرف في القضية المعروضة. وأصر على حقهم جميعاً أن يبدوا رأيهم شرط سماع الرأي الآخر وليس عندي من أسماء سوى عمر خرسو وميشال عون ووليد فارس وزياد عبدالنور. مع ذلك مركز سياسة الشرق الأوسط يزعم انه "مصدر محترم للمعلومات التي يتلقاها صانعو السياسة الأساسيون في الولاياتالمتحدة واسرائيل، وفي العالم العربي في حالات معينة". إذا "ترجمت" هذا الكلام فهو يعني ان "اسرائيليين" أميركيين واسرائيليين يحددون ملامح السياسة الأميركية، وهذا ليس ما نعرف في المؤتمرات عن السعودية وغيرها في بريطانيا حيث المعهد الملكي للشؤون الدولية في تشاتام هاوس، ومعهد القوات المتحدة الملكي حيث يقوم حوار حقيقي متعدد الأطراف. وكنت أقرأ تقرير مؤسسة هدسون، وأقرأ في الوقت نفسه التقرير السنوي عن التوازن العسكري للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ومقره لندن، ولا أملك سوى المقارنة، والثاني يقول ان الحرب على العراق أضعفت مواجهة ايران وكوريا الشمالية وزادت خطر الارهاب، ما أحمل هدسون وغيرها مسؤوليته. هذا البلاء هو نتيجة عمل عصابة المحافظين الجدد، خصوصاً عندما تعتمد مؤسسات البحث على أمثال لوران مورافيتش، فأكمل به غداً.