بعد فيلم "سعيد أفندي" مع المخرج الراحل كامران حسني، وبعد عرضه في بغداد في 6 / 11 / 1957 ولم أكن حاضراً بسبب وجودي آنذاك في فيينا كنت أفكر بكتابة سيناريو آخر يصب في مجرى الرؤية التي دفعتنا لأن نقدم سعيد أفندي وكانت في بالي... فكرة مستوحاة من البلامة أي أصحاب الزوارق. ومن مكان تجمعهم "الشريعة" أي المرسى رحت اكتب متابعاً من استذكر من شخصيات قريبة إلى نفسي وأحداث عشتها منذ عام 1948 ومن بعدها... وموقف الشعب العراقي مما كان يجري في الأرض المحتلة... وأكملت سيناريو سميته "بالصيف ضيعت اللبن!...". بعد ثورة 14 تموز يوليو عام 1958 عدت إلى العراق حاملاً النص معي وبتصوري ومخيلتي أفكار وصور تعيش معي مكملة الرؤية التي أتشوق إليها في أن يكون هناك فيلم جديد آخر يحمل نكهة الفيلم الأول وروحه... "سعيد أفندي". ولم تتحقق تلك الرغبة... من المخرج كامران الذي كان في تصور آخر... وحينما باشرنا التحضير للفيلم... واخترنا المخرج التلفزيوني المعروف يوسف جرجيس حمد شعرنا ان ظرف العمل في المنطقة التي اخترناها "شريعة ابن طوبان في خضر إلياس" لم يكن مناسباً، وان التأزم السياسي آنذاك بين أطراف تحمل تناقضاتها جعل من العمل استحالة لا يمكن تجاوزها... فألغينا المشروع وحولت السيناريو إلى مسرحية سميتها "الشريعة". استجدت عندي فكرة أخرى... أن احول واحدة من مسرحياتي التي نالت نجاحاً في المسرح "تؤمر بك" إلى فيلم سينمائي، وبدأت اكتب السيناريو وأطلع المخرج يوسف جرجيس على ما اكتب وكان مسروراً ومتحمساً له... وتأسست شركة من مجموعة من الأصدقاء لإنتاج الفيلم... وكان المخطط أن تجري المراحل النهائية... من طبع نسخة العرض في تشيكوسلوفاكيا، كما كانت تسمى. وحاولت إشعار الجهات التشيكية بذلك عند زيارتي لبراغ... ولأستوديو باراندوف... وكنت آنذاك مديراً عاماً للسينما والمسرح... بدأنا التصوير بحماسة كبيرة مع مجموعة من الممثلين والفنيين واخترنا محمد شكري جميل المونتير المعروف لدور "ابن البيك" فضلاً عن عمله كمونتير في الفيلم. كانت خطوات العمل منظمة... لكن بطئاً ظاهراً فيه... وان إيقاع العمل لم يكن يتم على صعيد التنفيذ كما هو مطلوب بل صارت العملية أشبه بتنفيذ عمل تلفزيوني لا ينقصه سوى الأستوديو وثلاث كاميرات. انتبهنا جميعاً إلى ذلك... وأولهم المخرج نفسه، وكان محمد شكري جميل... صاحب الخبرة المتواضعة في الإخراج، يسرني بملاحظات بين حين وآخر... وأنا أوصلها إلى المخرج يوسف جرجيس وكان يتقبلها برحابة صدر. وكان لا بد من اتخاذ خطوة عملية في هذا المجال أن يدخل محمد شكري جميل شريكاً في العملية الإخراجية مع يوسف" التنفيذ التطبيقي ان جاز لي هذا التعبير يكون مسؤولاً عنه، أعني محمد شكري والرؤية العامة... والخطة لدى يوسف تتألف مع دقة التنفيذ وتسلسل خطوات العمل. يوسف جرجيس كان سيد الموقف وكنا جميعاً نتبادل الرأي بروح الجماعة... واستمر العمل ويوسف يتأمل كل الحالات بعقلية الفنان الواعي... وبمساعدة شريكه محمد شكري جميل حتى تم تصوير الفيلم... ومنتجته... وتقرر أن تكون المراحل الأخيرة منه في بغداد وفي مصلحة السينما والمسرح وليس في استوديو باراندوف... كما كان مقرراً بسبب ضيق الإمكانات المادية. وتم ذلك... ليعرض الفيلم في 18/6/1962 عبر تجربة تعاونية في الإخراج بين المخرج التلفزيوني يوسف جرجيس والمونتير والممثل التلفزيوني محمد شكري جميل... الذي ظل مخرجاً له باع طويل في إغناء العمل السينمائي في العراق... وحينما توقف الإنتاج السينمائي تحول الى مخرج تلفزيوني لمسلسلات عراقية كبيرة... ولنا حديث آخر عنه... يوسف العاني فنان عراقي كبير من مؤسسي المسرح والسينما في بلاده