حقق سعر المتر المربع في العقارات السكنية في بيروت ارقاماً قياسية لم تشهدها احياء راقية في لندن، على سبيل المثال، وبلغ سعر المتر نحو تسعة الاف دولار في"المشاريع الفاخرة"مقابل ما لا يزيد على خمسة الاف دولار في مشاريع مماثلة في منطقة بلغرافيا الفاخرة وسط لندن علماً ان عقارات لندن تنمو بمعدل وسطي يتجاوز عشرة في المئة سنوياً. وافاد تحقيق عن سوق العقار في بيروت تفاوتاً في وجهات نظر العقاريين وسكان العاصمة الذين يخشون من ان ارتفاع اسعار العقار فيها سيجعلها"منطقة مغلقة"امام سكنهم في المستقبل! ترتفع المباني السكنية الفاخرة وسط بيروت والمنطقة المحيطة به حيث ازدهرت سوق العقارات بثروات عربية في حين يخشى اللبنانيون من أن ارتفاع الاسعار يجعل العقارات في بلادهم في غير متناول أيديهم. وتدعمت التنمية العقارية في العامين الماضيين بأكبر مشروع عقاري في لبنان لاعادة بناء وسط بيروت بعد الحرب بالتركيز على اقامة الشقق السكنية الفاخرة وبيعها لزبائن أثرياء من دول الخليج او المقيمين فيه. ويقول موريس مدور مدير مركز جفينور العقاري "بيروت أصبحت مدينة الاغنياء كما أرادت لها سوليدير". ويضيف:"هذا المفهوم الجديد للرفاهية والارستقراطية في بيروت يتسع نطاقه اليوم بسبب الطلب المتزايد من جانب العرب والخليجيين خصوصاً". ويمتد الطلب الى ابعد من وسط بيروت. ويقول مسؤولون عن التنمية العقارية"ان هناك أكثر من 50 مشروعاً قيد الانشاء في بيروت الغربية وعدداً مماثلاً قرب وسط المدينة". وتراجعت أرباح"سوليدير"عام 2003 بأكثر من النصف بسبب ما اعتبره المحللون اضطرابات في السوق نتيجة تداعيات حرب العراق على المنطقة لكن سماسرة العقارات يقولون"ان كل الدلائل تشير الى أن ذلك كان مجرد حالة انخفاض موقتة في سوق تتجه الى الصعود عموماً". ويقول رجا مكارم من شركة"رامكو"العقارية"هذا الازدهار حقيقي وصحي كما تشير بيانات الشقق المباعه مسبقاً في المشاريع الفاخرة في منطقة المارينا وسط بيروت وغربها وبلغت نسبة الشقق المباعة مسبقاً 60 في المئة". تسعة الالف دولار للمتر! وشهدت فترة الازدهار هذه ارتفاع الاسعار الى 9000 دولار للمتر المربع في بعض المشاريع السكنية وتشكل أحد وجوه تدفقات رأس المال التي جعلت لبنان وجهة للعطلات والاستثمارات. ويقول متعاملون في السوق ان عدداً كبيراً من العرب من الذين خافوا التعرض للمضايقات في الدول الغربية منذ ما بعد هجمات 11 أيلول سبتمبر عام 2001 على الولاياتالمتحدة، اختاروا قضاء عطلاتهم وانفاق أموالهم في دول عربية مسلمة متطلعين الى سوق العقارات اللبنانية. ويقول مدور"الهجمات جاءت بعدد كبير من المستثمرين والمشترين العرب الى لبنان. فالاغنياء من الخليج يريدون في نهاية الامر الاستفادة من ثرواتهم النفطية". ويضيف"أن خدمات الضيافة اجتذبت كذلك الكثير من الاموال العربية". ويمكن لأي أجنبي شراء ما يصل الى ثلاثة الاف متر مربع من الاراضي في لبنان والمزيد بعد الحصول على تصريح عبر مرسوم في اطار سياسة تشجيع بيع الاراضي التي يقول المسؤولون عن تطوير العقارات"انها أنعشت السوق منذ بدئها عام 2001". والتدفقات النقدية مرحب بها في السوق لكن بعض اللبنانيين يخشى من أن الغنى الناجم عن العقارات يأتي على حساب تغيير وجه بلد ربما لا يقدر سكانه على تكاليف العيش فيه. وتقول جنان ابو مراد، وهي سكرتيرة ادارية عاطلة عن العمل،"ألا يكفي أن ابناءنا يتخرجون ويغادرون البلاد لتحسين أوضاعهم حتى اصبحنا كذلك نبيع اراضينا وممتلكاتنا للاجانب"! وتضيف:"أنا ضد هذه الفكرة تماماً. لبنان بلد صغير يجب أن يظل ملكاً للبنانيين". قانون تمليك الاجانب وتعكس تصريحاتها آراء عدد من اللبنانيين الذين يشعرون أن قانون عقارات يستهدف تشجيع المشترين الاجانب"سيجعل من بيروت مكاناً لا يقوى سوى قلة منهم على العيش فيه". ويقول محام 44 عاما يعمل في شركة في بيروت، طلب عدم نشر اسمه،"أنا ضد قانون تمليك الاجانب الذي يجبر سكان بيروت على مغادرة عاصمتهم". وبدأ ذلك يحدث بالفعل مع بعض المشترين اللبنانيين المحتملين. ويقول مكارم"ان الذين لا يقوون على أسعار العقارات في بيروت يلجأون الى الضواحي القريبة مثل الكسليك وادما وعرمون حيث تراوح الاسعار بين 400 و800 دولار للمتر المربع". ويخشى لبنانيون آخرون أن تكون بيروت هي البداية. ويقول موظف لبناني 50 عاما"الواقع أن لبنان بلد صغير تبلغ مساحته عشرة الاف كلم مربع... اذا استمر بيع الاراضي والشقق للعرب سنفقد أغلب أراضينا". وقد يصبح ذلك أمراً واقعاً في بلد تعقد مشاكله المالية والمنافسة التي يواجهها من دبي وغيرها من المراكز في المنطقة حلمه في أن يستعيد مكانته كمركز تجاري بارز والتي كان يتمتع بها قبل الحرب الاهلية بين عامي 1975 و1990. ويقول مكارم"أعتقد أن هذا هو الحل الوحيد لتحقيق المزيد من الازدهار"موضحاً"أن فرض اجراءات مثل تقييد حجم مشتريات الاراضي في القرى البلدات الصغيرة قد يخفف من ضيق اللبنانيين من بيع الاراضي للاجانب". ويضيف"نحن نأمل دائما في تحقيق استثمارات قابلة للاستمرار في قطاع العقارات وعندما يبدأ ذلك في الحدوث نشعر بالقلق من آثاره".