رالي باريس - داكار الشهير، أو نجوم كرة القدم السنغالية، ربما هذا ما يوحي به للمرء سماع اسم العاصمة السنغالية. لكن هذه المدينة التي يكاد المحيط الاطلسي يبتلعها، تختزن في شوارعها الضيقة والمزدحمة الكثير، وتروي زواياها المترامية القصص والحكايات التي تخلط الخيال بالاسطورة والحقيقة بالوهم والواقع بالموروث الشعبي. في شوارعها يتعايش القديم مع الحديث والتقليدي الأصيل مع المستورد، من خلف البحار وعلى أرصفة المدينة تفرش ألواح خشبية لبيع الأسماك وفي الخلفية شبان يغوصون في أعماق الأنترنت. تعد السنغال واحدة من أجمل الدول الواقعة غرب القارة الأفريقية وأكثرها تنوعاً في الطبيعة والمناخ إذ تمتد من الشاطئ الى الصحاري الشاسعة مروراً بالارياف. وتمتاز عن غيرها من أقطار القارة السوداء كونها تشهد استقراراً سياسياً واجتماعياً منذ عقود طويلة، كما أن أهلها الذين يعتنق حوالي 95 في المئة منهم الدين الاسلامي يمتازون بطيب الأخلاق وحسن الاستقبال. البداية من داكار جولة الزائر في داكار عادة ما تبدأ من ميدان الاستقلال تماماً مثل ميدان التحرير في القاهرة. فيه يحتفل السنغاليون كل عام ومنذ العام 1960 باستقلال بلادهم من الاستعمار الفرنسي. ورغم مرور أكثر من أربعين عاماً على خروج الحاكم الفرنسي من المدينة إلا أن الشواهد العمرانية لا تزال تذكّر بذلك العهد. وإن كان بعض هذه المباني تحول فندقاً أو مصرفاً إلا ان كثيراً منها تحول مباني حكومية، إذ لا يبعد القصر الجمهوري أو مقر بلدية داكار عن ميدان الاستقلال سوى خطوات معدودة. ورغم ارتفاع درجات الحرارة في هذا الوقت من العام، وكذلك ارتفاع درجة الرطوبة في الجو بسبب تأثير المحيط الاطلسي، إلا أن المتجول او المتسوق في شوارع وأزقة داكار قد لا يكل ولا يمل وهو يتنقل بين دكاكين صغيرة تعرض ما جادت به قريحة الفنانين السنغاليين من حفر على الخشب أو نقش على الصدف البحري أو رسم على القماش بالألوان المائية أو بالرمل البحري الملون. وبين الدكاكين، وعلى أرصفة تضيق بالمشاة، تنتشر "بسطات" خشبية تبيع عليها النساء الزهور والأقراط والسلاسل التي تجمع الخشب بالعاج او ما شابهه من المواد ذات الألوان الزرقاء والحمراء والأرجوانية. وأكثر ما يلفت انتباه المتجول في شوارع داكار حافلات النقل الصغيرة التي هي أشبه بشاحنات نقل أُعيد تصميمها لتصبح حافلات شعبية تنقل الناس بين وسط المدينة وأطرافها. وطبعاً تتوافر سيارات التاكسي التي لا تعمل بالعداد وإنما يخضع تقدير الأجرة الى شطارة السائق او الراكب. ويوجد كذلك نموذج فريد من التاكسيات عبارة عن دراجة نارية تحمل اشارة "تاكسي" وتحمل راكباً واحداً، وربما يفضلها بعضهم خصوصاً في ساعات الازدحام. البحيرة الوردية على بعد حوالي 30 كلم الى الشمال من داكار، كانت دهشتي الكبرى عندما اقتربت من أطراف "البحيرة الوردية" كما يسميها أهل السنغال، أو "بحيرة الملح" أو "بحيرة ريتبا" كما يطلق عليها أهل قرية "لوما" المجاورة. ومثار الدهشة هنا لون المياه الوردي في هذه البحيرة التي لا تبعد سوى 200 متر عن المحيط الاطلسي. وكل من تسأله يعيد سبب تلون المياه الى نوع من المخلوقات المايكروبية التي تعيش في قاع البحيرة، ويقول الناس انه كلما اشتدت أشعة الشمس على البحيرة كلما اقترب لونها الى الاحمرار. مياه البحيرة شديدة الملوحة وتصل الى عشرة أضعاف ملوحة البحار والمحيطات، وكثافتها تصل الى درجة أن كل لتر مكعب من المياه يحتوي على 380 غراماً من الملح. ولأن المياه ليست عميقة فإن قاعها عبارة عن أطنان مكدسة من الملح الذي بات جمعه مصدر رزق وتجارة للسكان المحليين. وهذا ما يفسر ماهية تلك الأكوام والتلال البيضاء والبنية التي تتكدس على أطراف البحيرة. عشرات الأطفال والنساء والرجال بعضهم يقف وسط البحيرة ويجرف بمواعين بلاستيك الملح من قاع البحيرة ثم ينقله بقارب صغير الى قرب الشاطئ حيث تقوم النساء بنقل عشرات الأطنان من الملح الى أطراف البحيرة ليبدأ الشبان والأطفال تعبئتها بانتظار وصول التاجر الذي يشتريها بأثمان بخسة لا تساوي في أي من الأحوال ملوحة العمل ومشقته. وتشتهر "البحيرة الوردية" كونها تشكل نقطة انطلاق المرحلة الأخيرة من مراحل رالي باريس - داكار العالمي. ولهذا السبب يجد الزائرون أماكن للإقامة أو مواقع مخصصة للتخييم. كما أنها تشهد سوقاً شعبية اسبوعية تجمع سكان القرى المجاورة ويباع فيها كل المنتجات الزراعية والحيوانية ومصنوعات يدوية معظمها من الخشب. جزيرة العبيد جزيرة غوري! ما أن تنطق بهذا الاسم حتى يقفز الى ذهن سامعيك من السنغاليين تاريخ طويل ومؤلم من تجارة الرقيق التي راجت ما بين 1500 - 1800 ميلادي والتي أشار اليها تقرير صدر عن منظمة اليونسكو العام 1987 يحكي فظاعة ما حصل للأفارقة وهول الكارثة الانسانية التي حلت بهم من أجل "تعمير" أميركا! و جاء في التقرير أن افريقيا فقدت من أبنائها في تجارة الرقيق نحو 120 مليون نسمة، وأن ما لا يقل عن خمسة وعشرين مليوناً من الذين شحنوا من جزيرة غوري الواقعة في مواجهة العاصمة السنغالية هلكوا قبل أن يصلوا إلى العالم الجديد. زيارة الجزيرة، كما يقول بعضهم، هي واجب على كل زائر للتعرف على هذا التاريخ القاسي الذي تسجله بقايا أبنية وأقبية يخيل اليك أنك تسمع من خلفها أو من أعماقها صرخات بشر كانوا يساقون الى أقدارهم مكبلين مقيدين، يباعون ويشترون في اسواق النخاسة العالمية. تبعد الجزيرة مسافة عشرين دقيقة بالمركب في مياه المحيط قبالة ميناء داكار. يشتري الزوار والسكان بطاقات المركب من مكتب مخصص في الميناء بحوالي 8 دولارات للفرد. ويُنصح الزوار الاستعانة بدليل عند الوصول الى الجزيرة أولاً ليتجنبوا مضايقة الباعة المتجولين الذين ينتشرون بكثرة في أزقة الجزيرة وثانياً ليتمكنوا من فهم ماهية وتاريخ المباني التي يصادفونها خلال التجوال في أرجاء الجزيرة التي تصل مساحتها الى 45 فداناً. وغالباً ما يطلب الدليل مبلغاً لا ينبغي أن يتجاوز العشرة دولارات. في الجزيرة الآن نصب ومتحف يخلدان ذكرى مأساة الملايين من الأطفال والرجال والنساء الذين كانوا يكدسون في مخازن ضيقة أقيمت في الجزيرة بانتظار مصيرهم المجهول حيث تحملهم سفن التجار الى البحر الكاريبي والاميركيتين وغرب أوروبا وجنوب أفريقيا. وما يرويه العارفون بتاريخ الجزيرة تقشعر له الأبدان خصوصاً عندما يخبرون كيف أن التجار كانوا يعمدون الى تفريق العائلات وبيع وشحن افراد الأسرة الواحدة الى بلدان وقارات مختلفة. بعد جولة في أرجاء الجزيرة يعود السياح الى الشاطئ بانتظار المركب الذي ينقلهم ثانية الى داكار، بعضهم يأكل وبعضهم يتناول المشروبات الباردة... وبعضهم يغتسل في مياه المحيط لعله يتطهر من ذنوب أجداده. وقاية ضرورية ينصح الزوار والسياح بأخذ اجراءات وقائية قبل السفر الى السنغال من قبيل لقاحات شلل الأطفال، التيفوئيد، التيتانوس، الحمى الصفراء والملاريا. كما ينصح بعدم شرب مياه الصنابير والاعتماد على زجاجات المياه المعدنية. الطقس في السنغال غير حار بشكل عام و درجات الحرارة على العموم تتراوح ما بين عشرين وثلاثين درجة مئوية، غير أن العاصمة تشهد درجات رطوبة عالية بسبب وقوعها على المحيط الاطلسي. تسقط الامطار في حزيران يونيو وأيلول سبتمبر وهو ما يعتبر فصل الشتاء. نشاطات سياحية يمكن للسياح ممارسة هوايات متعددة في مناطق السنغال المتنوعة الطبيعة والمناخ. يمكن لهواة صيد الأسماك قضاء ساعات طويلة في ممارسة هواياتهم على ضفاف دلتا "سالوم" الغنية بالأسماك او على ضفاف عشرات الجزر الصغيرة المنتشرة مقابل الساحل والمظللة بأشجار "برعبان" الاستوائية. ويمكن استئجار قوارب ومعدات خاصة بالصيد من الفندق أو من محلات توجد غالباً في المناطق التي يتردد عليها هواة الصيد بالقصبة. وعلى الشواطئ المحاذية لمدينة داكار يستطيع هواة التزلج على المياه متابعة هواياتهم باستئجار ألواح التزلج ومعدات السلامة، كما أن نادي "كايك" ينظم شهرياً رحلات بالقوارب المطاطة في أهم أنهر السنغال أو في عرض المحيط الاطلسي. كما تنظم نواد أخرى جولات للغوص البحري وتحديداً بالقرب من شواطئ جزيرة "غوري". وبالطبع لا يمكن نسيان رحلات السفاري التي تنظمها مكاتب خاصة، ومن خلالها يستمتع الزائر بسبر أعماق الصحراء الافريقية مروراً بالغابات والأرياف وضفاف الأنهر السحيقة والتي تعتبر كلها معرضاً مفتوحاً للحياة البرية.