انعقاد أعمال اجتماع الطاولة المستديرة الوزارية للرؤية السعودية اليابانية 2030    نائب وزير الخارجية يلتقي المبعوث الأممي لسورية    الأحساء من أهم مناطق الحرف اليدوية    إطلاق المرحلة الثانية من البرنامج التأهيلي لمعلمات رياض الأطفال في الفنون الموسيقية    برعاية الملك.. انطلاق «مؤتمر الحج 2025» في جدة غداً    "الحج والعمرة" توقّع اتفاقية ترتيب شؤون حجاج دولة الكويت لحج 1446ه    4659 زيارة منزلية للمرضى في 2024    ضبط مواطن مخالف لنقله حطباً محلياً في منطقة المدينة المنورة    بعد تحرير «ود مدني» والرواد.. الخرطوم الهدف القادم للجيش    جامعة الملك فهد للبترول والمعادن توقع 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم    صافرة "مانزانو" تضبط قمة "الكلاسيكو" بين ريال مدريد وبرشلونة في جدة    وزير العدل يبحث مع المنسق المقيم للأمم المتحدة سبل تعزيز التعاون    فتح التسجيل للممارسين الصحيين لحضور ملتقى نموذج الرعاية الصحية "رعاية وأثر"    الطائي يتغلّب على أبها بهدفين في دوري يلو    أمير الشرقية يدشّن النسخة العاشرة من مهرجان تمور الأحساء المصنّعة    آل بن محفوظ يستقبلون المعزين في فقيدتهم    80 شركة سعودية ويابانية في اجتماع مجلس الأعمال المشترك    وزير الخارجية يبحث المستجدات مع نظيره في الإدارة السورية الجديدة    ختام بطولة المنطقة الشرقية للملاكمة المؤهلة لنهائيات كأس المملكة    صالون ملتقى الأدباء ينظم أمسية شعرية على مسرح مانقروف بجدة    مباحثات دفاعية سعودية - أميركية    اجتماع الرياض: دعم خيارات السوريين.. والتأكيد على بناء دولة موحدة    «هيئة هلال نجران» تتلقى 12963 بلاغاً خلال عام 2024    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الأميرة فهدة بنت فهد بن خالد آل سعود    مركز القلب بمستشفى الملك فهد الجامعي يحقق إنجازًا في علاج أمراض القلب والرئة المعقدة    استولوا على أكثر من 2.8 مليون ريال.. شرطة منطقة مكة تقبض على محتالي سبائك الذهب المزيّف    أمير الرياض يستقبل سفير كينيا المعين حديثًا لدى المملكة    أمير الرياض ونائبه يعزي وزير السياحة في وفاة شقيقته    استشهاد وفقدان قرابة 5000 فلسطيني شمال قطاع غزة    أمير الشرقية يطّلع على التقرير السنوي للهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين    «الصحة العالمية»: تسجيل أكثر من 14 ألف حالة إصابة مؤكدة بجدري القرود في أفريقيا    زلزال بقوة 4.8 درجة يضرب وسط إثيوبيا    تجربة استثنائية لمشاهدة أسرار مكة والمدينة في مهرجان الخرج الأول للتمور والقهوة السعودية    مركز الملك سلمان للإغاثة يحصد 5 جوائز دولية خلال عام 2024    المياه الوطنية تشرع في تنفيذ حزمة مشاريع لتطوير الخدمات البيئية بجدة ب42 مليون ريال    463.5 مليون دولار دعم يشمل 100 ألف مواطن عماني    وزراء خارجية جمهورية العراق وتركيا يصلون إلى الرياض    جدل بين النساء والرجال والسبب.. نجاح الزوجة مالياً يغضب الأزواج    10 مليارات لتفعيل الحوافز المعيارية للصناعيين    أمير القصيم يشكر المجلي على تقرير الاستعراض الطوعي المحلي لمدينة بريدة    ثنائية نوال ورابح صقر.. الطرب في أعماق جدة    من بلاغة سورة الكهف    «الصخر الشاهد» .. رفع الوعي بالثروات الطبيعية    30 يومًا لهوية مقيم للخروج النهائي    منع مرور الشاحنات من طريق السيل الكبير    برامج لذوي الإعاقة    «جوجل» تتيح إنشاء بودكاست شخصي    لاعبو النصر: سنقاتل حتى آخر جولة    وصول الطائرة الإغاثية التاسعة مطار دمشق.. مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية للمناطق السورية    يعود تاريخ صنعها إلى أكثر من 60 عامًا.. السيارات القديمة تثري فعاليات مهرجان «حرفة»    «مجيد».. ليلة من تفرد الغناء    «الغذاء والدواء»: احذروا «ببروني»    ماتياس والرئيس    جوارديولا: ووكر طلب الرحيل عن مانشستر سيتي    «اسلم وسلّم».. توعية سائقي الدرّاجات    الديوان الملكي: وفاة والدة صاحبة السمو الملكي الأميرة فهده بنت فهد بن خالد بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود    للمملكة أهداف أنبل وغايات أكبر    القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ياسر عرفات / أبو عمار : ما قبله وما بعده و ... ما بين؟ - أحجية الزعامة وتحديات المستقبل
نشر في الحياة يوم 15 - 11 - 2004

لا يتعاطى الفلسطينيون مع ياسر عرفات على انه مجرد قائد سياسي فقط، او مجرد رئيس فحسب. فهو بالنسبة لهم اكبر واكثر واعمق من ذلك. انه زعيمهم وصانع هويتهم الوطنية وقاسمهم المشترك، وهو مؤسس الكيانية الفلسطينية، ومن هذا كله يستمد ابو عمار مصادر قوته، وفي كل ذلك تتجذر شرعيته، وعبر كل ذلك تكمن اسطورته.
فعلى مر اربعة عقود، بعواصفها وزلازلها، مثلت سيرة ياسر عرفات نهوض قضية وقيامة وطن وتطلع شعب الى الحرية، في اطار من الصراع على الزمان والمكان والمعنى، حيث استطاع الفلسطينيون، بحيويتهم وتضحياتهم، وبعنادهم وبطولاتهم، ان يفرضوا حقيقتهم، رغم محاولات الإنكار والنفي والتغييب الاسرائيلية، ومحاولات التهميش والتقييد في الواقع الاقليمي العربي، على رغم الصمت والتجاهل الدولي.
ومع كل الانتقادات التي يمكن كيلها له، والتي يمكن له بالتأكيد تقبل أكثريتها، ولو على مضض، وعياً منه لمكانته الرمزية والوطنية، فإن التاريخ سيسجل لياسر عرفات انه صاحب المبادرة في اطلاق الكفاح التحرري ضد اسرائيل، الذي جاء بالشعب الفلسطيني من غياهب اللجوء والشتات والنسيان الى معادلات السياسة في الشرق الاوسط، وانه حافظ على مكانته المعنوية في قيادة الشعب الفلسطيني على اختلاف تلاوينه وتياراته، وانه وضع شعبه المولع بالرموز والشعارات على عتبة الواقعية السياسية، ادراكاً منه لحاجة الفلسطيني الماسة الى تحويل حلمه الدائم في وطن متخيل مسكون بالذاكرة، الى وطن متعين على الخريطة، في عالم لا يعترف الا بحقائق موازين القوى ومعطيات السياسة.
وتبدو مأثرة ياسر عرفات الفريدة انه زعيم نادر في العالم العربي في محض شعبه ثقته له، ولو جاءت مشوبة ببعض الاختلافات، من دون ان يكون له سيادة اقليمية مباشرة على أي من التجمعات التي يعيش فيها الفلسطينيون، في الاراضي المحتلة وفي مناطق اللجوء المختلفة، وفي اماكن الشتات الشاسعة!
هذه الشخصية الاشكالية والبراغماتية حيّرت اسرائيل، كما غيرها. فهذا الرجل هو صاحب القرار في الكفاح المسلح ضدها وصاحب قرار التسوية والتعايش معها، وقائد المفاوضة والانتفاضة في الوقت ذاته. وهذا الرجل هو الشخص الذي وحد الشعب الفلسطيني بمختلف تياراته، الوطنية والقومية واليسارية والدينية، من حوله. وهو الزعيم الذي ظل الفلسطينيون يجمعون عليه، بمختلف المراحل والمسارات، من مسيرة الثور الى مسار التسوية. وهو الذي استطاع نقل الوعي السياسي لشعبه من الشعارات الى ارض الواقع، ومن التوهّمات الى الممكنات، ومن المطلق الى النسبي. فهو ابو الواقعية والبراغماتية السياسية، برغم تمسكه بأهداب التاريخ ووقوفه عند تخوم الأسطورة!
عموماً فاجأ ياسر عرفات معارضيه، وربما خيب توقعاتهم منه، او بالاحرى فإنه كشف ضحالة تفكيرهم وتجربتهم في السياسة. فهو، مثلا، لم يفرط بالوحدة الوطنية، الى حد الذهاب للاقتتال الداخلي لفرض اجندته السياسية، ولم يتخل عن مشروعية خيار المقاومة المسلحة، كما لم يذهب الى حد التفريط بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني مقابل دولة او سلطة، على ما ادعى هؤلاء. بل انه مارس على العكس من كل ذلك، حتى انه دفع ثمنا باهظا ثمن كل هذه الخيارات، فيما بعض المعارضة بقي في مواقع المتفرجين او المشككين!
ولعل من قبيل الانصاف القول انه مع كل الملاحظات على ادارته للوضع الفلسطيني فإن هذا الرجل، وبرغم الظروف الصعبة والضغوط الهائلة التي تعرض لها، ظل صامدا، مسكونا بهاجس دوره التاريخي وقيمته الرمزية ومكانته في قلوب شعبه، وهذا ما جعل منه شخصية عصية على التطويع او التنميط.
والمفارقة ان الموقف الاسرائيلي والاميركي، المتغطرس، تناسى او تجاهل الحقيقة الساطعة التي مفادها ان الرئيس عرفات هو الزعيم الذي استطاع نقل الوعي الفلسطيني، من المجال التاريخي والرمزي، الى المجال البراغماتي والسياسي. او من مجال الصراع والنفي المتبادل الى مجال التسوية والتعايش المشترك، وفق صيغة دولتين لشعبين، مستثمراً في ذلك ثقة شعبه به بحكم أمانته التاريخية والرمزية والوطنية.
هكذا فإن ازمة عرفات على هذا الصعيد لم تكن كامنة فيه تحديدا، برغم ما قد يؤخذ عليه في هذا المجال في طريقة ادارته للوضع الفلسطيني وعدم حسمه لخيارات الانتفاضة المتضاربة. فهذه الازمة ظلت كامنة اساسا في عدم نضج اسرائيل للذهاب بعملية التسوية الى نهاياتها.
فبينما غامر ياسر عرفات بالانخراط في عملية التسوية وفي اقناع شعبه بوجاهتها، رغم ظروفه الصعبة، كانت اسرائيل بعملها وليكودها، تتآمر عليه، لأن تسوية كهذه تتأسس على حضور الشعب الفلسطيني من الغياب الى التاريخ، تؤكد شرعية وعدالة واخلاقية الرواية الفلسطينية، وتنزع عن الرواية الصهيونية شرعيتها وادعاءاتها الاخلاقية، وتكسر احتكار اسرائيل لصورة الضحية، وهي أمور لم تبد اسرائيل جاهزة لها بعد.
بهذا المعنى فإن معركة الدولة العبرية ضد عرفات بدأت بالتهرب من استحقاقات عملية التسوية وبخلق الوقائع الاستيطانية التي تؤبد الاحتلال، مرورا بحبك فخ مفاوضات كامب ديفيد واتهامه بافشالها، تمهيدا للاعلان، في ما بعد، بأنه لم يعد ذا جدوى وانه لم يعد شريكا في السلام، واتهامه بولوج طريق العنف ووصمه بالارهاب، وصولا الى المطالبة بعزله او تقييده، بدعوى اصلاح الحال الفلسطينية!
ويبدو ان اسرائيل في هذه المواقف والادعاءات انما كانت تحاول التهرب من الأسئلة التي طرحتها عملية التسوية عليها، والتورية على واقع عجزها عن السلام الذي يتطلب الاعتراف بالآخر الفلسطيني ووضع حد لعملية الانكار التاريخي لوجوده.
هكذا، بعد ان عجزت عن تغييب الفلسطينين، للتغطية على جريمتها تجاههم، تعمدت القيام بجريمة اخرى بحقهم، عبر تشويه عدالة قضيتهم، ونزع شرعيتها والتشكيك باخلاقيتها، بوصمهم بالارهاب والترويج لعدم اهليتهم لحق تقرير المصير. وكانت المعركة ضد ياسر عرفات اختزالا للمعركة الاسرائيلية الدائمة ضد الشعب الفلسطيني. ومشكلة اسرائيل انها تدرك تماما أن استهداف الرئيس عرفات يعني العودة الى مربع الصراع الاول، او الى المجهول، لأنه لن يوجد بعد عرفات، وفي المدى المنظور، البديل القادر على اقناع شعبه بالتسوية معها، او باتنازل عن المبادئ التي رفض ابو عمار التنازل عنها.
على ذلك، فإن مرحلة ما بعد عرفات ستكون صعبة ومعقدة. فالرجل كان زعيما تاريخيا بامتياز، وهو رئيس منظمة التحرير وقائد حركة فتح ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، ومن الصعب ايجاد بديل في هذه اللحظات بحجم عرفات، على رغم وجود العديد من القياديين من رفاق دربه. فالتاريخ هو الذي يصنع هذا الطراز من الزعماء، لا مجرد القرارات.
ويمكن الاستنتاج بأن الفلسطينيين اليوم في مواجهة اعباء مرحلة انتقالية، بكل معنى الكلمة، من النواحي السياسية والتنظيمية، ولا شك انهم في هذه المرحلة بحاجة ماسة الى اظهار اعلى تجليات الوحدة والصمود، وبذل جهد اكبر لترتيب البيت الفلسطيني، على اسس جديدة قوامها التعددية والديموقراطية والمأسسة واحترام القوانين والدساتير واصول القيادة الجماعية. ولا شك ان حركة فتح بقيادتها وكادراتها تتحمل مسؤولية خاصة في هذا الاتجاه...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.