مع اطلالة موسم الشتاء، وما يعنيه من حاجة متزايدة لتوفير مستلزمات مواجهة برده وامطاره تبدو الحالة بالنسبة الى العراقيين اصعب، خصوصاً بالنسبة الى شرائح واسعة من المواطنين الذين كانوا يأملون بان تتحسن حالهم المعيشية الى حد ما بما يساعدهم على الاقلاع عن عادة الذهاب الى اسواق"البالات"، التي تبيع الملابس القديمة، وانتشرت في البلاد في اعقاب سنوات الحصار منذ عام 1990. وطوال تلك الفترة، ومع بداية كل موسم، تزدحم تلك السوق بالمواطنين الذين تغريهم البضاعة القادمة من الخارج، وهي متنوعة وتلبي جميع الاذواق، وباسعار تناسب ادنى الدخول. وكان الناس ينظرون الى سوق البالات باعتبارها حالة استثنائية اقتضتها ظروف الحصار، وانعكاس شحة الموارد المالية للدولة على دخل المواطن، خصوصاً شريحة الموظفين. وتوقع هؤلاء ان تؤدي الحرب الاخيرة التي اسقطت نظام صدام الى تغيير نمط الحياة لتلبية حاجاتهم المعاشية، لكن الامر ظل على حاله ولم يتغير. ويحذر البعض من شراء المستعمل بسبب محاذيره الصحية والخشية من ان تكون الملابس ناقلة للامراض. مع ذلك اصبحت سوق البالات تشكل بالنسبة الى الكثيرين منفذاً للحصول على مشترياتهم، التي تعدت الملابس المختلفة الى المستلزمات المنزلية الاخرى. وفي منطقة الكاظمية في بغداد، التي تزدحم باسواق البالات، تنوعت اساليب العرض وتعددت. احتل بعض تجار البالات ازقة بالكامل، والبعض يبيع على عربات التفت عليها النساء والرجال لاختيار ما يلبي حاجتهم. ويقول صاحب احد المحلات ان"بيع الملابس المستعملة اصبح تجارة رائجة، وباتت تنافس المستورد والمصنع محلياً في السعر بعدما تلاشت امال الناس في تحسن احوالهم ومواردهم المالية وظلت معاشات منتسبي الدولة لا تقوى على شراء الجديد على رغم الانتعاش النسبي المحدود الذي طرأ عليها". وتقول الموظفة في وزارة الصحة سها احمد انها"لا تفكر في ارتياد محال الملابس الجديدة بسبب ارتفاع اسعارها التي تفوق استطاعة أي موظف، وتبقى البالات نافذة بالنسبة الينا جميعاً نطل من خلالها على ما نعتقده جديداً بسبب سعره المنخفض". ويشير موظف اخر يعمل مدرساً بالثانوي الى ان"البالات تعد متنفساً لشرائح واسعة من المجتمع، وكان البعض يعتقد انه سيطرأ تحول نوعي في مستوى معيشته يساعد على التحول من البالات الى مخازن ومحال بيع الملابس الجديدة التي ظلت تجاورها على مضض وتعاني كساداً ملحوظاً". ويرى اصحاب محال وعربات وباعة متجولون في سوق البالات ان فصل الشتاء يشكل حالة مهمة مع تزايد طلبات الناس للملابس الشتوية،"باعتبارها جيدة الصنع واسعارها رخيصة وتصاميمها غير مألوفة وراقية"، على حد تعبيرهم. ويقول صاحب محل بالات في الكاظمية صلاح احمد:"الارباح وفيرة هذا الموسم، والايراد جيد، والمواطنون يقتنون ملابسهم باقبال، وستظل التجارة رائجة ونشطة لسنوات بسبب عوامل عدة، اهمها الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي قد تستمر وتمنع تحسن حياة المواطنين على النحو الذي يدفعهم إلى اقتناء الجديد، وبذلك يضطرون للذهاب إلى ملابس البالات لاسعارها الرخيصة". ويلفت د. اياد ابوالتمن، في معرض اشارته الى المحاذير الصحية للبالات، الى ضرورة ان تلتفت الجهات المعنية الى هذا الجانب بسبب المخاطر المتوقعة لاستخدامات هذه الملابس لانعدام التعفير وغياب الرقابة الصحية الحدودية. ويقول:"يتطلب الامر وضع برنامج صحي لتوعية المواطنين بشأن احتمال انتقال الامراض بواسطة الملابس المستعملة المستوردة، واذا كان لابد من استيراد وتسويق مثل هذه الملابس للحاجة الاقتصادية السائدة فان وزارة الصحة والجهات المعنية الاخرى تقع على عاتقها مهمة مراقبة المستورد وتوفير الوسائل الصحية الكفيلة بتلافي اية مخاطر قد تنجم عن استخدام هذه الملابس".