فوجئ العالم في الأيام الأخيرة وخلال غيبوبة رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات بوحدة صف على صعيد القيادة الفلسطينية قلما وجدت في السابق. فأعضاء القيادة ورفاق عرفات من أبو مازن الى أبو علاء الى الفصائل الفلسطينية المختلفة، أظهروا مسؤولية استحقت"اشادة"من جانب وزير الخارجية الأميركي كولن باول. كذلك أبدى أبناء الشعب الفلسطيني بدورهم هدوءاً ومسؤولية في ترقبهم لأخبار صحة رئيسهم التي رغبت زوجته سهى عرفات في اخفائها عنهم. فما هو سبب تصرف سهى عرفات على هذا النحو؟ ومن وراء كتابة ندائها الذي من المستبعد أن تكون كتبته من تلقاء نفسها؟ القنبلة التي فجّرتها سهى اساءت لوحدة الصف القائمة كأنها تريد إظهار الساحة الفلسطينية على عتبة حرب أهلية. وكان لافتاً امس ان الصحف الفرنسية اجمعت على اختلافها على القول بأن مبررات سلوكها هذه هو"أموال منظمة التحرير الفلسطينية". وعنونت صحيفة"لوفيغارو"الواسعة الانتشار صفحتها الاولى بالقول:"معركة من أجل كنز منظمة التحرير". في الاعوام الثلاثة الماضية، التي كان عرفات خلالها تحت حصار اسرائيلي في المقاطعة، نسي العالم زوجته سهى التي كانت مقيمة بين باريس وتونس، ولم يتذكرها الا عندما أثيرت فضيحة التحويلات بملايين الدولارات الى حساب باسمها. فمن دفع سهى الى اصدار هذا النداء الذي أثار استياء أبناء فلسطين الذين يعانون منذ سنوات من الاحتلال والبؤس في حين أنها تعيش في نعيم الغرب. استيقظت سهى من منفاها الهادئ لتحمل على قيادة فلسطينية تاريخية تستعد لتحمل مسؤولية بالغة الصعوبة مع غياب رئيسها عن الساحة. هل وعت سهى ان موقفها المعيب، ومنعها للأطباء الفرنسيين الذين يشرفون على الرئيس الفلسطيني من الادلاء بمعلومات كافية وواضحة وذات مصداقية عن حاله أساء للشعب الفلسطيني وأيضاً للسلطات الفرنسية التي تستضيفها؟ الكل يتذمر من تصرفاتها لأنها مستغربة وليست لمصلحة فلسطين، ومن هنا السؤال مجدداً لمصلحة من اذن؟ من يخاف اليوم في غياب عرفات من تحرك أميركي لدفع عملية السلام سوى اسرائيل؟ فالآن، ومع انتقال السلطة الى أيدي أبو مازن وأبو علاء، ومع بدء الحوار بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، لم يعد هناك أي مبرر لدى الجانب الاسرائيلي لرفض التفاوض والتجاوب مع ما تطلبه ادارة اميركية تحررت من مقتضيات الانتخابات الرئاسية. تصرف سهى يدخل في خانة من يريد تخريب وحدة الصف ونشر الفضائح، والمهم الآن ان تتمكن القيادة الفلسطينية من تنظيم انتخابات تشريعية بعد شهرين. ويقول الكاتب الفلسطيني ايلي صنبر في هذا الاطار انه"مع وجود 750 نقطة اسرائيلية في الضفة الغربية وحدها لا يمكن التواصل وتنظيم انتخابات عملياً، لأنه لا يمكن للناخب ان يتوجه الى صناديق الاقتراع". وفي غياب الانتخابات يرى صنبر انه"لا يمكن القبول بالشخصيات التي ستكون مسؤولة عن الساحة الفلسطينية، وبالتالي فإن من سيمنع الانتخابات يبحث عملياً عن الاضطرابات". وفي غياب عرفات من الواضح ان كثيرين يريدون نشر البلبلة والاضطراب، وفضائح سهى تصب في هذه الاطار من دون أن تبالي بأي لحظة من اللحظات لكونها في ضيافة فرنسية. فهي غير واعية بأنها اربكت باريس وكبار مسؤوليها، بدءاً بالرئيس جاك شيراك وصولاً الى وزير الخارجية ميشال بارنييه، الذين يعملون بلا انقطاع من أجل دفع عملية السلام واحترام حقوق الشعب الفلسطيني وانهاء الاحتلال. لم تهتم سهى بنصيحة الفرنسيين بأن يكون اعلام المستشفى العسكري في بيرسي أكثر وضوحاً لقطع الطريق على اشاعات غير صحيحة. فعرفات في غيبوبة فعلية وكل يوم يمر تصبح غيبوبته أكثر خطورة، وسهى تفتعل المشاكل حتى مع الأطباء الفرنسيين. لكن أكثر ما أدهش باريس ان هذه الزوجة بدت في اللحظات الحاسمة الأكثر جهلاً بأهمية الشخص الذي تدعي الدفاع عنه، ولم تأخذ ولو عبرة بسيطة من العشرات والمئات الذين قصدوا المستشفى لزيارته ولو رمزياً.