أصبح الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في رحاب الله، وأعماله وإنجازاته في ذمة التاريخ، بَكَتْهُ الامارات، شيباً وشباباً ونساءً، كما لم تبكِ أحداً من قبله، وأحس الجميع، هنا بحالة من اليُتْم، بعد رحيل الوالد والقائد المؤسس. أشعر بإرباك في الكتابة عن مآثر القادة، ما بعد الجنائز، حيث تختلط الغايات والمقاصد.. كتبت، هنا، في هذه الصفحات، بعد رحيل الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة الذي كان يعتبر الرياضة جزءاً مهماً من عملية الحداثة في تونس ما بعد الاستقلال. لا تنبع هذه الكلمات من معين الحب والتقدير الذي يحظى به الراحل من قِبَلِ شباب العرب، ولا من الواجب الاخلاقي بالدعاء خيراً، للشجرة التي استظل بظلالها الوافرة هذه السنوات، فحسب، بل كذلك من صميم روح العمل.. فبرحيل زايد الخير، فقدت الرياضات التراثية في منطقة الخليج العربي، أحد أبرز المؤمنين بتنمية انتشارها وتنشئة الشباب على حبها وخدمتها، من منطلق مقولة طالما رددها "بأن من لا ماضي له لا مستقبل له". لن نسرد التحولات العميقة التي عرفها المجتمع الاماراتي في المجال الرياضي منذ لحظة تأسيس الاتحاد، فذلك من عمل الكتبة الرسميين والمؤرخين.. شاء الله، أن يكون آخر أعمال الفقيد في هذا المجال تكريمه في ايامه الاخيرة للبطل الاولمبي الشيخ احمد بن حشر بعد تتويجه بالذهب في اثينا، حيث قُلِّدَ بأعلى الأوسمة وبمكرمة استثنائية بلغت 5 ملايين درهم. لا تزال مدينة زايد الرياضية، معلماً شامخاً للكرة والحياة، وسط العاصمة ابوظبي، ولكننا لم نعرف الراحل مولعا بالجلد المدور، أو متابعاً للمتغيرات في المشهد الكروي، كان رجلاً حداثياً بالمفهوم الاجتماعي للكلمة، ولكنه، كان وفياً لبيئته، محافظاً على تراثه، مدركاً لخصوصية منطقته، مؤمناً بالانسان القوي في علاقته بالطبيعة، فكان أن حض على تنشئة الشباب على عادات وتقاليد أجداده، وأرسى بنية تحتية عملاقة لتجسيد إيمانه بالرياضات التراثية. هنالك، ظاهرة مهمة، ربما يجدر التوقف عندها هي مفهوم الرياضة للجميع، الذي كان يندثر في منطقتنا بطغيان هوس كرة القدم، هنا لا تزال الكشافة للشباب والشابات حية، نشطة، تُخرِّج الاجيال في مدرسة التضامن الاولى.. لا شك أن الثروة التي أفاء بها الله على هذه الامارات، ساهمت في تجسيد هذه الخطوات العملاقة.. إلا ان ادارتها وحسن التصرف فيها وأوجه توظيفها أكدت حكمة الراحل. قلت لسائق التاكسي، ونحن في طريقنا للمسجد الجامع حيث أديت على زايد الصلاة الاخيرة "رأيت الحزن في وجوه الجميع، مواطنين ومقيمين"، فأيقظني من ذهولي بكلمات هزتني قائلاً "لماذا تذهب بعيداً، فالكل يدعو له، المئات الذين يتمتعون بمتابعة سباقات الفروسية او الهجن او الانشطة المتعددة للرياضات البحرية الشراعية او الميكانيكية الحديثة، وعشاق رياضات الرماية والشطرنج". رحم الله زايد حكيم هذه الأمة.