سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الشرطة سحبت كتباً بتهمة معاداة السامية ... وبعض الفوضى في البرنامج وإقبال ألماني زهيد . فوز صاحبة "مدرسة البيانو" بنوبل الآداب يحرك موجات ترجمة غير عربية في فرانكفورت
حدثان مهمان: الأول مصادرة الشرطة الألمانية بعض الكتب العربية "بتهمة معاداتها للسامية" بحسب ما ذكرت بعض وكالات الأنباء. والشرطة لم تقدم أي ثبت بعناوين هذه الكتب. الحدث الثاني اعلان جائزة نوبل أول من أمس. عندما أعلن فوز الكاتبة النمسوية الفريدة يلينك بجائزة نوبل للآداب تسارع ناشرون أجانب وبعض الجمهور في معرض فرانكفورت الى الأجنحة النمسوية والألمانية التي تعرض كتب هذه الأديبة المعروفة جداً نمسوياً وألمانياً. راح هؤلاء الناشرون يوقعون العقود سريعاً مع الدور النمسوية والألمانية بغية ترجمة أعمال يلينك ونشرها في لغات شتى. في تلك الأجنحة المزدحمة لم أرَ ناشراً عربياً يسعى الى الحصول على عقد للترجمة، ولعل الناشرين العرب لم يبدوا مهتمين بالجائزة والفائزة بها. القسم العربي في معرض فرانكفورت لا يختلف عن أي معرض عربي للكتاب، إلا أن الناشرين المصريين الذين احتلوا الواجهة عمدوا الى تزيينها لتلفت أنظار الزائرين: هندسة نادراً ما شاهدناها في معرض القاهرة، وتوضيب للكتب يخضع لنظام لا فوضى فيه. ولا غرابة أن تحتل ملصقات مشروع "كتاب الأسرة" المدخل وتحتها نسخ كثيرة لكتاب عن المشروع يحمل توقيع السيدة المصرية الأولى سوزان مبارك. الجناح السعودي الضخم احتل مساحة لافتة وجاور الجناح المصري وضم كتباً سعودية مختلفة الاتجاهات. وفي هذا الجناح تقدّم التمور للزائرين وبعض المنشورات. أما الجناحان الإماراتي والعماني فلم يختلفا في كرمهما عن الجناح السعودي: القهوة والتمور تجذب الزائرين والعابرين ولا بد من وقفة ونظرات الى العناوين... هذه الملامح تجذب الزائرين الألمان والعرب وخصوصاً العروض الفولكلورية التي تميز بها الجناح الإماراتي ومنها صبغ الحناء وصناعة النسيج وسواهما... للوهلة الأولى يظن الزائر انه في مهرجان يجمع بين الثقافة والفولكلور والسياحة، لكنه ما إن يصل الى الأجنحة الخلفية حتى يكتشف ان المسألة هي مسألة كتب معروضة... الناشرون المغربيون الذين يشاركون في صورة شخصية صنعوا ما يشبه البهو المغربي وعرضوا فيه القليل من الكتب. أما الناشرون الآخرون وخصوصاً اللبنانيين فغدت أجنحتهم "مزروكة" وضيّقة... يشعر الزائر العربي ان الأجنحة العربية فقيرة وضئيلة، ويشاهد بعض الناشرين يتأففون ضجراً وأحياناً من سوء التنظيم. الزائرون قليلون نظراً الى الأجنحة العالمية الأخرى، ولا حركة بيع أصلاً في المعرض ما خلا نهار السبت عندما يفتح المعرض أبوابه للعامة. معرض فرانكفورت هو سوق للعقود والصفقات والترجمات أكثر منه سوقاً للبيع. وقد لا يصدّق الزائر العربي أن المساحة الهائلة والأبنية التي تؤلف المعرض تقتصر فقط على العقود. فالمعرض عالم بذاته، بهندسته البديعة وضخامته ونظامه الصارم. لا جديد في عناوين الكتب العربية المعروضة ولا إعلانات أو ملصقات عن كتّاب ومؤلفاتهم ولا ترويج ولا حركة... لكن الأجنحة تحولت فسحة لقاء بين الناشرين العرب والكتّاب والشعراء والمثقفين وهناك تدور الأحاديث الجانبية و"المفاكهات" وتوجه بعض الانتقادات وتعلن بعض المآخذ... وفيما حضرت كتب كثيرة غابت أخرى... وقد فات لجنة الناشرين العرب أن تخصص جناحاً للكتب الألمانية المترجمة الى العربية وهي كثيرة نسبياً ومنها كتب غوته وكافكا ونيتشه وهيغل وجورج تراكل وريلكه والرومنطيقيين الألمان وبعض الشعراء المعاصرين. وكان من اللازم أن تعرض الكتب العربية المترجمة الى الألمانية قديماً وحديثاً وهي غير قليلة بدورها... حتى الكتب الصادرة في مناسبة المعرض مترجمة الى الألمانية لم تعرض في رفوف واحدة وبدت مبعثرة بين الدور الألمانية نفسها ويجب البحث عنها بتؤدة... هكذا مثلاً لا نجد كتاباً من ترجمة عبدالرحمن بدوي الذي كان من أوائل المترجمين من الألمانية الى العربية. أما الصالة الكبرى للمعرض والتي تعرض فيها نماذج من الكتب العربية، فبدت على قدر عالٍ من التنظيم، لكن الكتب اختلط بعضها ببعض وصفّت على الرفوف في طريقة فوضوية جعلت الزائر عاجزاً عن البحث عما يريد أن يشاهد. وعوض أن تصفّ الكتب بحسب الموضوعات التيمات أو المؤلفين تبعثرت عشوائياً وكيفما اتفق لها. "دار الجمل" لم تعرض كتبها ضمن الجناح العربي مكتفية بزاوية جميلة مع الكتب الألمانية. وجناح مجلة "بانيبال" التي تعنى بترجمة الأدب العربي الى الانكليزية شهد اقبالاً لافتاً من الزائرين الألمان وجذبت المجلة الكثيرين منهم الذين يرغبون في الاطلاع على الأدب العربي الحديث. وكتاب "مختارات من الشعر العربي الحديث" الذي أنجزه الشاعر والإعلامي السوري الأصل والألماني الهوية والتعبير سليمان توفيق يكاد ينفد نظراً الى طبعته الشعبية وهو يقدّم صورة بانورامية للشعر العربي المعاصر والجديد. كتب نجيب محفوظ معروضة بالانكليزية والألمانية وفي خزائن خاصة. ودواوين أدونيس ومحمود درويش يصادفها الزائر في أكثر من جناح ولكن بعيداً من الجناح العربي. ومن احدى مصادفات المعرض صدور مختارات للشاعر اللبناني الفرنكفوني فؤاد غبريال نفّاع في الانكليزية عن دار "بوست أبوللو برس". وهذه مصادفة غريبة حقاً. فهذا الشاعر مجهول عربياً وفرنسياً على رغم اعتراف كبار الشعراء الفرنسيين بأهمية تجربته. ومن المصادفات أيضاً أن يجد الزائر العربي كتب الروائي المصري ألبير قصيري معروضة كلها في إحدى الدور الفرنسية فيما هي غائبة عن الرفوف المصرية. ولعل هذا خير دليل على غياب الآداب العربية المكتوبة بالفرنسية والانكليزية وسواهما. وكم كان من الواجب أن تعقد ندوات أو ندوة واحدة على الأقل حول الأدب الألماني الذي يكتبه عرب ألمان وهم بدأوا يشكلون ظاهرة لافتة في العواصم الألمانية. وقد تغيب عن المعرض الكاتب رفيق شامي المعروف جداً في ألمانيا وهو روائي سوري الأصل وقد ترجمت رواياته الى لغات عدة سوى العربية. وكتب شامي مقالاً في إحدى الصحف الألمانية انتقد فيه التظاهرة العربية بشدة. أما الطاهر بن جلون الذي وصف المشاركة العربية ب"السيرك" فحضر على خلاف ما توقع البعض، وشارك في بعض الندوات. واللافت ان الصحف الألمانية الرئيسة فتحت صفحاتها أمام المشاركة العربية ونشرت مقالات ايجابية وأخرى سلبية. وكُتب عن ترجمة رواية اللبناني الياس خوري "باب الشمس" التي صدرت ترجمتها الألمانية قبيل المعرض. وإذا شهد معرض الكتاب العربي إقبالاً ضعيفاً، فإن الندوات والأمسيات الشعرية والسردية عرفت نجاحاً عادياً حيناً ولافتاً حيناً بحسب الأسماء المشاركة. وأقبل مستمعون على أمسية محمود درويش في دار الآداب وكذلك على "حفلة" الشاعر أدونيس التي شاركه فيها الفنان نصير شمّا ومغنيتان مصريتان، عزفاً وغناء. وغصّت حفلة الفنان مارسيل خليفة بجمهور كبير وقد أدّى فيها أغنيات من قديمه والجديد. ترى، هل سيتمكن الجمهور الألماني - القليل أصلاً - من تشكيل صورة واضحة عن الثقافة العربية؟ وكيف سيتمكن من تشكيلها وسط اللغط الكثير الذي يسود المشاركة العربية والفوضى التي تتخلل البرنامج العام للمشاركة هذه؟ ينبغي الانتظار. الانتظار فقط. ومن يدخل المعرض من البوابة الرئيسة تلفته خيمة منصوبة على الرصيف قبالة البوابة وترتفع فيها أعلام اسرائيلية ولافتات تندد بالمشاركة العربية. وقيل ان تظاهرة ستقام اليوم دعا اليها اسرائيليون في ألمانيا احتجاجاً على حلول العالم العربي ضيفاً على معرض فرانكفورت.