العربي مثلنا متهم عندما يتكلم عن السياسة الأميركية لأنه يفترض انه يقف ضدها، لذلك اختار اليوم في الحديث عن سياسة ادارة بوش تقريرين رسميين أميركيين، هما تقرير لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ عن الحرب على العراق، وهو في 511 صفحة، وصدر في تموز يوليو الماضي، وتقرير اللجنة الوطنية للارهاب على الولاياتالمتحدة، وهو التقرير الذي عرف باسم "لجنة 9/11"، ويقع في 567 صفحة وصدر في الشهر نفسه. سأنتهي من تقرير لجنة الاستخبارات بسرعة، لأن التقرير الآخر أهم، ومع ذلك هناك نقاط مثيرة تستحق التسجيل من نوع ان التقرير أظهر ان وكالة الاستخبارات المركزية لم تصب في شيء على الإطلاق وهي تقوّم قدرات العراق العسكرية، وعذرها في النهاية ان الحرب لا تقررها الاستخبارات بل الرئيس. جورج بوش صدق قول رئيس الوكالة جورج تنيت له ان القضية عن أسلحة الدمار الشامل في العراق "سْلام دنك"، وهي ما ترجمته لبنانياً "كبْسه" عندما يسجل لاعب هدفاً في كرة السلة بضرب الكرة من فوق، والمقصود التأكيد المطلق. تقرير التقديرات الوطنية للاستخبارات قبل الحرب كان فضيحة، فهو أكد كل ما نعرف الآن انه كذب عن حيازة العراق أسلحة دمار شامل ومختبرات كيماوية متنقلة ومخزوناً من اليورانيوم وبرنامجاً نووياً. وأصبح الرئيس يتحدث عن "خطر متزايد" و"تهديد تراكمي". ليس هناك خطأ غير مقصود. فروسيا والمانيا وفرنسا عارضت الحرب، ولا يمكن ان تكون استخباراتها أقوى من الاستخبارات الأميركية. والرئيس بوش تحدث عن "مسدس يتصاعد منه الدخان على شكل غمامة بشكل الفطر"، أي انه كان يتحدث عن تفجير العراق قنبلة نووية، الا انه تبين بعد ذلك انه وكبار اركانه اقتبسوا العبارة من خبر في "نيويورك تايمز" لجوديث ميلر ومايكل غوردون، أي ان الرئيس كان يستقي معلوماته من جريدة. التقرير لم يتهم الرئيس، الا ان لجنة الاستخبارات ستنشر تقريراً آخر السنة المقبلة، وأعتقد ان مادته ستعتمد كثيراً على أي المرشحين سيفوز بالرئاسة. بالمقارنة، تقرير ارهاب 11/9/2001 كان شبه معجزة في اكتمال مادته، وقد ترأس اللجنة توماس كين وكان نائبه لي هاملتون، وهو ضم 80 خبيراً من كل نوع، وخرج برد حاسم على النقاط المثارة، على رغم ان ادارة بوش عارضت تشكيل لجنة التحقيق، وقاومتها على امتداد التحقيق، وخفضت موازنتها، من دون أن تثبط عزيمة الأعضاء الذين أصدروا 17 تقريراً مبدئياً، قبل أن يصدروا النص النهائي الذي ضم 110 آلاف كلمة من الهوامش. اللجنة سألت أين كان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد صباح الهجمات الارهابية، ودافعت عن ريتشارد كلارك، مستشار الارهاب للبيت الأبيض، بعد أن حاولت الادارة التقليل من أهمية اصراره على ان ادارة بوش لم تصغ الى تحذيراته من الارهاب المقبل. ولعل أهم ما أظهرت اللجنة عن هذا الموضوع كان "التقرير اليومي للرئيس" الذي حمل تاريخ 6 آب أغسطس 2001، وقال صراحة ان مكتب التحقيق الفيديرالي يملك معلومات عن ان القاعدة تقوم بنشاط مشبوه في الولاياتالمتحدة، وتريد خطف طائرات للهجوم، ورجالها يرصدون بنايات رسمية في نيويورك. ليس هذا فقط، فقد أظهرت اللجنة ان ذلك التقرير كان الأخير من بين 36 تقريراً تلك السنة تحدثت عن نشاط القاعدة ضد الولاياتالمتحدة تحديداً وحذرت منه. في أهمية ما سبق تحذير عميل لمكتب التحقيق الفيديرالي في مينيابوليس من أن زكريا موسوي يتدرب لخطف طائرة وصدم بناية فيديرالية بها. ولم تتحرك ادارة بوش ازاء هذا التحذير أو تحذيرات التقرير اليومي من القاعدة. وهي حاولت كتم التقارير، الا ان اللجنة أرغمتها على النشر، فأعلنت انها تطوعت به، وصححت اللجنة المعلومات. التقرير يفضح في كل صفحة منه جهلاً أو كذباً، فقد كان الارتباك الحكومي يوم الارهاب من مستوى لا يصدق، والرئيس بقي خمس دقائق أو سبعاً في مدرسة الصغار في فلوريدا، حتى بعد ان سمع بارتطام الطائرة الثانية بالبرج الثاني لمركز التجارة العالمية. وأصدر نائب الرئيس الأمر بإسقاط الطائرة المخطوفة الرابعة من دون أن يدري انها سقطت فعلاً قبل أن تقترب من واشنطن، ثم زعم والرئيس ان جورج بوش أصدر الأمر، أو أنه شاوره قبل اصداره، غير ان التقرير يوضح في شكل قاطع، واستناداً الى المخابرات الهاتفية المسجلة، ان تشيني أصدر الأمر من دون عودة الى الرئيس. وقد اعترضت الإدارة بشدة على التقرير الأولي الرقم 17 عن ارتباكها يوم 11/9/2001، ما يؤكد ذلك الارتباك وضياع تسلسل القرار. وطبعاً، فقد أعلنت اللجنة بعبارة صريحة ان نظام صدام حسين لم تكن له علاقة عمل مع القاعدة، على رغم تأكيدت بوش وتشيني قبل الحرب وبعدها. وكان أن عاد الرئيس ليقول في شكل غامض انه كانت لصدام حسين "علاقات ارهابية" من دون أن يوضح الطرف الآخر فيها. أقول ان تقرير لجنة الاستخبارات ضم أعضاء من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، وان تقرير لجنة الارهاب ضم أعضاء مختلطين أيضاً وخبراء، وقد تجنب التقرير الأول تحميل الرئيس مسؤولية الحرب، مع انه كان واضحاً ان الحرب قرار من الرئيس وحده، في حين ان التقرير الثاني لم يتهم الرئيس مباشرة، لأن الأعضاء كانوا مصرّين على ان يصدر بالإجماع. ومع ذلك، فأي قارئ للتقرير لا يمكن أن يغفل عن التوجه في كل صفحة منه الى تحميل الرئيس المسؤولية. التقريران يتهمان الرئيس وإدارته بالفشل في توقع الارهاب، وفي التعامل معه بعد ذلك، وفي المعلومات لتبرير الحرب على العراق، وفي ادارته بعد ذلك. والفشل الهائل أدى الى ضحايا بالألوف من عراقيين وأميركيين، والى خسائر مادية تفوق الحصر. مع ذلك، فالرئيس بوش يريد خوض الانتخابات على أساس أنه "رئيس حرب" معتمداً على "انجازاته" ضد الارهاب العالمي الذي زاد مع كل خطوة خاطئة له وقرار. وأكمل غداً.