5 أحياء تستقطب زوار جدة والإيجار اليومي نار    60 ألف غرفة فندقية مرخصة بالمدينة المنورة    تطبيق العِمَارَة السعودية على رخص البناء الجديدة    الأربعاء.. الأهلي يواجه القادسية في نهائي كأس السيدات    هدف لاعب الرياض "إبراهيم بايش" في شباك الاتحاد الأجمل في "جولة العلم"    العتودي مساعدًا لرئيس بلدية بيش    الراجحي يشكر القيادة على توجيهها بصرف معونة شهر رمضان لمستفيدي الضمان الاجتماعي    بداية من الأربعاء أمطار رعدية على معظم المناطق    78 مليونا لمستفيدي صندوق النفقة    غلفها بزيادة لتعزيز سلامة الغذاء والصحة العامة    الموافقة على صرف أكثر من ثلاثة مليارات ريال معونة رمضان لمستفيدي الضمان    الموهبة رائد عسيري: الصدفة قادتني إلى النجومية    أمسية شعرية ضمن أهلا رمضان    مسجد "عِتبان بن مالك الأنصاري" مَعْلمٌ تاريخي يرتبط بالسيرة النبوية في المدينة المنورة    8 خدمات نوعية للقطاع الوقفي    تتبع وإعادة تدوير لوقف هدر الأدوية    الأخضر يركز على الاستحواذ    صقور نجد يتوج بكأس بطولة الوسطى للهوكي ويحصد الميداليات الذهبية    إقبال على فحوصات صم بصحة في نجران    إرشادات لمرضى الربو خلال رمضان    تقليد السفيرين الفلسطيني والمصري وشاح الملك عبدالعزيز    وكالة الطاقة الدولية.. تهدد أمن الطاقة    ضبط شخصين مخالفين للائحة الأمن والسلامة لمزاولي الأنشطة البحرية    القيادة تهنئ رئيس إيرلندا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    خريطة العمارة السعودية استثمار للهوية وتنمية مستدامة    مشروع ولي العهد يُطيل سلامة مساجد الجوف    "الداخلية" تطلق معرضاً للتعريف بخدماتها لضيوف الرحمن    وزير الإعلام: ولي العهد لا يقبل المديح الزائف وحرية الإعلام مرتفعة    الحوثيون يستهدفون حاملة طائرات أميركية للمرة الثانية    حصار إسرائيلي مستمر    مُحافظ وادي الدواسر يكرم 280 حافظاً وخاتماً للقرآن    مات اللواءُ علي ولم تمُت مآثره    العلم الذي لا يُنَكّس    الاقتصاد السعودي يحقق أهدافه    جمعية الدعوة بأجياد تطلق مسابقة "الحفيظ " لحفظ السنة النبوية في رمضان    دوري أبطال آسيا للنخبة: الهلال والنصر والأهلي يواجهون في ربع النهائي غوانغجو ويوكوهاما وبوريرام    أمين القصيم يزور "بسطة خير السعودية" ويشيد بجهود المشاركين    إدمان الأجهزة لدى الأطفال.. 7 علامات تحذيرية وحلول فعالة    18 ألف مستفيد من مركز الزامل للعيون بمستشفى الملك سعود بعنيزة في 2024    تجمع القصيم الصحي ينظم 16 فعالية للمشي    وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأفواج الأمنية يتفقّد قوات الأفواج بمنطقة نجران    موجز    «عشا الوالدين»    34 قتيلًا وجريحًا.. حصيلة انفجار اللاذقية.. الضباط «المنشقون» ركيزة الجيش السوري الجديد    إذا لم تفشل.. فأنت لم تحاول من الأساس    فتح باب التقديم لبرنامج" معمل المسلسلات"    للمرة الأولى في تاريخه.. وبحضور الرميان.. نيوكاسل بطلًا لكأس الرابطة الإنجليزية    الجيش السوداني يسيطر على «النيلين» «وشروني»    هلال القصيم يستقبل اكثر من 1514 بلاغا في شهر رمضان    أمانة تبوك تتيح تقديم ترخيص الخدمات المنزلية عبر منصة بلدي    4.67 ملايين للعناية بمساجد الأحساء    أخطر رجل في الجماعة الإرهابية: مرحلة الإمارات (7)    إصلاح قدرات الناتو ضرورة لمواكبة التهديدات المتسارعة    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    فرع هيئة الصحفيين بجازان يحتفي بيوم العلم السعودي بالتعاون مع فندق جازان ان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سحر شارون الإستراتيجي ومرض عرفات ورحيل ... السياسة
نشر في الحياة يوم 31 - 10 - 2004

حتى الصدف تأتي لصالح أرييل شارون، أم هل تراه يستدرجها ويستحضرها عند الحاجة، أي أنه كان عالما بالحالة الصحية للرئيس ياسر عرفات وباحتمال تدهورها، وهو يعرض على الكنيست الإسرائيلي خطة الانسحاب من غزة؟
مهما يكن من أمر، جاء مرض عرفات "حليفا موضوعيا" لشارون، كما يقال، جدّ، أو لنقل خرج إلى العلن في الوقت "المناسب"، ليصرف النظر عن مسألة الانسحاب من القطاع، بل الأصح إعادة الانتشار، وليضع الفلسطينيين في مواجهة تحد آخر، بات ملحا بالغ الإلحاح، هو خلافة عرفات، مع ما يكتنفها من أسباب قلق وما يلابسها من مخاوف: مخاطر صراع على السلطة قد يستحيل نزاعا أهليا أو صدام فصائل.
بذلك، يستكمل أرييل شارون ما أراده وسعى إليه بدأب منذ وصوله إلى السلطة: الانفراد بالقضية الفلسطينية، يعالجها و"يحلها"، على طريقته المعلومة عنفا وإجراما، دون رقيب أو شريك، لا فلسطيني ولا عربي ولا دولي. هيأ لذلك كل الشروط والظروف: انتهز 11 أيلول سبتمبر ليُلحق المقاومة الفلسطينية بالإرهاب وليدرج حربه عليها في "الحملة الكونية" على هذا الأخير، وانتهز الانتفاضة الثانية ليجهز على مقومات الوجود الوطني السياسي الفلسطيني، تعبيرات ومؤسسات، فوأد "الشريك" وتباكى على فقدانه. أما الوهن العربي، فناجز ذاتيّ لدى أصحابه، ولأنه كذلك، كفى رئيسَ الحكومة العبرية عناء اجتراحه. لم تبق أمام شارون سوى مهمة واحدة، يبدو أن المرض قد تكفل بها، هي إزاحة الرئيس الفلسطيني، ذلك الذي وإن فقد سلطاته الفعلية تدريجا خلال السنوات الأربع الماضية، خصوصا منذ أن انغلقت أبواب "مقاطعته" في رام الله دونه والعالم الخارجي، إلا أنه ظل الرمز الجامع للفلسطينيين، ووجههم في العالم.
وهكذا، يكون شارون بصدد الاستحواذ على زمام المبادرة بالكامل، أي الانفراد بالقضية الفلسطينية. سعى إلى "حلّ" غير تفاوضي، أي إسرائيلي حصرا من حيث اعتباراته وأولوياته، يكون الجانب الفلسطيني موضوعه لا طرفا فيه، فكان في ذلك منسجما مع نفسه تمام الانسجام، إذ كيف يمكن لمن ينكر على الخصم صفة الوجود السياسي، أو يعمل تقويضا في ذلك الوجود، أن يسلم للخصم ذاك بالتفاوض، وإن من موقع الدونية والهزيمة؟ إذ أن شارون لا يرضى بالفلسطينيين حتى مهزومين، لأن للمهزوم وجودا سياسيا، يجعله طرفا وإن في علاقة مجحفة، أو وجودا قانونيا، تُصاغ معه الاتفاقات وتوقع معه العهود والمواثيق، وإن من باب الغلبة والإملاء. بل هو يريد لهم الإلغاء والإبادة، بالمعنى السياسي وليس الجسدي والمادي طبعا، طالما أن ذلك بات متعذرا في هذا الزمن، أقله نظريا وحتى اللحظة.
لعل تلك هي "الثورة" التي جاء بها شارون قياسا إلى المقاربة التسووية العمالية التقليدية. فهذه الأخيرة كانت تسعى إلى التوصل إلى تسوية مجحفة بالتأكيد وتعريفا بين منتصر ومهزوم، وكانت تعتبر، وإن على نحو ضمني، أن شرعية الدولة العبرية إنما تقوم، من بين ما تقوم عليه، على تسليم المهزوم الفلسطيني بهزيمته، أي ارتضاءه التخلي عن حقوقه على أرض فلسطين التاريخية والقناعة بما تبقى من تلك الأرض محتلاً. كأن الوعي العمالي التقليدي، والذي ربما مثلت اتفاقات أوسلو "أعلى" تجلياته، كان، وربما لا يزال، يستشعر أن المشروع الصهيوني، بالرغم من كل التبريرات "التاريخية" والدينية و"القيمية" اضطهاد اليهود وفظاعة المحرقة التي سيقت من أجل تسويغه، لا ترفع عنه صفة الاغتصاب، وهي صفة فيه أصلية، وتطعن تاليا في شرعيته، وأن هذه الأخيرة لا تكتمل إلا إذا سلم صاحب الحق التاريخي ب"حق إسرائيل في الوجود". ولعل الهاجس ذاك هو ما يفسر ذلك الإصرار الذي أبدته الدولة العبرية على نيل ذلك الحق، مع أن في ميزان القوة، ورجحانه الفادح إلى جانبها، ما كان من شأنه أن يجعلها في حلّ من تلك المطالبة اللجوج.
أما أرييل شارون فغير معني بذلك الاعتراف أصلا. فمنذ أن "استقر" النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني ضمنا في البداية وجهرا في ما بعد على قاعدة "التوصل إلى تسوية"، بعد حرب 1967 وانقسام فلسطين التاريخية إلى "أراضٍ محتلة" وأخرى تقوم عليها دولة إسرائيل، تمثل "إسهامه" الأساسي في العودة بالنزاع إلى أصوله الأولى: استئصالا متبادلا، أقله نظريا، لأن أسبابه وإمكاناته العملية غير متكافئة لدى الطرفين.
وأنكى ما في الأمر، أن المقاربة تلك تبدو فاعلة وناجعة إسرائيلياً وشارونيّاً، على ضوء النجاحات التي حققها رئيس حكومة الدولة العبرية، دون أن يتضح إن كان النجاح ذاك ناجما عن "عبقرية سياسية" يتمتع بها، أو عائدا إلى ثباته على اليقينيات التي كانت راسخة لدى جيل التأسيس الإسرائيلي وشارون في عداده حتى دار الزمن دورته، وتغيرت البيئة الدولية والإقليمية فأدركته من جديد حيث كان متوقفاً، ومكّنته من فرصة التحرك من جديد، كما يتحرك فيروس كان في حالة كُمون، وجعلت مقاربته راهنة وقابلة للتنفيذ.
غير أن ما يلفت في تلك المقاربة أنها، إذ تعود بالنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني إلى جوهره، ليست لا من يسار ولا من يمين. مقوماتها استراتيجية لا إيديولوجية. وهي لذلك خارقة للأغلبيات البرلمانية متخطية لها، إذ تقوم على لبس حيالها جميعاً. ولعل ذلك ما يفسر تلك القدرة التي يبديها شارون على استبدال الأغلبيات البرلمانية وما يصيبه من يسر في ذلك، إذ هو أوهم كل طرف، في كل مرحلة من مراحل استراتيجيته تلك، أنه ينفذ برنامجه أو يلبي مطالبه ويتبنى رؤيته: من حكومة الوحدة الوطنية مع العماليين، باسم محاربة الإرهاب، إلى حكومة يمينية تضم أحزابا متطرفة إلى جانب ليكود، كانت أداته في وأد فكرة التسوية وجعلها متعذرة واقعا، إلى تصويت الكنيست على خطة الانسحاب من غزة بفضل أصوات النواب العماليين، كأول نتيجة ملموسة وتنفيذية لذلك "الحل" الانفرادي الذي يستبعد فكرة التسوية استبعادا تاما، في حين يحسبها اليسار الإسرائيلي، وهو في ذلك بالتأكيد واهم منخدع، أو يتصنع الوهم والانخداع، أنها قد تكون بداية العودة إلى التفاوض مع الفلسطينيين، كما صرح يوسي بيلين، أحد رعاة وثيقة جنيف، اتفاقية السلام الافتراضي الشهيرة.
وقد شاءت الصدف أن يتزامن تصويت البرلمان الإسرائيلي على خطة تفكيك مستوطنات غزة مع تدهور صحة عرفات، ليرمزا إلى نهاية حقبة البحث عن تسوية. فكما ترسي الخطة المذكورة انفراد إسرائيل بالقضية الفلسطينية، فإن النهاية المحتملة لسلطة الرئيس الفلسطيني قد تعني غياب قائد كانت التسوية دوما نصب عينيه، أقله بفعل براغماتية تكاد تكون لديه غريزية.
وبديهي أن نهاية التسوية تعني نهاية السياسة، واستفحال العنف… والأخير هو كل ما تركه شارون متاحا للفلسطينيين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.