تقترب الحلبة السياسية في إسرائيل من درجة غليان لم تسجل مثلها منذ سنوات، وذلك مع اقتراب موعد تصويت الكنيست على خطة الانفصال الأحادي عن قطاع غزة الثلثاء المقبل. وعلى رغم التوقعات بأن الخطة ستحظى بدعم غالبية مطلقة من النواب، لكن أحداً لا يعرف إلى أين ستتدحرج كرة الثلج، وما ستؤول إليه الصراعات داخل حزب "ليكود" الحاكم المنقسم بين مؤيد ومعارض، وكم من الوقت ستصمد الحكومة الحالية بزعامة ارييل شارون التي لا بد وأن تتغير تشكيلتها غداة إقرار الخطة. واحتدم السجال السياسي أمس مع الكشف عن رسالة شخصية بعث بها رئيس الكنيست رؤوبين ريبلين، حليف شارون حتى الأمس القريب، إلى ثلاثة آلاف من أعضاء "ليكود" حمل فيها بشدة على رئيس الحكومة زعيم "ليكود" واتهمه ب"خيانة أرض إسرائيل"، معتبراً خطة الانسحاب من غزة خطوة أولى "على طريق التخلي عن الضفة الغربية والقدس"، مضيفاً ان حزب "ليكود" يشهد حالياً اشنقاقاً. وقالت الوزيرة تسيبي ليفه إن رسالة ريبلين تمهد الطريق إلى اسقاط الحكومة، وان رئيس الكنيست والوزير عوزي لنداو بمعارضتهما الخطة، مستعدان لإطاحة النظام للحؤول دون تطبيق خطة الانفصال. وحذر نائب وزير الأمن الداخلي يعقوب ادري من مغبة أن تفسر عناصر متطرفة كلام ريبلين في غير سياقه، مضيفاً أن ثمة تهديدات جدية على حياة شارون وردت إلى أجهزة الاستخبارات "لكن هذه تبدو مستعدة لمواجهة السيناريو الأسوأ" محاولة اغتيال شارون. من جهته، واصل شارون ماراثون لقاءاته نواب الأحزاب المختلفة لحشد مزيد من الأصوات الداعمة لخطته، والتقى مساء أمس زعيم حركة "شاس" الدينية الشرقية ايلي يشاي محاولاً اقناعه بامتناع نواب الحركة 11 عن التصويت على الأقل، لكن الأخير أوضح له أنه ورفاقه يأتمرون بإمرة الزعيم الروحي للحركة الحاخام عوفاديا يوسف المتوقع أن يقول كلمته مساء غد. وبينما قال يشاي للإذاعة العبرية إن الحاخام يوسف لن يؤيد الخطة قطعاً إنما يتخبط بين معارضتها والامتناع عن التصويت، أفادت صحيفة قريبة من الحركة ان يوسف حسم موقفه ضد الخطة لانعدام وجود شريك فلسطيني يلتزم بسط الأمن في القطاع بعد الانسحاب الاسرائيلي المزمع منه، ولكن أساساً لاعتباره الحكومة الحالية اسوأ من حكومة اسحق رابين التي وقعت على اتفاقات اوسلو "وكل منهما تخلى عن التوراة بقسر وإكراه". وأشار معلقون الى ان شارون يولي أهمية قصوى لموقف الحاخام طامحاً الى احداث كوة في جدار الرفض الذي أقامه المعسكر الديني. واضافوا ان شارون لن يتردد في اغراء قادة "شاس" بالأموال لحسم ولائهم، كما جرت العادة، لكن يشاي ادعى في حديثه للاذاعة العبرية ان قرار الحاخام يوسف سيتخذ لاعتبارات دينية فقط من دون الربط بين خطة الانفصال والالتحاق بحكومة شارون. الى ذلك، أفادت صحيفة "هآرتس" ان حاخامين يعتزمون التوقيع على عريضة تؤكد رفضهم فتاوى أصدرها حاخامون الاسبوع الماضي بتحريم اجلاء مستوطنين، ما يعكس حال الارتباك في المعسكر الديني ايضاً. من جهته، أعلن وزير العدل يوسف لبيد ان صبر الجهاز القضائي على تحريض الحاخامات على رئيس الحكومة والفتاوى التي اصدروها قد نفذ وانه لن يتردد في تقديم المحرضين الى العدالة. وبات أكيداً ان 68 نائباً على الأقل من مجموع 120، سيصوتون الى جانب الخطة على رغم التوقع بأن نحو نصف نواب حزب "ليكود" سيصوت ضدها. وتتحقق هذه الغالبية بفضل أصوات حزبي "العمل" و"ياحد" من تياري الوسط واليسار 27 نائباً. ويبدو زعيم "العمل" شمعون بيريز متحمساً للخطة اكثر من شارون نفسه، إذ بعث برسالة الى نحو مئة ألف من اعضاء الحزب شرح فيها أهمية اقرار الخطة و"التصويت التاريخي" وانها "ستخلص اسرائيل من أنياب الحروب وتضع حداً للنزاع العربي - الاسرائيلي"، باعتبارها خطوة أولى في تطبيق "خريطة الطريق" الدولية. وأضاف بيريز ان اقرار الخطة يعني ايضاً "ضمان الطابع اليهودي والديموقراطي لاسرائيل ويحول دون تدحرجها، لا قدّر الله، نحن دولة ثنائية القومية".